أي نوع من القوى العظمى تحتاجه أوروبا؟
في عالَم يستسلم بسرعة للمنافسات التي يخرج منها كل أطرافها خاسرين، يجب أن يكون التحول إلى قوة عظمى في إدارة السياسة المناخية على رأس أولويات أوروبا.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
إن الارتداد التاريخي من التعددية المرتكزة على القواعد إلى نظام غير مستقر ينطوي على منافسات وخصومات بين القوى العظمى يتناقض إلى حد مروع مع المزيج الحالي من التحديات العالمية المتنامية، وخاصة تغير المناخ، إذ يتطلب منع الاحتباس الحراري الكوكبي الكارثي العمل الجماعي من جانب المجتمع الدولي الذي يضم الغالبية العظمى من الدول لا إحياء نظام عالمي قائم على المنافسة بين الدول. ما يدعو إلى التفاؤل أن الاتحاد الأوروبي يحتل بالفعل مكانة رائدة في ما يتعلق بتخفيف آثار تغير المناخ، سواء من الناحية التكنولوجية أو التنظيمية، وتتلخص مهمة أوروبا الآن في الحفاظ على هذه الريادة وتوسيع نطاقها، ليس من أجل كوكب الأرض فقط، بل لأجل مصالحها الاقتصادية أيضاً، ففي نهاية المطاف، يعمل تراجع أميركا على إجبار أوروبا على أن تصبح قوة قائمة بذاتها، وخلافا لذلك، ستصبح مجرد أداة غير مستقلة في أيدي قوى أخرى. من المنظور الجيوسياسي لم يترك ظهور ترامب، وصعود الصين، والنزعة الروسية التعديلية- التي تتخذ هيئة العدوان العسكري بسبب ضعف قاعدة روسيا الاقتصادية- للأوروبيين أي اختيار غير السعي إلى اكتساب وضع القوة العظمى، وقد عملت الموجة الحالية من الإبداع التكنولوجي على تعزيز هذه الحتمية، وسيحدد التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وربما الحوسبة الكمية، هيئة عالَم الغد، بما في ذلك من يتولى قيادته. إن الثورة الرقمية في جوهرها تدور حول السياسة لا التكنولوجيا، فقد أصبحت حرية الأفراد ومجتمعات بأسرها عُرضة للخطر، في المستقبل الرقمي ستعتمد الحريات السياسية التي تقوم عليها الحضارة الغربية بشكل متزايد على مسائل تتعلق بملكية البيانات، فهل تنتمي البيانات الأوروبية إلى شركات في وادي السليكون أو الصين، أو هل تصبح خاضعة للسيطرة السيادية من قِبَل الأوروبيين أنفسهم؟ في اعتقادي أن هذا السؤال سيكون ذا أهمية حاسمة في ترسيخ مؤهلات أوروبا كقوة عظمى في السنوات والعقود المقبلة. دأب الأوروبيون لفترة طويلة على مناقشة مسائل بنيوية تأسيسية مثل المستوى المرغوب من التكامل أو الكونفدرالية للاتحاد الأوروبي، لكن زمن هذه المناقشات ولّى وانتهى، في الوقت الحالي على الأقل. فالتحول السياسي الجاري الآن يُــفرَض فرضا على أنصار الدمج وأنصار النزعة الحكومية الدولية على حد سواء، ويكمن التحدي الآن في تحويل أوروبا إلى قوة عظمى قبل أن تتآكل قوتها بفِعل قوى تكنولوجية وجيوسياسية أكبر.الحق أن أوروبا لا تملك تَـرَف التخلف كقوة تكنولوجية أو جيوسياسية، إذ تقع على عاتقها المسؤولية عن قيادة بقية العالم في ما يتعلق بقضية تغير المناخ، التي ستتطلب الإبداع التكنولوجي والتنظيمي. وفي عالَم يستسلم بسرعة للمنافسات التي يخرج منها كل أطرافها خاسرين، يجب أن يكون التحول إلى قوة عظمى في إدارة السياسة المناخية على رأس أولويات أوروبا.* كان وزيرا لخارجية ألمانيا ونائبا لمستشارها في الفترة من 1998 إلى 2005، وكان أحد زعماء حزب الـخُـضر الألماني لما يقرب من عشرين عاما. «يوشكا فيشر»