وسط مخاوف من تصعيد ميداني غير مسبوق، اتهم نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد "تركيا بانتهاك مسار أستانة واتفاقات سوتشي وكل ما توافقت عليه الدول لإنهاء الأزمة"، معتبراً "توغل قواتها بإدلب عدم التزام باتفاق أضنة، الذي لا يسمح لها بالعبور بهذه الطريقة".

وفي تحذير مباشر لتركيا، شدد المقداد، خلال مشاركته بالعيد الوطني لسريلانكا، على أن "سورية اليوم ليست كالأمس وجيشها سيستمر في زحفه لتحرير تراب الوطن من الإرهاب والاحتلال الأجنبي"، مؤكداً "ممارسات تركيا وتنسيقها مع المجموعات المرتزقة ستنعكس سلبياً عليها".

Ad

وأكد المقداد أن "القانون الدولي لا يتيح لأي دولة الاعتداء على أخرى، ولا احتلالها والقيام بممارسات استعمارية استيطانية بما فيها نقل الأهالي، ورفع العلم وفتح مدارس تركية، في تناقض أيضاً مع الأهداف المعلنة للنظام التركي".

وعلى الأرض، أرسل الجيش التركي، أمس، كبائن حراسة متنقلة مقاومة للرصاص إلى نقاط المراقبة التابعة له داخل محافظة إدلب، التي شهدت تبادلاً لإطلاق النار بين الطرفين أوقع عشرات القتلى.

وبعد تعرض قافلة عسكرية لقصف مدفعي ومقتل 6 جنود أتراك ومدني، انطلقت 10 شاحنات محملة بالكبائن من قضاء ريحانلي ودخلت إلى الأراضي السورية ومنها إلى نقاط المراقبة في إدلب، التي أوضح وزير الدفاع خلوصي أكار، أن "الرد التركي على الهجوم شمل 54 موقعاً فيها وكبد الجيش السوري خسائر فادحة وقتل 76 من عناصره".

معركة سراقب

ومن الشمال والغرب والشرق والجنوب، بات الجيش التركي يتوزع في مدينة سراقب، ملتقى الطرق المؤدية لأبرز مدن سورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الأردن ومن حلب وإدلب إلى اللاذقية، موجهاً رسالة لموسكو ودمشق، التي تسعى لقضمها كحال خان شيخون ومعرة النعمان الاستراتيجيتين، بأن الوصول إليها يعني اصطداماً مباشراً معه.

وفي حين أفاد المرصد السوري عن اندلاع معارك عنيفة في محيط سراقب وفي ريفي حلب الجنوبي والغربي تتزامن مع غارات روسية وسورية كثيفة تسبّب بحركة نزوح واسعة للمدنيين، بات الجيش السوري على بعد 8 كلم جنوب شرق مدينة إدلب، مستفيداً من تقدمه غرب سراقب، التي شهدت التصعيد غير مسبوق بينه وبين القوات التركية، ليقترب من السيطرة على نحو نصف مساحة المحافظة.

ومع اقتراب النزاع من إتمام عامه التاسع، باتت دمشق تسيطر على أكثر من 70 في المئة من مساحة سورية، كما تنتشر قواتها في مناطق سيطرة الأكراد في الشمال والشرق.

مسؤوليات مهمة

وفي محاولة لاحتواء غضبها من استفزازاته، التي تخطت سورية وشملت ترديد تحية القوميين المناهضين لها في أوكرانيا وتجديد رفضه لضمها شبه جزيرة القرم، أكد إردوغان أنه لا حاجة للدخول في "خلاف خطير" مع روسيا حالياً والتحدث إليها "بدون غضب" وأنه ربما يتصل بنظيره فلاديمير بوتين اليوم، مشدداً على أنه لن يسمح للرئيس السوري بشار الأسد باكتساب أراضٍ في إدلب.

وحمّل وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، "روسيا المسؤولية الأهم في تسريع عملية الحل السياسي"، متعهداً باستمرار الرد على استهداف نقاط المراقبة في إدلب وعدم التسامح مع دمشق.

