تباينت ردود الفعل على خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين في الشرق الاوسط، والتي تقترح "حلاً واقعياً بدولتَين وتتضمن اعترافاً بالمستوطنات كجزء من الدولة العبرية وبقاء القدس عاصمة موحدة لها" مع منح الفلسطينيين دولة متصلة جغرافيا وعاصمتها في أجزاء من القدس الشرقية. ورغم تحفظات أحزاب اليمين المتشدد والأحزاب الدينية والمستوطنين على الخطة الأميركية، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المقترحات بأنها تاريخية، وبدا أن حكومته مستعجلة للبدء بتطبيق البنود التي تناسبها ومنها ضم وفرض السيادة بالكامل على مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن.
وغداة تأكيد نتنياهو أن حكومته ستصوت الأحد المقبل على المرحلة الأولى من خطته لضم غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات اليهودية، شكك وزير السياحة ياريف ليفين من حزب "ليكود" (يمين)، بزعامة نتنياهو، في إمكانية قيام الحكومة بالتصويت الأحد على ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، وقال لإذاعة الجيش إن التصويت سيتم قريباً لكن ليس الأحد المقبل، مضيفاً:"نريد أن نقدم الاقتراح في أقرب وقت ممكن، لكن علينا العمل على العديد من الوثائق من أجل السماح بتقديم المقترح".من ناحيته، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت تشكيل طاقم خاص يضم مسؤولين من الدوائر الأمنية المختلفة تناط به مهمة اتخاذ التدابير اللازمة لفرض السيادة على هذه المناطق الاستراتيجية من الضفة الغربية المحتلة دون الانتظار إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في مارس.وقال بينيت، الذي ينتمي الى حزب "البيت اليهودي" اليميني المتشدد: "نحن نواجه أياماً مصيرية تتعلق برسم الحدود وتطبيق السيادة على المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة)"، مضيفاً: "أسمع تهديدات من الجانب الفلسطيني لن يردعنا شيء، والجيش مستعد لكل سيناريو". وحذر بينيت من أن إرجاء فرض السيادة قد يجعل إسرائيل "تفوت فرصة لا تعوض".
دراسة وتفاوض
وأطلقت خطة ترامب، التي لاقت ترحيباً متحفظاً جداً بعض دول المنطقة، دعوات لبدء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، حيث جددت السعودية دعمها لكل الجهود الرامية إلى الوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وشجع البدء في مفاوضات مباشرة برعاية أميركية.وإذ أكد الملك سلمان بن عبدالعزيز، في اتصال مع عباس، موقف المملكة الثابت من القضية وحقوق شعبه، دعمت وزارة الخارجية البحرينية كل الجهود لتحقيق سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وشكرت الولايات المتحدة على عملها على الخطة وحثت الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على بدء مفاوضات مباشرة برعايتها.كما رحبت قطر بخطة ترامب ومساعيه لإيجاد حلول للصراع العربي الإسرائيلي، معتبرة في الوقت نفسه أن السلام لن يكون مستداماً إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.وفي وقت سابق، اعتبر سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة أن خطة السلام "مبادرة جادة ونقطة انطلاق مهمة للعودة إلى طاولة المفاوضات"، مؤكداً تقدير أبوظبي للجهود الأميركية المستمرة للتوصل إلى اتفاق سلام.ورقة القاهرة واجتماع السبت
وفي حين دعت القاهرة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى دراسة الرؤية الأميركية بتأنٍ وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات، كشف دبلوماسي مصري رفيع لـ "الجريدة" عن إطلاع القاهرة على مبادرة ترامب قبل إعلانها دون إبلاغها بعدد من التفاصيل المهمة، وإن رد الفعل المصري هو رفض طرح هذه الخطة كصفقة يتم قبولها كاملة أو رفضها دون نقاش، وأن مصر ترى ضرورة الدعوة لمفاوضات على أساس الورقة المصرية لتعديل عدد من النقاط الجوهرية.وأكد المصدر أن الموقف المصري الذي سيتم طرحه على الاجتماع الوزاري العربي هو ضرورة عدم التسرع بإعلان رفض الخطة الأميركية وكذلك عدم التورط بقبولها كما هي مطروحة. وإنما اعتبارها أساساً يمكن البناء عليه في مفاوضات مع تأكيد التمسك بالثوابت العربية في قضايا: القدس وحق العودة للاجئين، والمستوطنات. مرجحاً أن يتبنى وزراء الخارجية في اجتماعهم المرتقب موقفاً قريباً من هذه الرؤية المصرية.حقوق ومواثيق
