أرجع بعض خبراء النفط أسباب هبوط أسعار الخام الحالية إلى مخاوف السوق من تأثير انتشار فيروس «كورونا» على الاقتصاد الصيني، والطلب على النفط في الصين، لأن الفيروس قد يؤثر بشكل مباشر في الملاحة الجوية داخل الصين، ومنها وإليها، وفي حركة النقل داخلها.

وتقدر بعض مصادر السوق هذا التأثير بأنه يعني خفضا في معدل نمو الطلب في الصين بنحو 200 ألف برميل يوميا خلال 2020، وسيكون التأثير في معظمه خلال الربع الأول من نفس العام.

Ad

وأشار الخبراء، في تحقيق أجرته «الجريدة»، إلى أن وصول أسعار النفط العالمية إلى ما دون 60 دولارا للبرميل سيؤدي إلى عواقب غير محمودة على بعض الدول المنتجة والمصدرة للنفط، خصوصا دول الخليج، التي تعتمد ميزانياتها، بدرجة كبيرة، على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي؛ لافتين إلى أن تلك الأسعار لن تؤثر بشكل كبير على الكويت، التي تعتمد في وضع ميزانياتها على سعر اقل من 60 دولاراً للبرميل، ولكن الفيروس سيتسبب في إهدار جهود «أوبك بلس» لتحقيق أسعار متوازنة قريباً.

وذكروا أن دول الخليج تتجه حاليا، بخطى ثابتة، للابتعاد عن الاعتماد على مصدر النفط كدخل قومي بشكل تدريجي، ضاربين مثالاً على ذلك ببيع المملكة العربية السعودية أسهماً في شركة «ارامكو»؛ ومشيدين بتلك الخطوة في إطار توجه المملكة نحو الدخول في أنشطة استثمارية ربحية خارج نطاق تصدير النفط... وفيما يلي التفاصيل:

بداية، لخص الخبير النفطي محمد الشطي المؤثرات الحالية في السوق النفطي كما يلي: فيروس كورونا، وحركة المخزون النفطي، والإمدادات في أسواق النفط، وحالة الاقتصاد العالمي، والتطورات الجيوسياسية، فضلا عن قرارات «أوبك بلس» لتنظيم أسواق النفط وتحقيق التوازن، وأرجع هبوط أسعار النفط الخام الحالي إلى مخاوف السوق من تأثير انتشار فيروس «كورونا» على الاقتصاد الصيني، والطلب على النفط في الصين، لأن انتشاره قد يؤثر بشكل مباشر في الملاحة الجوية داخل الصين ومن الصين وإليها، وكذلك يؤثر في حركة النقل داخل الصين، وتقدر بعض مصادر السوق هذا التأثير بأنه يعني خفضا في معدل نمو الطلب في الصين بنحو 200 ألف برميل يوميًا خلال 2020، وسيكون التأثير في معظمه خلال الربع الأول من نفس العام.

النفط الصخري

وأضاف أنه «بلا شك النفط الصخري الأميركي استفاد كثيرا من قرارات وتحالف المنتجين منذ بداياته وإلى الآن، سواء في رفع مستويات الإنتاج أو الاستثمار والوصول الي مستويات قياسية للإنتاج، وارتفعت صادرات الولايات المتحدة الأميركية من النفط الصخري لتصل إلى 3.5 ملايين برميل يوميا إلى مختلف الأسواق، ووصلت إلى أسواق آسيا والصين، وفعليا اتسعت أسواقها واستفادت وكسبت أسواقا، ولكن لابد من الانتباه إلى أن نوعية النفط الصخري خفيفة فائقة النوعية في أغلبها، بينما متوسط نوعية النفوط من الأوبك، وتحالف المنتجين متوسطة وثقيلة، وباعتبار هذا فإنه لا يوجد تداخل في الحقيقة الا في النوعيات الفائقة التي تنتجها بعض بلدان الأوبك مثل ليبيا، والجزائر، ونيجيريا، وكميات في السعودية».

ونوه إلى أن السحوبات من المخزون النفطي مازالت مستمرة إذا ما قورنت ببدايات الاتفاق في عام 2017، وكذلك على اساس سنوي حاليا مقابل العام المنصرم، لكن في النهاية التزام دول الأوبك، وتحالف المنتجين يساعدان في تحقيق التوازن، الا انه أردف قائلا «هناك عوامل تؤثر على فاعلية قرارات الأوبك، وهي تلك التي تؤثر في الطلب أو الاقتصاد أو الإمدادات من خارج الأوبك؛ وكذلك توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأن فعلياً الاقتصاد العالمي تجاوز مرحلة الركود، ومن المتوقع أن يعاود النمو، لكن تظل هناك مخاوف مرتبطة بالتفاوض التجاري بين الصين وأميركا.