وفي تخفيف لإعلان إردوغان عن "موت مسار أستانة"، أكد جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف ضرورة الالتزام الكامل بالاتفاقيات الثنائية لضمان استقرار الوضع في إدلب وخاصة "سوتشي" الموقع بين إردوغان والرئيس فلاديمير بوتين في 17 سبتمبر 2018.

وأكد الجانبان أهمية الإسراع في فصل المعارضة المسلحة عن العناصر الإرهابية والوقف الفوري لكل الاستفزازات، وشدد على عدم وجود بديل عن التسوية السياسية والدبلوماسية للنزاع.

موجة نزوح

وفي واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع، الذي يقترب من إتمام عامه التاسع، فرّ أكثر من نصف مليون شخص جراء التصعيد العسكري للقوات الحكومية وحليفتها روسيا على إدلب وجوارها.

وقال المتحدث باسم الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ديفيد سوانسون: "منذ أول ديسمبر نزح نحو 520 ألف شخص من منازلهم، 80 في المئة منهم من النساء والأطفال"، موضحاً أن "أعمال العنف شبه اليومية لفترات طويلة أدت إلى معاناة مئات الآلاف بالمنطقة، بشكل لا مبرر له".

وتوجّه النازحون، وفق الأمم المتحدة، إلى مناطق لا يشملها القصف، خصوصاً المدن أو مخيمات النازحين قرب الحدود في شمال غرب إدلب، بينما انتقل عشرات الآلاف إلى مناطق عفرين وأعزاز في شمال محافظة حلب المجاورة، والتي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة.

منشآت النفط

للمرة الثانية في أقل من شهر، تعرضت منشآت النفط في حمص فجر أمس لاعتداءات بقذائف أدت إلى أضرار مادية ونشوب حرائق تمت السيطرة عليها، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وقال وزير النفط علي غانم، للوكالة، إن "الإرهابيين ورعاتهم عادوا لاستهداف قطاع النفط ومنشآته باعتداءات إرهابية لاسيما معمل غاز إيبلا ومعمل جنوب المنطقة الوسطى ومحطة الريان ومصفاة حمص".

وأوضح مدير شركة الغاز غسان طراف، أن محطة الريان تعرضت لعدة قذائف ومعمل غاز جنوب المنطقة الوسطى لثلاث وإيبلا لقذيفتين مما أدى إلى نشوب حرائق ووقوع أضرار مادية.

وأعلنت الحكومة السورية الأسبوع الماضي أنّ منشآت نفطية بحرية تابعة لمصفاة بانياس تعرّضت للتخريب بواسطة عبوات ناسفة زرعها غطاسون، مؤكّدة أنّ الأضرار لم تؤدّ إلى توقف عملها.

توسع أميركي

في السياق، أكدت مصادر رسمية سورية وأخرى عشائرية لوكالة "سبوتنيك" استيلاء الجيش الأميركي بمساندة القوات ذات الأغلبية الكردية "قسد" على أراض جديدة بهدف توسيع مساحة سيطرتها في محيط المنشآت النفطية في ريف الحسكة وإقامة نقاط وقواعد على غرار تل بيدر "القصرك" أو حقول الجبسة في مدينة الشدادي أو المطار الزراعي القديم بريف المالكية.

ونفت المصادر قيام أي سوري ببيع أو إيجار أراض من الأملاك الخاصة لمصلحة القوات الأميركية، موضحة أنها تعمل على زيادة وتوسيع نفوذها في "القصرك" وأدخلت إليها 75 شاحنة تحمل أسلحة ثقيلة ومدرعات عسكرية ومواد لوجستية، تم نقلها من الشدادي، كما أدخلت للمرة الثانية خلال 3 أيام تعزيزات لحماية حقول النفط في ريف الحسكة، خصوصاً العمر الأكبر إنتاجاً في سورية.

وبالتزامن مع إعادة فتح مكاتب المجلس الوطني الكردي بمناطق "قسد" المدعومة أميركياً، التقى وفد موحد من الإدارة الذاتية وأحزاب أخرى

بمسؤولين من دمشق وروسيا في قاعدة حميميم، استكمالاً للقاءات واجتماعات عديدة جرت في إقليم كردستان العراق قبل أيام ضمن محاولات "توحيد الصف الكردي".