سجل الناخبين... وتزوير إرادة الأمة
هناك أيدٍ خفية لكنها ذكية دأبت على تزوير إرادة الأمة من منبعها، وأقصد بذلك العبث بالقيود أو السجلات الانتخابية، من خلال إجراءات متعددة ومدروسة، جميعها يسعى إلى تغيير سجلات الناخبين للتأثير في نتائج الانتخابات أو التحكم بها، ومن ذلك نقل الناخبين بشكل غير مشروع ومخالف للقانون، أو إغفال تسجيل مستحقين، أو تعمد إهمال إلغاء المتوفين، أو عدم وضع كلمة موقوف أمام أسماء العسكريين، أو غيرها من الإجراءات التي تحاول العبث وتغيير هيئة الناخبين وصولاً إلى تزوير إرادة الأمة.ولعل أخطر تلك الإجراءات هو نقل قيود الناخبين بشكل غير مشروع، فوفقاً للإحصائيات المستقاة من قاعدة بيانات الناخبين بين عامي 2010 و 2019، يلاحظ وبشكل لافت للنظر أن الزيادة في عدد الناخبين بالسنوات التي تلي الانتخابات لا تتعدى نسبتها 1.5%، في حين أنها في السنة التي تسبق الانتخابات أو في سنة الانتخابات ترتفع إلى ما يقارب 6%، أي أربعة أضعاف نسبة الزيادة الطبيعية، فإذا أضفنا إلى ذلك نسبة تغيير غير ظاهرة تتمثل في النقل المتبادل بين الدوائر أو ما يمكن أن نطلق عليه الهجرة المتبادلة بأصوات الناخبين بين الدوائر، وهي تقدر بحوالي 5%، فإن ذلك يعني أن مجموع نسبة التغيير بأعداد الناخبين يصل إلى ما يقارب 10% بكل دائرة انتخابية، وهذا عدد كبير جداً ومؤثر في إحداث تزوير بإرادة الأمة بنجاح من يحصل على أعداد غير مشروعة، فضلاً عن تضخيم عدد أصوات البعض الآخر من نواب الفساد السياسي وقراصنة المال السياسي والنفوذ غير المشروع، ومن ثم يُكوّن مجلس الأمة من أعضاء غير معبرين عن إرادة الأمة الحقيقية.
إن وزارة الداخلية، وهي جهة غير محايدة وغير مستقلة، هي من يتحمل وزر هذا العبث، بل تتبعها في تحمله الحكومة برمتها، التي قد تقوم عن قصد بتيسير سبل وإجراءات نقل الناخبين، والعبث في تكوين هيئة الناخبين في كل دائرة لضمان نجاح نواب فاسدين. إن نسبة الـ10% تمثل أعداداً بنحو 6 آلاف للدوائر الصغيرة وتصل إلى 12 ألفاً بالدوائر الكبيرة، فإذا علمنا أن فوارق النجاح بين الأول إلى الخامس عشر في كل دائرة متوسطها خمسون صوتاً أو مئتا صوت في دوائر أخرى، ندرك أن الأعضاء الناجحين جاء عدد كبير منهم بإرادة مزورة للأمة. إن إصلاحاً عاجلاً لهذا الخلل ينبغي أن يتم بتحرك حكومي مسؤول ورقابة شعبية صارمة، ومعالجة تشريعية مستحقة.