وأشار الشطي إلى أن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو التعافي بعد التباطؤ الذي شهده عام 2019، ولكن تبقى هناك محاذير سيراقبها السوق وآخرها فيروس كورونا وانتشاره في الصين، وبدء وصوله إلى مناطق متفرقة في العالم.

تمديد الاتفاق

ولفت إلى أن «أوبك» وتحالف المنتجين يراقبان تطورات السوق بشكل دوري من أجل تبني قرارات تصب في مصلحة تحقيق توازن أسواق النفط والأسعار؛ مشيراً إلى أن من المؤشرات الإيجابية التي تدعم أسعار النفط أنباء تدور حول عزم «أوبك بلس» تمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى شهر يونيو 2020، مع استمرار تعهد السعودية بالالتزام بخفض إضافي في انتاجها، وانباء أخرى عن احتمالات تقديم مؤتمر الأوبك، والذي كان مقررا في شهر مارس إلى موعد قريب.

وذكر أن تأثر الإنتاج في فنزويلا وإيران وليبيا يساعد في توازن الأسواق إيجابا، ويدعم جهود التوازن والأسعار، ولكن في ظل مخاوف وضعف الطلب على النفط يكون تأثير تلك العوامل اضعف، واستمرار ارتفاع إمدادات النفط من خارج الأوبك ومن النفط الصخري؛ وبالرغم من كل هذا فإن انخفاض إنتاج ليبيا من النفط إلى النصف والبعض يقدر الإنتاج حاليا فقط 242 ألف برميل يوميا من مستوى 1.2 مليون برميل يوميا قبل تعطيل التصدير مؤخرا، سيكون له تأثير في دعم الأسواق، واسعار النفط بعد استيعاب حجم النقص في المعروض نتيجة لذلك؛ وكذلك استمرار الانخفاض في إنتاج فنزويلا إلى ما دون 900 ألف برميل يوميا خلال يناير الماضي؛ معتبراً ذلك عاملاً إيجابياً يدعم السوق.

تأثيرات «كورونا»

وأكد أنه من الصعب توقع استمرار هبوط أسعار النفط، منوها في هذا الإطار إلى أن هناك فترة سيتم فيها استيعاب تأثيرات فيروس «كورونا»، ثم تبدأ الأسواق تتعافى؛ لافتا إلى أن هذا يتماشى مع التوقعات السابقة باستمرار اختلال ميزان الطلب والعرض خلال النصف الأول من عام 2020، ثم يتحقق التوازن خلال النصف الثاني من العام نفسه.

وقال إن «معدل سعر نفط خام الإشارة برنت وصل خلال شهر ديسمبر الماضي إلى 67 دولاراً للبرميل، ولكنه انخفض إلى 64 دولاراً للبرميل كمعدل خلال شهر يناير 2020، أي انخفض بمقدار 3 دولارات للبرميل، ويعود بالدرجة الأولى إلى تأثيرات فيروس كورونا».

وأكد الشطي أن هبوط معدلات الأسعار إلى ما دون 60 دولارا للبرميل سيؤثر بلاشك على موازنات الدول المنتجة للنفط في تحالف المنتجين، مشيرا إلى أن الدولة الوحيدة، التي أعلنت في السابق أن هذه المستويات تناسبها، وتستطيع التعايش معها روسيا، أما بقية المنتجين فإن أسعار النفط عند 70 دولار للبرميل وأعلى تناسبها من اجل التعايش مع متطلبات الموازنات بشكل افضل، في ظل التزامات ومتطلبات متزايدة؛ موضحا أن هناك مصادر في السوق تشير الى ارتفاع في انتاج روسيا من النفط والمكثفات، حيث سجل اعلى مستوى له في 5 أشهر عند 11.28 مليون برميل يوميا.

تعافي الأسعار

وحول إمكانية تعافي أسعار النفط من جديد، أفاد الشطي بأن مجال تعافي الأسعار متوافر، خصوصا في النصف الثاني من العام الحالي؛ ولكن الواقع في الأسواق يشير إلى أن معدل أسعار النفط للعام 2020 سيكون اقل مما كان عليه في 2019 بمقدار 5 دولارات للبرميل، وبالتالي ستدور أسعار خام برنت ضمن نطاق 60 – 65 دولارا للبرميل.

