المحور الأول: إشراف النيابة العامة على تنفيذ الأحكام، وهل نحن بحاجة إلى تطوير هذا الجانب وإعطاء دور أكبر للنيابة، أم يتطلب الأمر إيجاد صلاحيات جديدة وتقليص دور النيابة ومنح صلاحيات واسعة لإدارة السجون في هذا الشأن؟
في البداية، قال رئيس نيابتي التنفيذ الجنائي والتعاون الدولي مشعل الغنام، إن وضع السجون في دولة الكويت بشكل عام تتوافر فيه المقومات الأساسية لحقوق السجناء بالمؤسسات الإصلاحية، ومنها حق السجين في المعاملة الإنسانية، وحقه في الاتصال بذويه والرعاية الصحية، وفي التقاضي بما يتماشى مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق السجناء.وأضاف الغنام: غير أن الملحوظ في الآونة الأخيرة تكدس النزلاء بالسجون، مما أثر بالسلب على عملية الإصلاح وإعادة الاندماج الذي يتفق مع المعايير الدولية المعنية بحقوق السجناء، إذ تشير الإحصائيات - في الوقت الحالي - إلى أن الطاقة الاستيعابية للسجن المركزي تقدر بعدد 2532 نزيلاً، في حين أن إجمالي عدد النزلاء الحالي 3320 نزيلاً، أي بزيادة تقدر بعدد 788، في حين تقدر الطاقة الاستيعابية للسجن العمومي بعدد 900 نزيل، وإجمالي عدد النزلاء الحالي 1100 نزيل، أي بزيادة تقدر بعدد 200 نزيل، ليس هذا فحسب، بل إن التكلفة المادية للسجين الواحد تقدر بـثلاثة آلاف دينار سنويا، أي أن إجمالي التكلفة المادية للسجناء في المؤسسات الإصلاحية سواء السجن المركزي أو السجن العمومي أو سجن النساء أو سجن الابعاد تقدر بـ 16000000 دينار سنويا تقريباً، إضافة إلى أن اكتظاظ السجناء يؤدي الى سهولة انتشار الأمراض بين السجناء.
أساليب جدية
وعن الأساليب التي اتخذتها نيابتي التنفيذ الجنائي والتعاون الدولي في سبيل التخفيف من هذه الإشكالية، قال إن نيابة التنفيذ الجنائي باشرت اتخاذ أساليب جدية لتجنب هذه الظاهرة ومعالجتها حيثما وجدت بالفعل والتخفيف من عواقبها الإنسانية، ومن ضمن الخطوات الملموسة التي انتهجتها ما يلي:-1- تفعيل نص 33 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1983 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل، والمادة 39 مكررا من القانون رقم 48 لسنة 1987 بشأن مكافحة المؤثرات العقلية وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل، اللتين تجيزان وقف تنفيذ عقوبة الحبس في جرائم تعاطي المواد المخدرة والمؤثرة عقليا، وذلك بعدما تبين للنيابة العامة أن عدد السجناء المدانين بهذه الجرائم باتوا يتصدرون قائمة نزلاء المؤسسات الإصلاحية، مما كان له بالغ الأثر في التخفيف من أعداد نزلاء المؤسسات الإصلاحية، فقد بلغ عدد السجناء الذين استفادوا من وقف تنفيذ عقوبة الحبس 846 خلال عامي 2018 و2019.2- تعديل بعض مواد قواعد العفو الأميري لعامي 2018 و2019 مما ساهم وبشكل ملحوظ في الإفراج عن العديد من المساجين، وخصوصاً النزلاء الأجانب؛ تحقيقاً للغاية المرجوة، وهي التخفيف من نزلاء السجون الإصلاحية، إذ بلغ عدد النزلاء الذين شملهم الإفراج الفوري 831 سجيناً، في حين بلغ عدد النزلاء الذين شملهم تخفيض مدة العقوبة 2510 سجناء، أي أن إجمالي العدد 3341 سجيناً.3- دراسة الحالات المرضية للسجناء الأجانب المصابين بأمراض معدية ومكلفة من الناحية المادية وذلك توطئة لبحث إمكانية إدراجهم في كشوف العفو الأميري لعام 2020، حيث تبين من الرجوع إلى الإحصائيات أن 3 نزلاء مصابون بمرض الإيدز، وتكلفة علاجهم السنوي باهظة جدا، وتقدر بـمئة وخمسين ألف دينار، وأن 16 نزيلاً مصابون بمرض الالتهاب الكبدي، وتكلفة علاجهم تقدر بـ 256 ألف دينار، وبالتالي فإن التكلفة الإجمالية لهؤلاء السجناء مجتمعين تقدر بـ 406 آلاف، وتبين للنيابة العامة العادات السيئة لمرضى الإيدز في محاولة نقل المرض إلى مساجين آخرين حيث يشعرون أنهم منبوذون من الجميع.4- تطبيق أحكام نقل المحكوم عليهم مع الدول التي ترتبط معها دولة الكويت باتفاقيات تعاون قضائي في المسائل الجزائية لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية في الدولة التي ينتمون إليهما بغرض تسهيل إعادة اندماجهم في المجتمع، إذ بلغ إجمالي المنقولين خلال أعوام 2017 و2018 و2019 (102) محكوم عليه، وجارٍ العمل على قدم وساق بالتعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى، لنقل عدد من السجناء الأجانب إلى موطنهم لقضاء باقي مدة عقوباتهم.استراتيجية طويلة المدى
وعما إذا كانت نيابة التنفيذ الجنائي تقترح حلاً جذرياً لعلاج هذه الظاهرة من جميع جوانبها، قال الغنام: لا شك أن تخفيف الاكتظاظ بحد ذاته يتطلب فهماً لحجم المشكلة وأسباب حدوثها، وذلك من خلال وضع خطط استراتيجية طويلة المدى مبنية على دراسات إحصائية، وتجاوز الحلول الآنية والتقليدية لعلاج إشكالية تكدس النزلاء في المؤسسات الإصلاحية.وأضاف أن نيابة التنفيذ الجنائي ترى في هذا الصدد أن تطبيق فكرة السوار الإلكتروني يعتبر من أهم وسائل التقليل من ظاهرة تكدس النزلاء في المؤسسات الإصلاحية، ويساعد بشكل فاعل وناجع في صد وتطويق تلك الظاهرة، إضافة إلى أن السوار الالكتروني لها أثر نفسي هائل على المحكوم عليه وإعانة له في أن يعود عضواً نافعاً في المجتمع.