في السابع عشر من شهر سبتمبر الماضي فشلت الانتخابات الإسرائيلية في تقديم ائتلاف حكومي، لكنها أنتجت تطوراً لافتاً، فقد أعلن أيمن عودة وهو رئيس الحزب العربي الوحيد في الكنيست بعد خمسة أيام من تلك الانتخابات أن حزبه سوف يؤيد الجهود التي يبذلها بيني غانتس، وهو رئيس أبرز حزب وسط في إسرائيل من أجل تشكيل حكومة، وتجدر الإشارة الى أنه ما من زعيم عربي إسرائيلي أيد أي رئيس وزراء إسرائيلي منذ زمن إسحق رابين في أوائل تسعينيات القرن الماضي. والجدير بالذكر أن ذلك التأييد لم يكن مفاجئاً تماماً على أي حال، فمنذ عام 2015 عندما أصبح أيمن عودة رئيساً لحزب القائمة المشتركة بدأ يضغط من أجل تشكيل كتلة ديمقراطية عربية– يهودية تستطيع أن تحل محل حكومة جناح اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو، وتخيل عودة أن حكومة يتزعمها كانتس ستعود إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وتبني سياسة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المواطنين العرب في إسرائيل.
وعكس منطق أيمن عودة تغيراً في تفكير معظم ناخبيه، وكان عرب إسرائيل في الماضي تبنوا سياسة الاحتجاج وشددوا على ضرورة الاهتمام بمخاوفهم من تشكيل حكومة إسرائيلية من الخارج، ولكن استمرار حكم نتنياهو في السنوات الأخيرة دفع عرب إسرائيل الى السعي الى ممارسة نفوذ داخل النظام، ويعكس تأييد القائمة المشتركة هذا التحول في التكتيك.
نجاح الأسلوب الجديد
وإذا نجح هذا الأسلوب الجديد فإن تأييد أيمن عودة سينطوي على إمكانية إحداث تغيير أساسي في النظام السياسي الإسرائيلي، والمضي نحو نظام يعامل السكان العرب على شكل شركاء شرعيين في الحكم وقبول مطالبهم في توزيع عادل للموارد والوصول الى سلام دائم مع الفلسطينيين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ستكون القائمة المشتركة إضافة الى شركائها في حاجة الى اعتماد تغيير، ولم يسبق لأجنحة القائمة المشتركة الأربعة– هداش وتعال وبلاد والحركة الإسلامية- أن شاركت في ائتلاف حكومي في إسرائيل، ويتعين على أيمن عودة توحيد حزبه اذا أراد تحويله من حزب يركز على الاحتجاج الى حزب يقاتل من أجل تحقيق نفوذ، والأكثر من ذلك، على أي حال، فإن جناحي الوسط واليسار في إسرائيل يجب أن يقبلا العرب على شكل شركاء شرعيين في الائتلاف، وإلا فإن تأييد أيمن عودة سيكون بمثابة ممارسة سياسية أخرى فقط.البحث عن استراتيجية
في عام 1992 أيدت الأحزاب العربية إسحق رابين وساعدت في ضمان دعم شعبي لاتفاقات أوسلو 1993 التي اعترفت إسرائيل فيها بمنظمة التحرير الفلسطينية على اعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، كما وافقت إسرائيل أيضاً على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وتعهدت بإقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، ولكن تل أبيب حرصت على عدم تنفيذ تلك الالتزامات.ومن الطبيعي أن أيمن عودة لا يستطيع أن يأمل تحقيق أي هدف قريب من تلك الالتزامات من جانب الحكومة الإسرائيلية برئاسة بيني غانتس، وخلال مناقشات مع القائمة المشتركة رفض غانتس الى حد كبير معالجة أولويات تلك القائمة التي تشمل تغييرات إقليمية ومساواة في الحقوق بالنسبة الى جميع المواطنين من دون النظر الى الجانب المتعلق بالديانة، إضافة إلى إلغاء الممارسات المبنية على التمييز وطرح حلول عادلة وعملية للنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويتعين على أيمن عودة أيضاً أن يوضح بصورة دقيقة رؤيته من أجل الخروج من العلاقة التي أقامها، وبمجرد