ووسط ترقب لاجتماع وزراء الخارجية غداً بحضور عباس، حذر الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، من أن القراءة الأولية للخطة تشير إلى إهدار كبير لحقوق الفلسطينيين المشروعة. غير أنه قال "إننا نعكف على دراستها بشكل مدقق، ومنفتحون على أي جهدٍ جاد يُبذل من أجل تحقيق السلام".وأكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين أن مدينة القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة والمساس بالوضع التاريخي والقانوني لها يُعد انتهاكاً للمواثيق الدولية، مشدداً على الدعم الثابت للجهود الدولية الرامية لتحقيق السلام القائم على رؤية حل الدولتين والوصول إلى سلام عادل وشامل.واتهم رئيس البرلمان العربي مشعل السلمي الخطة بأنها لا تتسق مع قرارات مجلس الأمن، مؤكداً دعم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمبادرة السلام ومبدأ حل الدولتين بناء على حدود 1967.المبادرة العربية
وأعرب الرئيس اللبناني ميشال عون في اتصال بعباس عن "تضامنه معه في مواجهة التطورات"، مؤكداً التمسك بالمبادرة العربية للسلام لاسيما حق العودة وقيام الدولتة المستقلة وعاصمتها القدس".وبينما انتقد رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة الخطة "المشؤومة" واعتبر إعلانها "يوماً أسود" للقضية الفلسطينية، شدد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي أن حل الدولتين على خطوط الرابع من يونيو 1967 "السبيل الوحيد" لتحقيق السلام الدائم وأن القضية الفلسطينية ستبقى المركزية الأولى للمملكة وأنها ستنسق مع فلسطين والدول العربية للتعامل مع المرحلة المقبلة في إطار الإجماع العربي.وحذر الصفدي من التبعات "الخطيرة" لأي إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض مثل ضم الأراضي وتوسعة المستوطنات في الأراضي المحتلة وانتهاك المقدسات اعتبارها "تخرق القانون الدولي وتدفع المنطقة باتجاه المزيد من التوتر والتصعيد"، مؤكداً أن الأردن بصفته الوصي على المقدسات سيستمر بدوره في تكريس كل إمكاناته لحماية المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية والحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم وحماية هويتها العربية الإسلامية والمسيحية.إيران وحلفاؤها
وفي حين سارعت حركة" حماس" إلى تأكيد رفضها والعمل على إسقاطها، فيما اعتبرها "حزب الله" محاولةً للقضاء على حقوق الفلسطينيين "التاريخية والشرعية"، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن "صفقة القرن لن تخدم السلام وغير مقبولة على الإطلاق لتجاهلها حقوق الفلسطينيين وإضفاء شرعية على الاحتلال"، مشدداً على أن "القدس من مقدسات المسلمين".وفي سلسلة تغريدات، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الأميركيين "بارتكاب حماقة رعناء بمساعيهم لتهويد بيت المقدس"، مبيناً أنه "لا يمكن محو قضية فلسطين من الأذهان، وسوف يتصدى لهم الشعب وكل الشعوب المسلمة، ولن يسمحوا بتنفيذ الخطة".ودعا رئيس البرلمان علي لاريجاني، في رسالة إلى نظرائه في الدول الإسلامية، للعمل على التصدي لـ"صفقة القرن"، التي أشار الحرس الثوري إلى أنها ستكون بداية لفصل جديد من المقاومة الفلسطينية.لا خطة مثالية