ورأى ضرورة توعية أفراد المجتمع من خطورة ارتكاب الجرائم في ظل تصاعد معدلاتها وعواقبها الوخيمة وذلك من خلال إجراء لقاءات تلفزيونية أو إذاعية من داخل السجون بغيه توعية الجمهور من الأخطاء التي وقع بها النزلاء مما أدى إلى دخولهم السجن، شريطة عدم تصوير أحد من المسجونين بغير موافقة – خطية – صريحة منه.وعما إذا كان تطبيق فكرة السوار الإلكتروني يحتاج إلى تعديل تشريعي، قال إنه بالإمكان تطبيقها بما يتماشى مع اتجاه قواعد العفو الأميري السامي ومقصورة على بعض الجرائم ـــ وبضوابط وشروط محددة ـــ دون حاجة إلى تدخل تشريعي متى وفرت وزارة الداخلية السوار الإلكتروني.وذكر أن هذا الاتجاه لا شك محمود لأنه يؤدي إلى تقليص أعداد نزلاء السجون، ويكون أحسن تأثيرا في إصلاح شأنهم من تنفيذ عقوبة الحبس فعلا عليهم داخل السجن.تشغيل المساجين
وبخصوص رأيه في تشغيل المساجين، أوضح أن أول ما يجب التنبيه إليه هو فهم فلسفة المشرع من تنفيذ عقوبة الحبس، وهي تأهيل المحكوم عليه وإعادة اندماجه في المجتمع كمواطن صالح، وتشغيل السجين بحد ذاته يساهم بلا شك في تحقيق هذا الهدف.وأضاف: لابد أن يمكن السجين من اختيار نوع العمل الذي يتناسب مع ميوله واهتمامه – وذلك في حدود المعروض من العمل – بما يؤمن كسب قوت يومه بعد إطلاق سراحه، موضحا أن أنواع الأعمال التي يشتغلها السجناء متروك أمرها لإدارة المؤسسات الإصلاحية بما يتلاءم مع المواثيق والمعايير الدولية المعنية بحقوق السجناء.وأكد أن ما يلفت النظر في الواقع العملي هو تشغيل بعض السجناء دون البعض الآخر بسبب ما تعانيه إدارة المؤسسات الإصلاحية من ازدياد عدد السجناء، وهو ما لا يتفق مع المعايير الدولية، إذ إن عقوبة الحبس ترمي لإصلاح السجين ومعالجة انحرافه.وبسؤاله: هل من حق السجين الخلوة الشرعية، قال: بالفعل قامت إدارة السجن بتخصيص مكان منعزل داخل السجن يسمى بالبيت العائلي مكون من ثلاث شقق لمن يرغب في الخلوة الشرعية بناء على طلب يقدمه السجين وبعد التحقق من المستندات الثبوتية وهو ما ينسجم مع الفلسفة العقابية الحديثة.وأضاف أن الإحصائيات تشير إلى أن عدد الزيارات للخلوة الشرعية خلال عام 2019 بلغ (671) زيارة، منها 515 زيارة خاصة لنزلاء السجن المركزي، و143 زيارة لنزلاء السجن العمومي، و13 زيارة خاصة لنزيلات سجن النساء.وعن دور نيابة التنفيذ الجنائي في الإشراف على الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجزائية، قال الغنام إن نيابة التنفيذ الجنائي تباشر إجراء التفتيش الدوري بأي وقت وعلى نحو مفاجئ على أماكن تنفيذ الأحكام الجزائية بكل السجون التابعة للمؤسسات الإصلاحية، سواء السجن المركزي أو السجن العمومي أو سجن النساء أو سجن الإبعاد، وذلك بهدف التثبت من عدم وجود محبوس بتلك الإمكان بصفة غير قانونية، والتحقق من أن أوامر النيابة العامة وقرارات المحاكم يجري تنفيذها على النحو المبين فيها والاستماع إلى أي شكوى يريد السجين أن يبديها.وذكر أن إشراف نيابة التنفيذ الجنائي لا يقتصر على المؤسسات الإصلاحية التي تنفذ فيها العقوبات المقيدة للحرية، بل يمتد إشرافها ليشمل المراكز التي تنفذ فيها التدابير العلاجية كالأحكام الصادرة بالإيداع في مركز علاج الإدمان في قضايا تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، أو الأحكام الصادرة بالإيداع في مستشفى الكويت للصحة النفسية لمن يثبت عدم مسؤوليته الجزائية.وأضاف: من المفيد أن نشير في هذا المقام إلى وجود خلل تشريعي يتمثل في أن النصوص العقابية الخاصة بالإيداع في مركز علاج الإدمان في قضايا تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية لا تسعف القاضي الجزائي في النظر في إلغاء حكم الإيداع وتوقيع العقوبة المقررة في حال ثبت عدم التزام المحكوم بإيداعه في البرامج العلاجية، وهو ما تنبهت له التشريعات الجزائية المقارنة.ودعا إلى تعديل تشريعي يجيز للقاضي الجزائي إلغاء حكم الإيداع وتوقيع عقوبة الحبس في حال عدم جدوى الإيداع، وانتهاء المدة القصوى المقررة للعلاج دون شفاء المودع، ومخالفة المودع الواجبات المفروضة عليه لعلاجه، وارتكاب المودع أثناء إيداعه لأي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانوني مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.وعن دور نيابة التنفيذ الجنائي في الرعاية اللاحقة على المفرج عنهم، لفت إلى أن نيابة التنفيذ الجنائي كرست جل اهتمامها في المتابعة الحثيثة للمفرج عنهم بالعفو الأميري أو الأفراج الشرطي للتثبت من تقويم سلوكهم والعودة إلى المجتمع كمواطنين صالحين، موضحاً أنه في عام 2019 أعيد 57 مفرجاً عنهم إلى السجن لاستكمال تنفيذ باقي العقوبة المحكوم بها نتيجة إخلالهم بشروط برنامج الرعاية اللاحقة.إشكاليات تنفيذ الأحكام