استراتيجية مطلوبة

وشدد الشطي على ضرورة ان تقوم دول الخليج المنتجة للنفط بتنويع الاقتصاد، واعتبار ذلك استراتيجية مطلوبة لا بد من التوسع فيها وفي تطبيقاتها بشكل اكبر، خصوصا في صناعة النفط والغاز والبتروكياويات والاستفادة المثلى منها.

تعميق الخفض

من ناحيته، قال أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت د. أحمد الكوح، إن قرار تمديد خفض إنتاج النفط حتى نهاية العام الحالي، لاحتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي في الأشهر المقبلة، بسبب انتشار فيروس كورونا، وتأثيره على اقتصاد الصين يعتمد بشكل اساسي على اداء الدول اقتصاديا خلال الفترة الحالية، ومن الممكن ان يؤثر ذلك التباطؤ على اقتصاد العالم، وبالتالي ينعكس ذلك على الطلب على النفط؛ الأمر الذي قد يضطر دول «اوبك بلس» إلى تمديد الاتفاق أو البحث في خفض جديد للانتاج.

وأضاف أن هناك عوامل كثيرة قد تعوض النقص في الكميات المعروضة، منها على سبيل المثال النفط الصخري الأميركي الذي يستطيع اقتناص اي فرصة لضخ المزيد من الإنتاج، خصوصا مع غياب حصة مؤثرة من نفط دول «اوبك بلس»، حيث في امكان هذا النوع من النفوط التخفيف من أثر خفض انتاج دول «اوبك» وحلفائها من خارج المنظمة الدولية.

وأشار إلى أنه في الوقت نفسه قد نجد انخفاضا في المخزونات الأميركية من النفط في حال امتداد خفض الإنتاج أو التوجه إلى المزيد من تعميق الخفض، إذ ان تلك النتيجة المرجوة لبيان اثر الخفض قد تحتاج إلى عدة أشهر.

ونوه إلى أن وصول اسعار النفط العالمية الى ما دون 60 دولارا للبرميل سيؤدي إلى عواقب غير محمودة على بعض الدول، خصوصا دول الخليج التي تعتمد ميزانياتها بدرجة كبيرة على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي؛ لافتا إلى أن تلك الأسعار لن تؤثر بشكل كبير على الكويت، التي تعتمد في وضع ميزانياتها على سعر اقل من 60 دولارا للبرميل.

وأوضح ان دول الخليج تتجه بخطى ثابتة للابتعاد عن الاعتماد على مصدر النفط كدخل قومي بشكل تدريجي، ضاربا مثالا على ذلك ببيع السعودية أسهما في شركة ارامكو؛ ومشيدا بتلك الخطوة في اطار توجه المملكة نحو الدخول في انشطة استثمارية ربحية خارج نطاق تصدير النفط.

عوامل اقتصادية

من جهته، قال الخبير النفطي أحمد كرم «لم تعد مستويات الإنتاج النفطي تؤثر بشكل كبير على اسعار النفط، مع ارتفاع انتاج النفط الصخري، خصوصا من أميركا»، منوها إلى أن الأسواق النفطية حاليا باتت تتأثر بشكل كبير بالعوامل الاقتصادية ومستويات النمو للدول المستهلكة والصناعية، خصوصا من الصين وأميركا.

وأضاف ان الحرب التجارية الخفية بين أميركا والصين اصبحت المحرك الرئيسي للاسواق النفطية واسعار النفط؛ مؤكدا أن قرارات «اوبك بلس» بخفض الانتاج لم تعد تجدي نفعاً لرفع اسعار النفط، ولكنها توازنه، وتحد من هبوطها بشكل ملحوظ.

وأشار كرم الى انه رغم توافر عوامل سياسية من شأنها العمل على رفع اسعار النفط بشكل كبير فإن هذا لم يحدث بالشكل المرجو، مثلما حدث مؤخرا حينما بدأت التوترات السياسية بين أميركا وايران في المنطقة. مخزونات مستقرة

ولفت إلى أن زيادة انتاج النفط الصخري الأميركي اصبحت هاجسا لدى دول «اوبك» وحلفائها خصوصا روسيا، مشيرا الى أنه رغم ارتفاع كلفة انتاجه فإنه بدأ يحل محل النفوط المستوردة لدى اميركا، مما جعل مخزونانتها الاستراتيجية شبه مستقرة فترة طويلة. وأكد مراجعة «اوبك بلس» للاسواق العالمية الاقتصادية والنفطية، ومراقبة معدلات النمو الاقتصادية والتجارية كذلك، ومن ثم تتخذ قرارها وتتفق على كمية الخفض التي بشأنها تعيد اسعار النفط الى المستويات المرغوبة لديه.