وفيما دعت موسكو طرفَي النزاع إلى "التفاوض مباشرةً"، أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عدم وجد خطة مثالية للسلام في الشرق الأوسط، لكن مشروع ترامب يتميز بحل الدولتين وتتضمن أن تكون القدس عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين ويجب أن يدرسها الزعماء الفلسطينيون.وأعربت باريس عن "قناعتها بأن حل الدولتين طبقاً للقانون الدولي والمعايير الدولية المعترف بها، ضروري لقيام سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط"، لافتة إلى أنها "ستواصل التحرك في هذا الاتجاه بالتعاون مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين وكل الذين يمكنهم المساهمة في تحقيق هذا الهدف" مؤكدة انها ستدرس المقترحات بعناية.وجدد منسق السياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الالتزام "الثابت بحل الدولتين عن طريق التفاوض وقابل للتطبيق"، مؤكداً أن دول التكتل "ستدرس وتقيم المقترحات المقدمة وتدعو لإعادة إحياء الجهود اللازمة للتفاوض بشكل عاجل".مواجهات وإضراب
وفي المناطق الفلسطينية توافد الفلسطينيون إلى نقاط التماس في أكثر من منطقة في الضفة الغربية المحتلة، للتنديد بـ"صفقة القرن"، بينما عم إضراب عام وشامل أمس، في قطاع غزة، شمل كل المؤسسات ومرافق الحياة ما عدا وزارة الصحة. وفي القدس، التي حذرت وزارة الأوقاف الأردنية من فرض واقع جديد على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، اندلعت مواجهات قرب جامعة بلدة أبو ديس، وأطلق الجيش الإسرائيلي قنابل الغاز والعيارات المطاطية تجاه المواطنين والطلبة.تلاعب أميركي ـ إسرائيلي بالألفاظ
عندما أزاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الستار عن خطته لإحلال السلام في الشرق الأوسط، أمس الأول، ظهرت بعض التناقضات البارزة في التفاصيل الدقيقة.
• «دولة فلسطينية» أم «ذات سيادة محدودة»؟
اقترح ترامب إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث فقط عن "سيادة فلسطينية محدودة ومشروطة". ويرفض القوميون المتطرفون في حكومة نتنياهو فكرة قيام دولة فلسطينية رفضاً تاماً.• عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية أم شرق القدس؟
أطلع مسؤول في البيت الأبيض الصحافيين على الخطة قبل أن يعلنها ترامب فقال، إن الخطة تطرح تصور قيام عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. غير أن ترامب استخدم لفظ "شرق القدس". وموقف نتنياهو هو قيام العاصمة الفلسطينية المقترحة في قرية أبوديس الواقعة في الضفة الغربية إلى الشرق مباشرة من الحدود البلدية الإسرائيلية لمدينة القدس. ولا تقبل إسرائيل بأن يكون للفلسطينيين أي شكل من أشكال السيادة في المدينة وتعتبرها بالكامل عاصمة لها، وقد تحقق لها اعتراف الولايات المتحدة بهذا الوضع في عام 2017. أما الفلسطينيون فيريدون أن تكون عاصمتهم المستقبلية القدس الشرقية بما في ذلك المدينة القديمة الواقعة في قلبها وتضم الحرم القدسي ومقدسات مسيحية ويهودية.• «ضم» الضفة الغربية أم «تطبيق القانون»؟
نشرت وسائل إعلام إسرائيلية اقتباسات لمسؤولين أميركيين لم تكشف عنهم تشير إلى أن ترامب سيقبل بقيام إسرائيل "بضم" أراض في الضفة الغربية المحتلة. غير أن إسرائيل لا تتحدث سوى عن "تطبيق القانون الإسرائيلي" في المستوطنات اليهودية أو في مناطق أخرى من الضفة الغربية. وتقول إسرائيل إن مصطلح الضم يسري على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من دولة ذات سيادة في حين أن الضفة الغربية كانت في السابق تحت سيطرة الأردن لا الفلسطينيين.• «تجميد الاستيطان»؟
تعهد ترامب بفرض "تجميد على الأرض" لمدة أربع سنوات في إطار المساعي الرامية لتشجيع الفلسطينيين على استئناف مفاوضات السلام المباشرة مع إسرائيل. غير أن الإسرائيليين سرعان ما هوّنوا من شأن أي احتمال لموافقتهم على تجميد النشاط الاستيطاني وذلك بعد أن أثارت قرارات تجميد مماثلة في السابق غضب المستوطنين من الحكومة. وقال مسؤول إسرائيلي كبير مشترطاً عدم نشر اسمه، "لا يوجد تجميد" بشكل قاطع . وأضاف أن ما سيحدث هو استمرار للتوقف الحالي في النشاط حول مجموعة من المستوطنات في مناطق لا تنوي إسرائيل أن تعلن فرض الولاية القانونية الرسمية عليها.