وبخصوص أبرز الإشكاليات التي تعوق تنفيذ الأحكام الجزائية، قال الغنام: سأتحدث عن أهم المعوقات العملية والعقبات الفعلية في تنفيذ الأحكام الابتدائية، وخصوصاً الصادرة بعقوبة الغرامة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:أولا: الإشكاليات المرتبطة بالجانب القانوني- تشير الإحصائيات القضائية الصادرة من وزارة العدل خلال الأعوام الخمسة الفائتة إلى ارتفاع ملحوظ في منسوب الأحكام الغيابية – غير المعلنة – الصادرة بعقوبة الغرامة والتي لا يجوز تنفيذها جبراً ضد المحكوم عليهم، نظرا لأنها أحكام ابتدائية غير مشمولة بالنفاذ المعجل. فقد بلغ عدد الأحكام غير المعلنة في مواد الجنايات والجنح ما يقارب 60 ألف حكم، والقيمة الإجمالية للغرامات المحكوم بها قاربت 10 ملايين دينار. ولما كان عدم إعلان الأحكام الغيابية يبقيها في دائرة الأحكام الابتدائية غير واجبة التنفيذ مما يجعلها حبراً على ورق وتفوت معه الحكمة من العقاب ويبدد الجهد والوقت والنفقات التي بذلتها الجهات المختصة (النيابة العامة والمحاكم باختلاف درجاتها ووزارة الداخلية) سدى بغير طائل وهو أمر بالغ الخطر والضرر معا بالعدالة فضلا عن إضاعته قيمة الغرامات المحكوم بها على الخزانة العامة.- في هذا الإطار، فإن الناظر إلى واقع الحال يجد صعوبة في إعلان جميع الأحكام الغيابية الصادرة بعقوبة الغرامة – وفق الأسلوب التقليدي – عن طريق انتقال مندوبي الإعلان إلى محل إقامة المحكوم عليهم عملا بنص المادة (188) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية مما ينذر بسقوط الأحكام الغيابية – المار ذكرها – بمضي المدة. مما بات معه من اللازم إدخال بعض التعديلات الجوهرية على هذه المادة، بما يواكب التطور التقني المتسارع لوسائل الاتصال الحديثة والتي أصبح استخدامها متاحاً للكافة ومواجهة العقبات الناشئة عن التطبيق العملي للإعلان التقليدي، لذلك ترى النيابة العامة إضافة تعديل على المادة المشار إليها يجيز إتمام إعلان الأحكام الغيابية بوسائل الاتصالات الحديثة عن طريق الرسائل الإلكترونية أو الهاتفية. ثانيا: الإشكاليات المرتبطة بالجانب الإداري- لقد لمست نيابة التنفيذ الجنائي عن كثب ارتفاعا ملحوظا في مؤشر الأحكام الغيابية المطعون عليها بالمعارضة والتي لم يحدد لها جلسات لنظرها بدعوى عدم ورودها من جهة حفظها بالإدارة العامة للتحقيقات مما يهددها بالسقوط بمضي المدة، إذ بلغت الأحكام المطعون عليها بالمعارضة الصادرة في قضايا الجنح ولم يحدد لها جلسات لنظر المعارضة بعد 85 ألف حكم، والقيمة الإجمالية للغرامات المحكوم بها قاربت 4 ملايين دينار.وكان البين من استقراء الإحصائيات القضائية – السالفة الإلماح – أن الأحكام الغيابية الصادرة في قضايا الجنح المطعون فيها بالمعارضة مما تختص به الإدارة العامة للتحقيقات – قد كثرت – الأمر الذي يتعين معه ضرورة سن نظام جديد لحفظ وأرشفة ملفات قضايا الجنح المحكوم فيها غيابياً في إدارة كتاب المحكمة الكلية بدلا من حفظها بالإدارة العامة للتحقيقات لمدة خمس سنوات لسهولة تحديد جلسات المعارضة بصورة آلية خلال شهر من تاريخ الطعن بالمعارضة، ومن ثم إعادة هذه الملفات إلى الإدارة العامة للتحقيقات عند اكتمال هذه المدة أو فور إتمام إعلانها وعدم الطعن عليها في الميعاد، أو فور الفصل في المعارضة والاستئناف.غياب التقارير
من جانبه، قال القاضي السابق والمحامي د. محمد منور: لا شك أن إشراف النيابة العامة كجهاز قضائي مستقل على تنفيذ الأحكام الجزائية يعد مكسبا كبيرا ومهما جدا، ويضيف ضمانات أخرى لسلامة تنفيذ الأحكام الجزائية، وحماية حقوق الإنسان المرتبطة بها داخل السجون، «غير أنني لا أرغب أن أمر مروراً سريعاً على الدور المهم الذي تمارسه النيابة حالياً في الإشراف وتنفيذ هذا الاختصاص تحديداً، لكن ما لفت انتباهي هو عدم وجود تقارير معلنة من النيابة عن النتائج التي تسفر عنها عمليات التفتيش». وأضاف منور: «أعتقد أن وجود مثل هذه الوسيلة الإعلامية لعرض نتائج الكشف ودعوة المختصين للمشاركة في بلورة الأفكار حول الملاحظات التي تجدها النيابة العامة على الأخطاء الموجودة في طرق تنفيذ الأحكام الجزائية يعتبر عاملاً مهماً في لفت الانتباه إلى طرق إصلاحها أو علاجها».وزاد: «لا شك أن المجتمع الدولي نجح مؤخراً في بلورة عدة أفكار ومبادئ اعتبرتها الأمم المتحدة الحد الأدنى لطرق معاملة السجناء، وعنونتها بـ (مبادئ نيسلون مانديلا)، رئيس جنوب إفريقيا السابق، وكأن هذه الاتفاقية تريد أن تلفت نظر الجميع إلى أن السجين ليس بالضرورة أن يكون أسوأ الخلق، فقد يخرج من السجن رجل يحكم بلداً، وهذا ما حدث مع مانديلا، بعد أن قضى 27 عاماً سجيناً وخرج من باب السجن ليصبح حاكماً لدولة ديمقراطية دستورية، ولم يجعل منه السجن رجلاً عديم الأخلاق غير قويم السلوك كحال بعض السجناء».محامون لتوقيع طعون السجناء
بخصوص مركز العون القضائي، قال المحامي عدنان أبل ان جمعية المحامين أصدرت لائحة جديدة، بالتعاون مع رؤساء المحاكم لمعالجة قضية الطعون التي تسقط لعدم وجود محامين لتقديمها والدفاع عن المتهمين، والتي سبق لجريدة الجريدة اثارتها، وتم توفير مكتب للجمعية للتنسيق في مسألة الطعون، وإعدادها عن طريق المركز داخل السجن، إذ سيتم توفير محامين، وسوف يكون هناك جدول بالمركز بأسماء المحامين المتطوعين بشكل واضح، وسيكون هناك تنسيق فيما يخص متابعة الجلسات بالتعاون مع رؤساء المحاكم.وعما إذ كان سيتم ضبط عملية الانتدابات بواسطة جمعية المحامين، خصوصاً بعد ظهور تسابق على حجز المقاعد بشكل غير منظم، أوضح أنه سيكون هناك كشف معتمد من مركز العون القضائي يتم إرساله إلى رؤساء المحاكم ورؤساء الدوائر، وتحديداً الجنايات، كما سيكون هناك خط مباشر مع مجلس إدارة الجمعية لحل المشاكل.
