ما قل ودل: مذبحة القرن والعقوبات الاقتصادية القادمة والحصانة البرلمانية
مذبحة القرن الحديث عن مذبحة القرن، حديث معاد، فالشعب الفلسطيني ذبح في عام 1948، بقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وذبح في عام 1967 عندما دبر بليل مذبحة للقضاء على جيش مصر، درع العرب ودرع فلسطين، واجتاحت إسرائيل الضفة الغربية وغزة، وهو يذبح كل يوم وتلتهم إسرائيل كل يوم أراضيه، وتذبح أبناءه بدم بارد، والشعب الفلسطيني يقاوم، والعالم في صمت رهيب، إلى أن جاء الرئيس الأميركي ترامب، ليعلن بدم بارد ويقرر منفرداً في غياب أصحاب الأرض، شرعية الاحتلال للأرض الفلسطينية والقدس وغور الأردن.
والواقع أن التهوين من أمر هذه الصفقة، وأنها لن تمر، بدعوى أنها لأغراض المعركة الانتخابية لترامب لتجديد انتخابه للبيت الأبيض هذا العام ولأغراض معركة نتنياهو الانتخابية الشهر القادم، ليعوض ما خسره من مقاعد برلمانية في الانتخابات السابقة التي تمت منذ ثلاثة أشهر، يؤكد أننا لا نتعلم من دروس التاريخ، فقد كانت صفقة القرن الماضي، وهي "وعد بلفور" في عام 1917 الذي منحت فيه بريطانيا بقرار منفرد وعداً لليهود بأن يقيموا وطنا لهم على أرض فلسطين، هي مقدمة لمذبحة فلسطين الأولى على يد الأمم المتحدة بقرار التقسيم سالف الذكر في عام 1948.العقوبات الاقتصادية قادمة فلم يكن كلام الرئيس الأميركي ترامب عندما أقر بأن الفلسطينيين لن يقبلوا صفقة القرن، ولكنهم سيقبلونها بعد ذلك من قبيل الصلف والكبرياء والغرور والشعور بالعظمة الذي اعتاد أن يهدد به العالم، بل كان جاداً جازماً في ذلك لأن في جعبته عقوبات اقتصادية وحصاراً اقتصادياً للفلسطينيين، ولترامب خبرة كبيرة فيهما، وما أعتقده بيقين أن إضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بموجب هذه الصفقة هو المقدمة الضرورية لهذا الحصار والعقوبات المزمع فرضهما على الشعب الفلسطيني، لتجويعه وتركيعه، بمباركة أميركية وللرئيس ترامب تجربة سابقة فيهما في إيران، بعد أن فشلت في ذلك مصفحات ومدرعات الاحتلال الإسرائيلي وهدم منازل الفلسطينيين.ثقافتهم وثقافتنا فقد عاد نتنياهو من واشنطن إلى إسرائيل، ولم يكن في استقباله في المطار جماهير الشعب الإسرائيلي ترفعه على الأعناق، والهتاف بحياته، ولم يكلف حزبه الليكود نفسه تنظيم مثل هذا الحشد، أو اصطفاف الجماهير على الطريق المؤدي إلى المطار، لتصفق للزعيم الملهم، الذي حقق هذا النصر العظيم وفاز بصفقة القرن، التي اعترفت بشرعية الاحتلال، وهو ما لم يسبقه إليه أحد من رؤساء وزعماء إسرائيل، فلم يكن ينتظره في المطار، إلا مكتبه وسائقه، ليقدم نتنياهو إلى الكنيست طلباً بسحب طلب كان قد قدمه بمنحه حصانة برلمانية أمام النائب العام وأمام القضاء، في الاتهامات الموجهة إليه في جرائم فساد، معلناً استعداده للمثول أمام القضاء لمحاسبته عن هذه التهم، وهو الظافر بأكبر نصر لإسرائيل.وقد كان مع نتنياهو في حفل إعلان صفقة القرن زعيم المعارضة رئيس حزب أبيض وأزرق، يقاسمه هذا النجاح، لأن الثقافة في إسرائيل تختلف عن ثقافتنا العربية اختلافاً كلياً وجذرياً، فهم يؤمنون في هذه الثقافة بأن فرداً واحداً أو حزباً واحداً، لا يمكن أن يحقق وحده بقاء إسرائيل وتمددها حتى التهمت أغلب الأرض الفلسطينية، في ظل عالم صامت، لا يتحدث إلا عن الإرهاب القادم من بلادنا.هذا هو سر نجاح إسرائيل، والذي كسبت به احترام العالم أنها تعيش في ظل حكم ديمقراطي تتداول فيه السلطة بين الأحزاب في ظل ثوابت قومية، لا خروج لأحد عليها، الكل فيها يخضع للمحاسبة والمساءلة رغم الظلم الذي جاوز المدى في التنكيل بالفلسطينيين وقتلهم كل يوم، وسر إخفاقنا في الدفاع عن قضية عادلة، هو قضية طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، أرض الآباء والأجداد إلى الشتات، لتحتلها عصابات جاءت من شتات الأرض من جنسيات مختلفة في شتى بقاع العالم، اجتمعوا على عقيدة واحدة هي اغتصاب أرض فلسطين، وطرد أهلها منها، كانت هذه صفقة القرن العشرين، لتستكمل بها دولة إسرائيل أرض الميعاد، وتحقق الأحلام الصهيونية في بسط سيادتها على كل الأرض الفلسطينية، بطريق مباشر هو الاعتراف بسيادتها على كل المستوطنات الإسرائيلية، في الاراضى الفلسطينية لا تبادل أرض كما جاء في مانشيتات الإعلام العربي، وبسط سيادتها على الفتات من الأرض الفلسطينية التي يقيم عليها الفلسطينيون الآن في ظل حكم ذاتي هش منزوع السلاح تحت الوصاية الإسرائيلية بمصفحاتها ومدرعاتها وجيشها الذي يقال إنه سادس أقوى جيش في العالم.أما ثقافتنا فهي ثقافة الزعيم الملهم، وقد اختفى الزعماء الملهمون في هذا العصر، وظلت الشعوب غائبة عن اتخاذ القرارات المصيرية في الحرب أو السلام، وقد فقدت الرؤية بين دعوة الى الخنادق ودعوة الى الفنادق وبين جهاد صار إرهابا وجهاد صار استثمارا.