يعيش العراق ساعات حاسمة، بانتظار أي تطورات قد تطرأ على المسار السياسي للأزمة المتواصلة منذ استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، على وقع الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح.وبانتظار انتهاء المهلة التي حددها الرئيس العراقي برهم صالح للقوى السياسية لتسمية بديل «غير جدلي» لعبدالمهدي، بحلول يوم غدٍ، وإلا فسيبادر هو إلى تسمية شخصية دون العودة للكتل، تتجه الأنظار اليوم إلى مكانين، أولهما ساحات التظاهر؛ لمحاولة رصد نبض الشارع وفي أي اتجاه سيوجه المحتجون شعاراتهم ومطالبهم، والآخر هو الرسائل التي ستحملها خطبة المرجعية العليا بزعامة السيد علي السيستاني.
ومع اقتراب احتجاجات العراق من دخول شهرها الخامس وتصاعد قمع السلطة، يمر ذلك الحراك باختبار سياسي جديد ظهر بدايةً عند انسحاب التيار الصدري من ميادين التظاهر، ثم أضيفت إليه محاولة أطراف إحداث شرخ في العلاقة بين المتظاهرين ومرجعية النجف الدينية، على مستوى الشعارات والاتهامات والتسريبات.وانسحب الصدر بشكل مفاجئ من حركة الاحتجاج الأسبوع الماضي، مؤكداً أن جهات دخيلة ركبت موجتها وتحاول تحريف خطابها، رداً على شعارات تنال من التيار الصدري بقسوة تصاعدت خلال الآونة الأخيرة.ويقول مراقبون إن انسحاب الصدريين من ساحات الاحتجاج يمكن تعويضه بقدرات ذاتية للمجتمعات الغاضبة في مختلف المدن، سواء في مستوى الحماية أو الإسناد، لكن الأثر السياسي قد يكون مكلفاً؛ لأن تصدع الجبهة المناوئة للميليشيات سيعود بفائدة كبيرة على إيران ويساعدها في إعادة ترتيب صفوف حلفائها بالبرلمان العراقي.ويشير المراقبون إلى أن الرئيس صالح استطاع التمسك بمواقفه، ورفض كل مرشحي إيران لرئاسة الحكومة الجديدة، لكن ذلك حصل بفضل دعم التيار الصدري وقوى أخرى وطنية ودينية، على رأسها المرجع الأعلى علي السيستاني.ومع ظهور بوادر صراع بين العلمانيين والتيار الديني داخل حركة الاحتجاج، سيكون موقف الرئيس صالح أقل قوة في مواجهة محاولات متواصلة تقوم بها إيران لفرض حكومة موالية لها تواصل قمع الاحتجاجات بعنف مفرط، وتنظم انتخابات جديدة بمقاساتها لمنع تغيير خريطة القوى النيابية، وهو تغيير يطالب به المحتجون عبر التمسك بقانون انتخابي عادل وإشراف دولي على عملية الاقتراع المبكر.واستطاع التيار المدني التنسيق مع القوى المعتدلة، ومنها «الإسلامية»، طوال سنوات، لكبح جماح التيارات المتشددة التي عملت على دعم الميليشيات وتكريس نفوذ إيران، وبرز التيار الصدري شريكاً أساسياً في هذه الجهود بشكل أثار احتراماً عربياً ودولياً لخطواته، لكن مقتل جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني بغارة أميركية في مطار بغداد أثار مطلع الشهر الجاري انقسامات عاطفية كبيرة فصلت بين مواقف العلمانيين، الذين ارتاحوا للخلاص من طرف يتهمونه بقتل المحتجين، وبين الأحزاب الدينية ومرجعية النجف التي اضطرت لاعتبارات كثيرة إلى تأبين سليماني ورفاقه كشهداء.وتقول معلومات ميدانية إن تشكيلات موالية لإيران تدخل بشكل سري في تجمعات المتظاهرين وتعزز شعارات علمانية تنتقد رجال الدين بنحو عنيف أحياناً؛ لأن تلك الأطراف تريد استرجاع الصدر والسيستاني أو تحييدهما على الأقل في المواجهة الدائرة بين الميليشيات وحركة الاحتجاج، التي تبنت شعارات وطنية تعارض نفوذ طهران بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى خلال عام ونصف العام إلى إحراق ثلاث بعثات دبلوماسية إيرانية في البلاد، ومهاجمة عشرات المقرات التابعة للفصائل المسلحة الموالية لها.وبقي السيستاني والصدر طوال الأشهر الأربعة الماضية، داعمين أساسيين للاحتجاجات، واعتبراها صوت الشعب، في حين وصفها المرشد الإيراني علي خامنئي بأنها تحركات فوضوية تدعمها إسرائيل لتخريب العلاقات بين بغداد وطهران.وسبق للسيستاني والصدر أن طالبا المحتجين بفرز عناصر مسيئة وضبط الشعارات، لكن الحركة الشبابية التي سقط خلالها نحو ٢٦ ألفاً بين قتيل وجريح تقول إنها تتعرض للسحق وليست لديها القدرة حالياً على التفرغ لتنظيم الصفوف، لأن الوضع يتطلب اندفاعاً عفوياً من أجل الصمود في وجه الميليشيات المتورطة في قتل الناشطين، والتي تخشى الحكومة التصدي لها.
أخبار الأولى
انقسام مدني - ديني يهدد حراك العراق
31-01-2020