وعما إذا كان يقصد أن التشريعات الموجودة تنبذ السجين أو المحكوم بعقوبات سالبة للحرية، قال إن «التشريعات تنبذ والثقافة العامة كذلك تنبذ، فالنظرة دائماً نحو السجين نظرة مصحوبة بسوء الخلق وموسومة بالعودة إلى الجريمة بشكل قاطع، وقد يكون ذلك صحيحا إلى حد ما».وأوضح: «عملت في الجهاز القضائي وحققت مع سجناء، وعلى سبيل المثال عندما كنت في نيابة المخدرات حوّل إليّ ملف قضية لسجناء كانوا يتعاطون مؤثرات عقلية داخل السجن في عام 2009، والطريف أن هؤلاء السجناء حوّلوا إلي وحققت معهم وكانوا تحت تأثير المؤثرات العقلية داخل غرفة التحقيق وكانوا يتعاطون داخل السجن، وضبطت معهم تلك المؤثرات واستمروا في الحصول عليها حتى بعد القضية، وعرضوا علي وأنا وكيل نيابة حتى أنهم فقدوا الوعي أثناء التحقيق معهم، واضطررت إلى ايقاف التحقيق».وأضاف: «لا شك أن السجن يحتوي على جميع أشكال البشر ولكن قد يكون من ضمنهم أناس أخطأوا في حياتهم خطأ واحدا ومن الممكن بعد تنفيذ الحكم أن يخرجوا بعقلية مختلفة وشخصية مختلفة ويصبحوا مجرمين حقيقيين بعدما كانوا مجرد مجرمين مخطئين.ولفت إلى أن المجتمع بحاجة إلى إعادة النظر في مجموعة من المبادئ التي قررها العهد الدولي والمسماة باتفاقية مانديلا لمحاولة تقديم وسائل علاجية أفضل من المتاحة، ومحاولة التفكير في حلول لتقديم وسائل عقابية تخدم المجتمع وتخدم السجين، ومنها على سبيل المثال: وضع فكرة لتطوير السجين بمنحه فرصة لتعليم حقيقي لا مهني كما هو موجود حاليا كالنجارة والحدادة حيث يخرج الكويتي من السجن لا يستطيع العمل أو تقبلها.التعليم المهني
وزاد: «أعتقد أن فكرة التعليم المهني داخل السجن فكرة فاشلة لأنها لا تتوافق مع الواقع، وأنا أريد من المختصين أن يشاركوا معي بعض الأفكار المتعلقة بتقديم فرص تعليم حقيقي للسجين مثل إعطائه فرصة للحصول على مؤهل عال (تعليم عال): ليسانس، وبكالوريوس، وماجستير، ودكتوراه، من خلال وسائل تعليم متاحة سواء (أون لاين) أو عبر الاتفاق مع مؤسسات أكاديمية توفر ذلك التعليم».وتابع: «ما أريد أن أصل إليه هو أن أقدم للسجين فرصة للحصول على مؤهل علمي ينفعه خارج السجن، ويمكنه من العمل اللائق بأن أربط هذه الوسيلة بآلية عفو، بمعنى أنه إذا حصل على ليسانس يتم العفو عن ربع المدة، وإذا حصل على ماجستير يتم العفو عن نصف المدة، وإذا حصل على دكتوراه يتم العفو عن كل العقوبة».وبسؤاله ما إذا كان يتوقع أن المجتمع سيتقبل فكرة جلوس سجين في جريمة قتل أو مخدرات إلى جانب طالب علم، أم يتم إنشاء أكاديمية داخل السجن وينتدب لها أساتذة لتدريس السجناء، قال: «أفضل ترك تنفيذ مثل هذه الأفكار للمختصين في إدارة السجن أو التنفيذ الجنائي وكذلك الإشراف عليها والجلوس مع مؤسسات أكاديمية والنظر في كيفية تنفيذها»، مؤكداً أن هناك مؤسسات جديرة بالاحترام تمكّن الطلبة من مواصلة تعليمهم، والحصول على مؤهلات من خلال التعلم عن بُعد (أون لاين) بمحاضرات واختبارات فعلية.وأضاف أنه من الممكن ربط مثل هذا التعليم بنوعية الجريمة المرتكبة، فعلى سبيل المثال هناك جرائم نص عليها قانون البيئة وعقوبتها شديدة من الممكن أن يلتزم الشخص بالدراسة في جانب معين كنوع من التعويض للقطاع الذي وقعت جريمته عليه.وأكد أنه لا يستبعد أن تؤدي مثل هذه الأفكار في نهاية الأمر إلى تحسين سلوك السجين وتحويله إلى شخص إصلاحي منتج كأن يكون طبيبا مثلا، مشددا على أن هذه الأفكار ليست من ضروب الخيال إذ يمكن تطبيقها وتوفير سبل نجاحها.وزاد: «نحن لا نريد اختراع العجب، فما نتكلم عنه موجود في دول العالم، إذ نريد أن نشجع المجتمع على إصلاح تشريعاتنا الحالية، ومحاولة تطويرها، ولا شك أن الهدف العام من العقوبة، إلى جانب إنزالها على مقترف الجريمة، هو تمكين السجين وتأهيله بعد فترة معينة لإعادة الاندماج في المجتمع، مؤكداً أن السجين قنبلة موقوتة فإن لم تصلحه داخل السجن فسيخرج ويشكل حالة خطيرة على المجتمع.وعن بعض الخلايا مثل «أسود الجزيرة»، وتلك المتهمة بجرائم الإرهاب والتي تم اخضاعها لبرامج إصلاحية داخل السجن وتأهيلها من الناحية النفسية، وما إذا كان ذلك كافيا، قال: «من وجهة نظري هي محاولات جادة وجيدة، وحققت إلى حد ما نتائج إيجابية، وخصوصا فيما يتعلق ببعض الأفكار المتطرفة التي كان يحملها بعض المساجين وأدت إلى تغيير قناعات مجموعة منهم تماماً، ولك أن تتخيل مصير هؤلاء السجناء إن لم يتم تغيير تلك القناعات والأفكار الملوثة التي يمكن أن تتطور وتنتقل العدوى إلى الآخرين.أفكار إصلاحية