وشدد على أن اسعار النفط الحالية تعد أمرا مأساويا لدول الخليج التي تعتمد موازناتها على الإيرادات النفطية، حيث إن الأسعار بوضعها الحالي والمرشح لمزيد من الهبوط ستدخل هذه الدول في مرحلة العجز المالي، معتبرا ذلك أمراً غير مرغوب فيه، نظرا لأن دول الخليج تخطط لمشاريع كثيرة مجدولة ضمن الخطط المستقبلية يجب تنفيذها حتى تجني ثمارها لاحقاً.

واختتم كرم قائلا إن «الدول الخليجية مطالبة بشكل سريع بالعمل على تدبر الأوضاع الحالية، واتخاذ الإجراءات اللازمة للابتعاد عن الاعتماد بشكل اساسي على الإيرادات النفطية، والعمل على تحرير الموازنة، والاعتماد على إيرادات بديلة تجعل إيرادات النفط احتياطية، والتفكير بشكل سريع للاستثمار في قطاعات أخرى، كما هو معمول به في النرويج».

أسواق هشة

بدوره، أعرب نائب مدير البرامج الاكاديمية في الكلية الدولية الأميركية د. عواد النصافي، عن اعتقاده أن قرار خفض الإنتاج سيؤتي ثماره في المستقبل القريب؛ منوها إلى أنه ليس مع من يقول ان الأسواق هشة، ويستحيل رؤية تأثير ذلك القرار؛ لافتا إلى ان الأحداث في الفترة السابقة أتت بخلاف ما هو مخطط له في المدى القصير، مما اثر على الأسعار في اسواق النفط.

وفيما يختص بالنفط الصخري، أوضح النصافي أن الخفض لن يخلق فرصة للنفط الصخري للدخول، لأن ذلك سيؤثر في الأسعار ويزيدها تراجعا، وهو في غير صالح منتجي النفط الصخري، خصوصا ان الاقتصاد العالمي في حالة ركود حذر، مما قد يزيد مشكلة تخمة في المعروض النفطي.

وأشار إلى أن معظم التوقعات تشير إلى زيادة امكانية حدوث ركود اقتصادي، خصوصا مع الأحداث الجارية في الصين، والهلع الدولي من انتشار «كورونا الجديد»، لافتا إلى أن ما يحدث في الصين سبب ربكة عالمية، وزاد فرص الركود الاقتصادي، وعدم وضوح الرؤى في المدي القصير، وفرص السيطرة على الفيروس، الذي أصبح الهاجس في الربع الأول من هذا العام.

محافظة على الأسعار

وقال «هذه الأحداث الاقتصادية لاشك انها تؤثر بشكل مباشر على الطلب على النفط، مما جعلنا نفكر لماذا لم تظهر نتائج توقف الإنتاج في فنزويلا والعقوبات الاقتصادية على إيران»، موضحا أن تداخل الأحداث زاد فرص خفض الإنتاج النفطي للمحافظة على الأسعار الحالية.

وأضاف أن الأسعار ما بين 60-70 تساعد الدول الخليجية في تمويل موازناتها، خصوصا ان هذه الدول تعتمد بشكل كبير على النفط في تمويل موازناتها، مؤكدا أن انخفاض الأسعار ما دون 60 دولارا للبرميل ينذر بدخول الدول الخليجية، خصوصا الكويت في منظومة العجز الفعلي للموازنة.

وأشار إلى ضرورة دعم الاستثمار في مصادر دخل رديفة للنفط حتى تتمكن هذه الدول من المحافظة على موازناتها بعيداً عن تقلبات أسعار البترول، والتي تعتمد بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.

واختتم النصافي قائلا «يجب على دول الخليج، خصوصا الكويت وقطر إعادة هيكلة اقتصادها وقطاعاتها، والسعي إلى اشراك القطاع الخاص وإعطائه دوراً في الناتج المحلي مع تعزيز القوانين التي تزيد الشفافية والتنافسية».