عندما تُعدِي الأوبئة الاقتصاديات العالمية وتهوي بأسواقها
«كورونا» هبط بأسعار النفط والأسهم وزاد الإقبال على الذهب والملاذات الآمنة
رغم أنه من المبكر جداً إحصاء الخسائر المالية الناتجة عن أضرار فيروس كورونا، فإنه يمكن إلقاء الضوء على ما حدث بأسواق السلع والأسواق المالية، لاسيما النفط والأسهم، فضلاً عن الملاذات الآمنة.
حبس العالم أنفاسه هذا الأسبوع على وقع تطورات انتشار فيروس كورونا في الصين، وامتد الأثر إلى قلق بالغ من تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي، خصوصا فيما يتعلق بأسواق الأوراق المالية، إلى جانب السلع، لاسيما النفط والذهب.وهذه ليست المرة الأولى التي تُعدِي الأوبئة أو الأمراض ذات الامتداد الواسع الاقتصاديات العالمية، فهذا الأمر ربما يعود إلى فترات ما قبل الميلاد، لكن ما يمكن قياسه في زمننا الحديث يمكن أن يعود الى القرن الماضي، وتحديدا عام 1918، عندما شلت الإنفلونزا الإسبانية القارة الاوروبية كاملة، وأثّرت بشكل سلبي على تنقلات السلع والبضائع، وأدت الى توقف اعمال المصانع، وبالنهاية افضت الى وفاة ملايين الاشخاص في أوروبا، مع العلم ان كلفة انتشار الإنفلونزا في زمننا الحالي تقدر بنحو 500 مليار دولار، حسب احصائية للبنك الدولي، بما يوازي 0.6 في المئة من حجم الناتج الإجمالي العالمي، دون احتساب الاضرار غير المباشرة المرتبطة بتراجع الإنتاج، كما ان هناك أمثلة أقرب زمنيا ترتبط بانتشار فيروس سارس عام 2003، الذي كبد الاقتصاد العالمي خسائر ناهزت 60 مليار دولار، وفيروس "ميرس" في كوريا الجنوبية عام 2015 الذي هوى بحركة السياحة بنحو 40 في المئة.
جنون البقر
ولعل أكثر الأمثلة وضوحاً لأثر الأوبئة على الاقتصاد كان في مرض جنون البقر، الذي تسبب في تدهور سوق تجارة لحوم الأبقار في بريطانيا وأدى في عام 1996م الى حظر الاتحاد الأوروبي استيراد لحوم الأبقار منها 10 سنوات، مما سبّب تفاقم الأزمة وانهيار سوق الأبقار فيها، وقدرت خسائرها المباشرة بـ 70 مليار دولار، فضلا عن الأضرار غير المباشرة التي تمثلت في تراجع سوق لحوم الأبقار في العالم كله حينذاك.نفط وأسهم وملاذات
وفي حالة كورونا، فرغم أنه من المبكر جدا إحصاء الخسائر المالية الناتجة عن أضرار هذا الفيروس، فإنه يمكن إلقاء الضوء على ما حدث بأسواق السلع والأسواق المالية التي تتغير نسبها لحظة بلحظة، إذ شهد سوق النفط تفاعلا سلبيا مع آثار الفيروس تمثّل في كسر خام برنت مستوى 60 دولارا للبرميل لأول مرة منذ 3 اشهر، لدرجة دعت مستثمري دول منتجة في "أوبك" كالسعودية والإمارات إلى عدم المبالغة في ردة فعلهم بسوق النفط، وهو ما حمل هذه الدول لاحقا، إلى جانب روسيا في المجموعة المعروفة باسم "أوبك+"، إلى إطلاق تصريحات تتعلق بتمديد خفض الانتاج الى يونيو المقبل او نهاية العام الحالي، وتحديدا بسبب الاضرار المتوقعة لفيروس كورونا على النمو الاقتصادي وحجم الطلب.كما هوت أسعار الأسهم في اميركا واوروبا وآسيا، وامتد الأمر كذلك إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تعاملات سلبية جداً مطلع هذا الأسبوع، مقابل زيادة لافتة في الإقبال على الملاذات الآمنة مثل الين الياباني وسندات الخزانة، فضلاً طبعاً عن الذهب الذي قفز إلى ذروة أسعاره في 3 أسابيع عند 1577.31 دولارا للأوقية.رابط الاقتصاد والأوبئة
وربما يتساءل البعض: ما الرابط المباشر بين الأمراض والأوبئة وبين الاقتصاد العالمي أو أسعار الأصول والسلع، كي تتأثر بهذه الحدة، مع تحدٍ صحي أكثر منه اقتصادياً أو مالياً؟ في الحقيقة، ثمة رابط وثيق بين صحة البشر والاقتصاد، فانتشار الأمراض في دولة كبيرة ومهمة مثل الصين سيؤثر على إنتاج المصانع، وبالتالي سيلعب دورا سلبيا على الطلب على النفط، فالصين لوحدها تستهلك حسب بيانات 2018 ما يتجاوز 13 مليون برميل نفط يوميا، بنسبة 14 في المئة من الانتاج العالمي، الأمر الذي سينعكس انخفاضا على الاسعار وما يرتبط بها بشكل غير مباشر من تراجع ايرادات الدول النفطية، لاسيما دول الخليج العربية، فضلاً عن أن تفشي المرض بالتزامن مع إجازة رأس السنة الصينية شكّل ضربة قوية لقطاعات السياحة والسفر والفنادق والنقل والطيران، وكل ما يرتبط بها من فرص عمل وأسواق وبضائع، بل حتى المسارح ومواقع الترفيه شملها الضرر، وامتد الأثر إقليميا الى دول اخرى مثل تايلند وفيتنام واليابان، التي شهدت خلال الاسبوع الماضي ارتفاعا في وتيرة إلغاء حجوزات السفر والفنادق، تخوفا من انتشار كورونا.صحيح، لم يتم احتساب حجم الخسائر في كل هذه القطاعات حتى الآن، لكنها من الناحية الأولية تبدو باهظة الثمن، وأيضا تشير الى عمق أثر الأمراض والأوبئة على الاقتصاد والاسواق، وكذلك الناس، حتى اولئك الذين لم يصابوا بالمرض.
الفيروس شكّل ضربة قوية لقطاعات مهمة كالسياحة والسفر والفنادق والنقل والتجارة