ودعا إلى تطوير الأفكار الإصلاحية، ومنح السجين فرص الحصول على شهادات عليا في التعليم، مؤكداً أن المهم ربطها بوسائل العفو وإخلاء السبيل حتى تكون عنصرا مؤثرا له ويتغير حاله داخل السجن ويعمل على إنجاز المهمة للحصول على العفو، «فتخيل أحداً محكوما بالمؤبد ولديه فرصة لدراسة الطب ويحصل على مؤهل عال، فهل تتوقع أنه يفوت مثل هذه الفرصة؟ لا بالعكس سوف يستثمرها حتى يقلص فترة وجوده بالسجن إلى الأبد».وأكد أن سلوك المسجون الإجرامي سيتغير حتما خلال مسيرته في الحصول على المؤهل العالي، وسيتحول إلى شخص جاد يبحث عن فرصة للبدء من جديد.إعادة تقييم التشريعات
من جانبه، قال العميد المساعد للشؤون العلمية بكلية الحقوق أستاذ قانون الإجراءات د. مشاري العيفان عما يتعلق بدور النيابة العامة في الإشراف على السجن وتنفيذ الأحكام القضائية: «كلنا نتفق أن هناك خللا ما، ولا شك أن جهود النيابة العامة ثابتة ولا خلاف فيها، لكن المهام المنوطة بها جسيمة وتفوق إمكانياتها، وهذه مشكلة كبيرة نواجهها في الكويت».وأضاف العيفان: «من وجهة نطري، تحتاج تجربة 60 عاما من التشريعات إلى إعادة تقييم، ونحتاج في ذلك إلى اعادة رؤية فيما يتعلق بالمنظومة التشريعية والمنظومة الهيكلية، فالمركز القانوني للسجين يتأثر بقرارات تصدر من جهات مختلفة مثل مجلس الأمة كقانون العفو الشامل، أو النائب العام، أو من قاضٍ قد يوقف بحكم قضائي تنفيذ العقوبة او يمتنع عن النطق بالعقاب».وزاد: «يلاحظ أن القرارات التي تتحكم في السجين متناثرة عن جهات مختلفة، ولذلك أرى ضرورة أن يكون هناك هيئة عامة تخضع لإشراف النائب العام حتى لا ندخل في الانتهاك الدستوري باعتبار أن النيابة العامة مسؤولة عن شؤون التنفيذ الجنائي، وتكون لهذه الهيئة هيكلة كاملة لننتقل من عسكرية النظام إلى مدنية النظام».وأكد أن «هذا التوحيد يتم لغاية واستراتيجية واحدة، فالسياسة الاصلاحية مثلا للسجين البالغ تختلف عنها للسجين الحدث، وهنا لابد ان تكون جهة واحدة هي الرابطة بينها، وعندما نتحدث عن العقوبة المجتمعية المتمثلة في خدمة المجتمع بدلاً من وضع السجين في الحبس وصرف راتب له من الممكن لهذه الهيئة التي نتحدث عنها باستقلاليتها وإمكاناتها المالية ان تقوم بذلك، علما بأننا ندفع حوالي 16 مليون دينار سنوياً تكلفة السجناء».ولفت إلى «أننا لا نمتلك رؤية في كيفية معالجة خلفية السجين، فإلى جانب معوقات تتعلق بثقافة المجتمع هناك أمور كثيرة تؤثر في النظام القانوني الذي يحكم المسألة».وذكر أن الافراج الشرطي كانت النظرة التقليدية له انه منحة لكنها تغيرت الآن، إذ أصبح هذا الإفراج حقاً للسجين، ولذلك فوجود مثل هذه الهيئة سيعالج قضية توحيد الرؤى وتوحيد الوسائل والاستراتيجيات، لافتاً إلى أن دولة مثل أميركا لا تصدر فيها عقوبة وقف تنفيذ حكم دون أخذ رأي الجهة الاصلاحية في الشخص المحكوم، أما في الكويت «فنجد أن من يصدر حكم الامتناع او وقف التنفيذ هو قاضٍ منعزل في غرفة مستقلة، وليست الجهة الإصلاحية، لذلك لابد أن تكون النظرة الشمولية في جهة واحدة».وعن الإشكاليات المتعلقة بالأحكام والمعوقات التي تؤدي إلى إسقاط تلك الاحكام القضائية، قال إن سببها هو التناثر بين الجهات، مؤكداً أن وجود هيئة واحدة يمنع سقوط الأحكام ويبدد تلك المعوقات.ورأى أن الهيئة المستقلة الخاضعة لإشراف النائب العام قد تكون وسيلة فعالة لمعالجة هذه المشاكل، مؤكداً ضرورة عدم بناء المنظومة التشريعية على فكرة الاستيراد التشريعي المجرد، بل يجب بناؤها على حاجة المجتمع وما يناسبه من تشريعات، كأن يتم مثلا تشكيل لجنة من النيابة و»الداخلية» و»الفتوى والتشريع» ويطلب منها اختيار التشريعات التي تناسب المجتمع، «وأعتقد أن كثيرا من النصوص معطلة، لأن النيابة العامة ملقى على عاتقها جهد كبير، ولذلك فالهيئة مطلب ملح في الوقت الحالي لإنجاز الأحكام».حقوق السجناء
بدوره، قال أمين سر جمعية المحامين الكويتية عدنان أبل، لدى سؤاله عن إشراف النيابة العامة على تنفيذ الاحكام، وسقوط الاحكام القضائية ودور جمعية المحامين فيما يتعلق بحقوق السجناء وسقوط الطعون المقدمة الى محكمة التمييز، إن النيابة لها دور والهيئات الاخرى لها دور، لكنها ليست في معزل عن الاخرين، فالكل يكمل الاخر، فإذا كان هناك خلل بجهة من الجهات فسينعكس ذلك على البقية، وهذا هو ما تواجهه النيابة وجمعية المحامين وكل الوسط القانوني.