أن يتمكن من تحقيق ذلك يتعين عليه تسويق فكرته لدى حزبه الذي لا يدعم على الإطلاق قرار رئيسه في هذا الصدد. ويضاف إلى ذلك أن الكثيرين في جناح أيمن عودة في القائمة المشتركة «هداش» عارضوا تأييد غانتس، كما أن البعض من أعضاء الكنيست من هداش وتعال أيدوا هذه الخطوة، لكن أعضاء من «بلد» رفضوا دعم أي مرشح لرئاسة الوزراء على الإطلاق، وقد أيدت الحركة الإسلامية بنيامين نتنياهو وسيواجه عودة موقفاً صعباً في تقديم تغيير في الحكومة وهو يحظى بدعم حزب متفرق وبشكل جزئي وراءه.وضوح الرؤية
في غضون ذلك سيكون وضوح الرؤية على قدر كبير من الأهمية من أجل حصول أيمن عودة على دعم القائمة المشتركة، لكنه سيكون في نهاية المطاف في حاجة الى استراتيجية من أجل تحويل طريقة عمل حزبه، وفي الوقت الراهن يتخذ كل واحد من الأجنحة الأربعة قراراته الخاصة، وجدير بالذكر أن الاستقلال الذاتي يسهم في إضعاف قدرة القائمة المشتركة على طرح جبهة موحدة، ويتعين على أيمن عودة أن يصر على اتخاذ الحزب قراراته المهمة عن طريق الأكثرية، وعندئذ فقط تستطيع القائمة المشتركة التكلم بصوت واحد، ومن ثم الضغط من أجل الحصول على نفوذ.تردد الشركاء
في نهاية المطاف ومن أجل تحول العرب إلى شركاء كاملين في ائتلاف حكومي يتعين على الأحزاب اليهودية القبول بهم، ولكن كما هي الحال مع نظرائهم في جناح اليمين تشعر أحزاب الوسط واليسار بعداء نحو العرب، وقد أكد سياسي الوسط يائر لابيد هذه المشاعر في شهر ديسمبر الماضي، كما أن هذا الانحياز يبرز عدم رغبة الأحزاب الإسرائيلية في قبول العرب على شكل شركاء في حكم «الدولة اليهودية»، أو ما يشمل اتخاذ قرارات تتعلق بالمساواة التامة للعرب والسعي الى إنهاء النزاع مع الفلسطينيين.وقد أبرزت ردة فعل غانتس على تأييد القائمة المشتركة له هذه المشكلة، كما أنه اشتكى من أن ذلك التأييد ألحق الضرر بفرص حزبه من أجل تشكيل ائتلاف جديد، ورفض غانتس إجراء مفاوضات مع ممثلي القائمة المشتركة وقبولهم كشركاء في ائتلاف، حتى مع أن مطالبهم كانت متواضعة، وتتمثل بوضع برنامج يهدف الى مكافحة العنف في المجتمع العربي، والتوقف عن هدم المنازل العربية، ودعم المساواة بالنسبة الى كل المواطنين، وإجراء مفاوضات حول السلام مع القادة الفلسطينيين.وبدلاً من ذلك توجه غانتس نحو تشكيل ائتلاف مع جناح اليمين «إسرائيل بيتنا» وحزب الليكود، مشيراً الى أن المزيد من أعضاء الكنيست أيدوا ترشيحه، وبقدر يفوق ما حصل عليه بنيامين نتنياهو، ومن الطبيعي أن تقدمه جاء من القائمة المشتركة، وقد أوضح أن القائمة المشتركة ليست قوة شرعية ولا تستطيع تشكيل حكومة.تأثير القائمة المشتركة
وتجدر الإشارة الى أن تهميش القائمة المشتركة سيلحق الضرر بجناح الوسط الإسرائيلي في الأجل الطويل، لأنه لا يستطيع تشكيل ائتلاف من دون الأصوات العربية في الكنيست، وقد ينظر عرب إسرائيل بعد تجاهل تأييد أيمن عودة في الانسحاب من سياسة البرلمان، وتشكيل أقنية خاصة بهم من خلال انتخاب قيادة عربية منفصلة خارج الكنيست بغية الضغط لتحقيق مطالبهم في المساواة والسلام. ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية في شهر مارس يبعد أيمن عودة كثيراً عن تحقيق تغيير سياسي حقيقي، ويظل حزبه منقسماً، كما خذله الشركاء الذين توجه اليهم، وبدلاً من الانضمام الى قوى الوسط الإسرائيلي والمغامرة بالتعرض للتهميش يتعين على عودة أن يثبت في معارضته وتعزيز القائمة المشتركة، وإذا استطاع عليه أن يتحد مع اليسار الإسرائيلي من أجل الدعوة إلى المساواة بين كل الإسرائيليين.* أسعد غانم