وأضاف أبل ان جمعية المحامين لا تملك قرارا ضد هذا الخلل، وبالتالي لابد من العودة إلى السلطة التشريعية، وضرورة تعديل القانون فيما يخص بسط الرقابة على بعض الاجراءات الادارية المعوقة للأحكام، ومثال عليها العقوبات الاجتماعية، فالنص التشريعي غريب، وأعطى الصلاحية لمدير السجن باستبدال العقوبة وهو ما يشكل بداية التداخل بين السلطات، إذ يصدر الحكم من هيئة قضائية تداولت القضية بشكل كامل ورأت عن قناعة إدانة الشخص بحكم معين ثم يأتي مدير السجن ويقرر استبدال هذه العقوبة برأي شخصي منه رغم انه يفترض قانونا انه لا يملك تلك الصلاحية.وذكر أن النيابة العامة تحفظت عن هذا القانون، ورأت ضرورة تشكيل جهاز قضاء مستقل للنظر في مسألة استبدال العقوبة بعيدا عن وزارة الداخلية.وعن دور جمعية المحامين، قال إنه يشمل مركز حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الذي ينسق مع لجنة الانسان في مجلس الأمة، مؤكدا أن «العديد من التقارير الصادرة كانت لنا عنها تحفظات فيما يخص وضع السجناء الحالي».خصخصة السجون وتعليم السجناء
عن خصخصة السجون قال د. مشاري العيفان في رده عبر التعاقد مع شركات عالمية لإدارتها وتحقيق عملية الربط والضبط، قال العيفان «إننا نلجأ دائما للخصخصة للهروب من التكاليف المالية ونقلها إلى جهة خاصة، غير أن المشكلة تكمن في القوانين الاخرى، فنحن لا نستطيع استيراد جهات خارجية لإدارة مرفق خطير كالأمن؛ لأن ذلك سيسبب خللا آخر في الإشراف على هذه الجهات، التي ستسعى للربح، ولن نستطيع مراقبتها لأننا لا نمتلك الخبرة للحكم على استراتيجياتها وأخطائها».وأكد أن حقوق السجناء متناثرة في عدة نصوص قانونية، فقد نجدها في النصوص الدستورية وفي نصوص قانون الإجراءات وقانون السجون ولائحته التنفيذية، فالحق في التعليم مثلا تنص المادة 88 من قانون السجون على أن وزير الداخلية ينسق مع وزير التربية في قضية التعليم لتحديد مدد الدراسة، وهذا القانون صدر عام 1962 وإلى الآن هذه المادة غير مفعلة».وأوضح أن «قانون السجون به حقوق للسجناء غير مفعلة، والأخطر من ذلك أن الظاهرة الإجرامية تتغير ونحن ثابتون، بمعنى أنه الآن أصبحت هناك أنماط سلوكية لم تكن معروفة عام 1960 وهو ما غيّر طبيعة السجين، مثل أنماط تتعلق بالجرائم الإلكترونية وجرائم الرأي وجرائم الأموال العامة، فالسجين الأمي أصبح اليوم مثقفاً، وهو ما سينعكس على حقوقه التي سيطالب بها، وهذا أمر لابد أن يؤخذ في الاعتبار ونحن نقيم المنظومة التشريعية».وعن الحبس الاحتياطي، قال إنه لا توجد إلى الآن مبررات لأي قضية في الحبس الاحتياطي، والسبب أنه في عام 1960 لما صدر قانون الاجراءات تضمن أن يكون الحبس الاحتياطي على أمرين، إما خوفا من التأثير على سير التحقيق، أو خوفا من هروب المتهم، وبالنسبة إلى الهروب فهناك قانون يلغيه وهو منع السفر، إذاً يتبقى التأثير على سير التحقيق، غير أن الأصل العام في القضايا أصبح الحبس الاحتياطي والاستثناء هو إخلاء السبيل.ورأى ضرورة أن «يكون قرار الحبس الاحتياطي مسبَّبا إذا كنا ننظر إلى المتهم بقرينة البراءة».
وأضاف: للأسف النظرة المجتمعية للمتهم، لا المدان، هي أنه مجرم في جميع الأحوال، أما النظرة إلى المدان فهي أنه مجرم إلى أبد الأبدين ولا يمكن إصلاحه، وهذا يتنافى مع فكرة ومسمى المؤسسات الإصلاحية.وضرب مثلاً على ذلك بأن احد المتهمين طلب من قاضٍ أن يخرجه من محبسه ويعرضه على طبيب نفسي، لأنه يرى في السجن مخدرات بصورة تفوق الموجود خارجه.ورأى أن طبيعة العمل والآلية داخل السجن لا تمت للإصلاح بصلة، إذ يتم تكبيل المتهم من أيديه وأرجله قبل حتى صدور حكم عليه، حتى الزي الذي يدخل به المحكمة يهينه وينتقص من كرامته، إلى جانب القسوة، حتى مع المحامين، إضافة إلى أن قفص الاتهام لا يتسع لعدد كبير من المتهمين، مما يضطرهم للوقوف طوال مدة المحاكمة.وقال إنه «من خلال مركز حقوق الإنسان التابع لجمعية المحامين، رفعنا عدة تقارير لابد أن يتفاعل معها المعنيون وأصحاب القرار، لأنه إذا لم يأخذ المتهم فرصة الاندماج في المجتمع مرة أخرى فسوف يعود إلى الجريمة مجدداً».وذكر أن بعض المتهمين يتعمدون الاستمرار داخل السجن، لأن الاتجار بالمخدرات والممنوعات يتم بشكل أكبر بكثير من خارج لسجن، وقبل فترة تمت إحالة مسؤولين بالسجن المركزي للتحقيق بقرار من وزير الداخلية لوجود تجاوزات، إذ تم اكتشاف مخزن قبل عدة أشهر يحتوي على ممنوعات بكميات صادمة ومنها الهواتف التي تباع داخل السجن بـ3 أو 4 آلاف دينار رغم أن قيمته الحقيقية 300 دينار، كما أن بعض المتهمين يديرون تجارة من داخل السجن تقدر بـ 3 ملايين دينار.وعن مسألة مكافأة المحكوم المجتهد علمياً كأن تخفف عقوبته مثلا إذا قرأ كتاباً كاملاً، قال أبل إن عملية إعادة تأهيل السجناء لإدماجهم في المجتمع عملية مهمة جداً، فالسجين يشعر أن مصيره انتهى، ولم يعد لديه هدف في الحياة، متسائلاً: هل هناك آلية للتعامل مع السجناء بعد قضاء العقوبة، وهل هناك محاولات لتوفير وظائف لهم أو استكمال دراستهم؟تسليم المتهمين
وبشأن موضوع تسليم المتهمين خارج الكويت مثل قضية فهد الرجعان، أوضح أن نيابة التنفيذ الجنائي تواجه مشكلة في هذا الأمر، علما أن هناك اتفاقيات مع بعض الدول، وأعتقد أنه لابد من تفعيل جهات أخرى غير النيابة مثل وزارة الخارجية في هذه الأمور.وأكد أبل أن السلطة التشريعية منحرفة بشكل مؤسف في موضوع التشريعات مما يسبب أزمة لكل القطاعات القانونية بلا استثناء بدءا بالنيابة مرورا بالقضاء وصولا إلى المحامين وكل ما يتعلق بالوسط القانوني، فاعتبارات التشريع سياسية لا فنية، ولا يؤخذ بعين الاعتبار رأي الفنيين فيها، ولذلك يأتي التشريع إما غير قابل للتطبيق في بعض نصوصه، أو منحرفا في نصوص أخرى وبالتالي لا يتم تحديد الغاية منه.المحور الثاني: حقوق السجناء في ظل تكدسهم بالسجن، وهل تعطيهم القوانين تلك الحقوق أم نحن بحاجة إلى تفعيل العقوبات الاجتماعية أو تقليل العقاب عبر التصالح وغيرها من المسائل التي يمكن للنيابة العامة أن تفعلها قبل أن تحيل القضية إلى المحاكم؟قال منور: «هناك حاجة للتفكير أو إعادة التفكير في التشريعات الجزائية الموجودة والمتعلقة بالسجون إلى جانب الأحكام وطرق صدورها وصلاحيات القضاة في إصدارها، ولعل هذه الحلقة النقاشية تمثل إحدى وسائل لفت انتباه المعنيين والمختصين للإقرار أولا بوجود المشكلة ثم التفكير في استعراض الحلول بشأنها».ولفت منور إلى أن «جانبا مهما في سلامة اتخاذ القرار أن يكون لدى متخذي القرار المعلومة، فالمعلومة نوعا ما غائبة لأنها تحتاج إلى إصلاحيات ودراسات عن حالة السجن التي تشهد حالياً تكدساً كبيراً لا يستوعب المساجين الصادر بحقهم أحكام نهائية، وهذا في حد ذاته خطير جداً».وذكر أن ما سبق يدل على أن حالة المساجين داخل السجن غير سليمة؛ لأن بالسجون اكتظاظا وبالتالي يعوق ذلك القائمين على المؤسسات الإصلاحية في تنفيذ رؤية الإصلاح والتأهيل بالنسبة إلى السجين.وطالب بإظهار هذه المشاكل للإعلام وسماع الجهات المسؤولة مثل «التنفيذ الجنائي»، وإخراج الأرقام والإحصائيات للعامة، «كما نحتاج إلى معرفة ما الذي تراه لجان الإشراف داخل السجون وملاحظاتها إذ لابد من عرض المشاكل حتى نفكر في حلول لها».ورأى أن جانباً كبيرا في الحلول الممكنة يتمثل في تمكين القاضي نفسه من اختيار عقوبات بديلة عبر فتح التشريع لإطلاق يد السلطة القضائية لا تقييدها أكثر فأكثر، فالقاضي هو المعني الأول بتحديد العقوبة المناسبة لأنه هو من يعايش القضية.تغليظ العقوبات
وذكر أن هناك اتجاها عاماً لتغليظ العقوبات، وكأن الهدف هو التغليظ، في حين تتجه المجتمعات الحديثة إلى إعادة التفكير في العقوبة نفسها، وإلى الإصلاح والاستفادة من السجين، مؤكداً أن هناك وسائل أخرى تحقق الردع والزجر وتنفع المجتمع من خلال تحويل الشخص المنحرف إلى شخص منتج.وأكد ضرورة أن يكون للقاضي صلاحية ما بين فرض العقوبة بالسجن أو العقوبة بالغرامة وإيجاد نوع من باب التعزير في التشريع الإسلامي، موضحا أن القاضي يبلور في التعزير أفكاراً عقابية معينة تنفع المجتمع وتنفع المتهم، وتمكنه من اختيار مجموعة من العقوبات التي تأتي لمصلحة المجتمع.وأكد أن السجين لديه حقٌ في غاية الاهمية، ومع ذلك هو مهمل في التشريعات الموجودة، ويتمثل في حقه في الحفاظ على طبيعته وارتباطه بالعالم الخارجي لا عزله داخل السجن ليصبح المجتمع الوحيد له هو مجتمع السجن بما فيه من انعدام أخلاق وعدم نظام، إذاً لابد أن يكون بين السجين والعالم الخارجي رابط ولو بسيطا حتى يظل ذلك الارتباط عنصرا مشجعا له على الخروج والانضباط مرة أخرى.وطالب بعدم عزل السجين عن وسائل الاتصال ومتابعة ما يشغل الرأي العام، موضحا ان الحديث هنا عن بعض السجون الخالية من تلك الوسائل لا عن جميع السجون، التي بها رجال يعملون على رفع اسم الكويت في المحافل الدولية أمام مراكز حقوق الإنسان الدولية.الحبس الاحتياطي
وأكد أن هناك أمرا لا يجب إغفاله ألا وهو المحبوس احتياطيا فهو شخص لم يدن رسمياً ورغم ذلك يعامل معاملة سيئة ويعرض على القاضي بلباس السجن، والمنظر العام للمتهم بلباس السجن أمام القاضي قد يوحي بأنه مرتكب لجريمة ما بعكس إذا حضر الشخص بلباس عادي وطبيعي وهيئته المعتادة فإن ذلك سيؤثر بالطبع على قناعة القاضي وهيئة المحكمة.وذكر أن هناك نسبة كبيرة من المحبوسين احتياطياً حصلوا على أحكام براءة، ولذلك لابد أن يعامل هؤلاء معاملة لائقة إلى أن تتم إدانتهم رسمياً، آملاً أن يكون للسجناء المحبوسين احتياطياً وضع خاص أفضل مما هو موجود حاليا، وأن يعرضوا على قضاتهم بدلا من «البهدلة» أمام الناس؛ لأن ذلك يسبب لهم ألما نفسيا وجسمانياً لا يطاق، كما أنه من غير الضروري الحضور إلى كل الجلسات فبعضها قد يطول جدا وفي ذلك مساس بحقهم الإنساني.ولفت إلى أن إحدى وسائل تخفيف أحكام الحبس الاحتياطي إلزام جهة التحقيق بسرد أسباب الحبس حتى يمكن لقاضي التجديد مراقبة هذه الأسباب وإبداء رأيه فيها.وطالب بعدم ترك مسألة حضور السجناء للجلسات بيد أمين سر الجلسة، فأحيانا كثيرة يغيب الأمين وبالتالي لا يحضر السجين الجلسة، داعياً إلى أن يكون حق حضور الجلسات من عدمه بيد السجين قبل غيره، فهو الذي يقرر الحضور من عدمه.عصابات الإجرام
من جانبه، قال المحامي عدنان أبل فيما يخص حقوق السجناء وتكدسهم وشكاواهم، وما إذا كانت جمعية المحامين تستقبل تلك الشكاوى، وما إذا كانت وزارة الداخلية قد استفادت من حكم هروب السجناء في عام 1998 عندما أوصى القاضي إدارة المؤسسات الإصلاحية بمعالجة الخلل وإعادة البنية الإصلاحية ومراقبة السجناء وإعادة التفتيش عليهم، إلى جانب أحكام إدانة العديد من السجانين فيما يتعلق بتهريب مخدرات للسجون، قال إن الجمعية ليست جهة رسمية لاستقبال شكاوى السجناء، «لكن بحكم الجولات التطوعية تأتينا معلومات في هذا الصدد، كما نسمع بها حتى خلال الجلسات، ومن الملاحظ أن السجن المركزي والسجون بشكل عام تطورت غير أن السلبيات كثيرة، وللأسف فإن أكبر عصابات الإجرام تدير عمليات الإجرام من داخل السجن المركزي الذي أصبح غطاء للمجرمين».ولفت أبل إلى أن «أبرز الشكاوى التي مرت علينا تتعلق بتعاطي وجلب المخدرات، ولذلك لا يصح أن يختلط شاب متهم وفي مقتبل العمر بتجار مخدرات؛ لأن ذلك يعرضه للفساد أكثر وأكثر، ويجعله يتعمق في الإجرام بشكل كبير رغم أنه قد يكون متهماً في شيء بسيط في السابق».وأكد أن الدولة لا تملك رؤية لحال وسبيل المحكوم بعد خروجه من السجن، وهذا الخلل يعود إلى الجهة الإدارية المسؤولة عن السجون والرقابة والتفتيش.استبدال العقوبة
وعن استبدال العقوبة، رأى أنه لا يجوز أن يكون في يد مدير السجن، بل لابد من تعديل تشريعي بإنشاء هيئة مستقلة تحت إشراف النيابة لتقرير استبدال العقوبة، فالعملية مزاجية إذ قد تستبدل عقوبة متهم ولا يتم ذلك لآخر، ولكي نضمن حدوث ذلك الأمر بشكل منظم لابد من إسناده إلى جهة قضائية لكن للأسف منح قانون الإجراءات تلك الصلاحيات لأفراد غير مؤهلين لها.وطالب بتطوير التشريعات لأن تأخير ذلك يعطل إدانة المتهمين ويبدد فكرة الردع والزجر المتوخاة من فرض العقوبة، مؤكداً أن السجن بشكل عام يحتاج إلى وقفة جادة ليس فقط من وزير الداخلية بل من جميع السلطات مع تحديد الأدوار بشكل سليم.وعما يتعلق بصحة السجناء ورصد حالات إصابة بالوباء الكبدي بينهم والإيدز إلى جانب التكدس وما إذا كانت بيئة السجن مناسبة أم نحن مقبلون مع زيادة عدد السجناء على كارثة بيئية وصحية في وقت يتوجب على الدولة أن توفر لهم مكانا آمنا لقضاء عقوباتهم، قال د. مشاري العيفان إن توحيد الجهة والرؤية علاج مهم لكل تلك المشاكل، فالمهيمن على الامور في موضوع السجين هي وزارة الداخلية، والجانب الصحي لا يعنيها كثيرا، فهي لا تفكر إلا في معالجة الاحداث المؤقتة لا معالجة الظاهرة وأسبابها وكيفية تفاديها.وذكر أن الرؤية المتكاملة لا تحتاج إلى جهة تعوزها الخبرة مثل وزارة الداخلية، فعلم السجون علم متخصص ومرتبط بجوانب أخرى كالصحة والرياضة والأمور النفسية والثقافية، ولذلك لابد أن تكون الرؤية بشان هذه الأمور واضحة عند الوزارة ككل.الإفراج الشرطي
وعن الإفراج الشرطي كحق من حقوق السجناء، قال إن المجتمعات الحديثة تطبقه غير أنه تحول من نظام تنفيذي إلى نظام قضائي، وهو ما أعطى مَن يطلبه حقوقاً قانونية مثل الحق في طلب مستندات وسؤال الشاهد والحق في معرفة سبب رفض طلب الإفراج وفي التظلم من القرار، وهنا لابد من تطوير التشريعات.وذكر أن «قوانين الكويت بها ما يسمح بتطبيق ما نطالب به، لكن الأمر يحتاج إلى تنبيه القاضي، فتشريع وقف التنفيذ والامتناع عن النطق بالحكم يعطي الحق للقاضي في فرض أي التزام يراه على المتهم، ولذلك فإن الهيئة والمنظومة الموحدة مهمة في تقدم الرأي والمشورة للقاضي وتنبهه»، مؤكداً أن القوانين الكثيرة أصبحت تتداخل على القاضي وهنا لابد من هيئة تقدم له المشورة.