• بدأت شاعراً وأصدرت ديواناً بعنوان "انتحار معنى"، وأخيراً اتجهت إلى الرواية، ما الذي جذبك إلى عالم السرد؟

- المشكلة ليست في القصيدة أو الرواية. السبب يوجد داخل خيال الكاتب، إذ كان مستحيلاً أن أكتب عن سرقة حضارة المصريين القدماء في ديوان، وشعرت أن القصيدة لن تؤدي الغرض، فحلاوة الشعر في المساحة التي تقع بين النص والمُتلقي أو بين الصورة والكلمات أو إن شئت قل بين المنطوق والمفهوم. لكن الرواية أكثر تسطيحاً من هذا العمق، ورواية "رسائل سيركت" كما تصورت كانت تحتاج إلى الطريق المباشر، وإذا كان الشاعر هو أمير مملكة الأدب فإن عالم السرد في أي قضية يعد كشفاً كاملاً لا يستطيعه الشعر بعمق وميضه، وليس كل الناس مقبلين على الشعر كالرواية التي تعد منهلاً سهل التناول، فالشعر حالة وجدانية والرواية قنطرة بين الإمتاع والفهم، وما أجبرني على كتابة هذا العمل إلا أن ما وددت قوله لن يتأتى سوى بهذه الطريقة، وحقيقة لم يكن من السهل كتابة الرواية كما توقعت، فكتابة الرواية تؤدي إلى انعزالية واستغراق في الفكر والسرد، ويقيناً لم أكتب "رسائل سيركت" لأنني أحببت أن تكون لي رواية أدخل بها هذا السوق المزدحم أو أنافس كباره.

Ad

• إذاً ما الدافع إلى خوض غمار السرد؟

- لقد وجدت العالم، وبخاصة الغربي، يصر ويؤكد على أن اليونانيين القدماء هم أصحاب الفضل في إشعال منارة الفكر التي أنتجت هذا الزخم العلمي الهائل، بيد أن الحقيقة غير ذلك، فالمصريون هم أصحاب السبق، وما فعله اليونانيون لم يكن سوى سوى أنهم سرقوا ما لدى المصريين بعد الاضمحلال الأخير على يد الفرس.

الأمر كله جاء نتيجة أفكارٍ كثيرة عن سرقة الغرب للحضارات الشرقية القديمة، واشتعلت الفكرة بعد قراءتي كتاب "الإرث المسروق" للباحث جورجي جيمس، وهو المشار إليه في الرواية، فاستلزم الأمر عملاً أدبياً فكانت "رسائل سيركت".

• ماذا عن الأجواء التي تدور فيها "رسائل سيركت"؟

- الرواية تسلط بعض الأضواء عن معتقدات القدماء وفكرتهم عن الحياة والعالم، وتنتقل من عصر الملك سيتي الأول (والد الملك رمسيس الثاني وينتمي إلى الأسرة الفرعونية الـ19) إلى حقبة وجود اليونان في مصر، وأما طريقة الانتقال هذه فسأتركها للقارئ.

• التحضير لعمل يعيد قراءة التاريخ بهذا الشكل بالتأكيد استلزم جهداً بحثياً من جانبك. حدثنا عن ذلك؟

- لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، لأنني لم أتوقف عن القراءة حتى كتابة السطور الأخيرة من الرواية، وكلما اتضحت لدي بعض المعلومات كان يراودني شعور بضرورة زرعها في نسيج العمل، وهذا لم يحدث كثيراً حتى لا تخرج الرواية عن طبيعتها.

• أيهما تنشغل به أكثر أثناء الكتابة: اللغة أم التقنية؟

- أنشغل ذهنياً بالتقنية أولاً، حتى إذا استكملت الحبكة دائرتها أتممت ذلك بما تتيحه لغتي، ولا أترك السرد حتى أطمئن أنه ليس مبتذلاً ولا غريباً، لكنني في كل حال أميل إلى قوة اللغة ولا أملُّ منها، لنقل على سبيل المثال لا الحصر، إننا شاهدنا الكثير مما كتب طه حسين على شاشات التلفزيون، ونكاد نحفظ أحداث رواياته، لكن هذا لا يغنينا بحالٍ عن قراءة ما كتبه بيده، إذ إن فيه الكثير من المتعة والدهشة جرّاء تمكنه اللغوي، وهذا شيء يفتقده الكثيرون ممن ينأون بأنفسهم بعيداً عن الفصحى ويستصعبونها فيحرمون أنفسهم متعتها. وباختصار فإن العمل الأدبي هو منتج يهدف إلى متعة القارئ وإن كانت المتعة رهينة المضمون فقط دون اللغة فإن العمل سيُقرأ مرة واحدة، بخلاف العمل الذي يجمع بين اللغة والتقنية فالقارئ المتذوق في هذه الحالة سيقرأ العمل مرات عِدة.

• هل قصدت طرح الرواية في هذا التوقيت تحديداً للاستفادة من زخم معرض القاهرة الدولي للكتاب أم أنك لست منشغلاً بمسألة التسويق؟

- حين طرحت روايتي كان المعرض أوشك على الانتهاء، ولم أفعل الكثير لتسويق روايتي سوى بعض التنويهات على منصات التواصل الاجتماعي، ولم ولن أتحدث عن أحداثها التي أريدها أن تصل إلى القارئ من دون خدش. وبطبيعة الحال اسمي جديد في عالم الرواية، لذلك ما يشغلني الآن هو وصول العمل إلى المفكرين والنقاد، وأنا على ثقة أنها ستصل إلى الشباب إن آجلاً أو عاجلاً، لذلك لست منزعجاً في هذا الشأن، وسأكون سعيداً إن وصلت الرسالة التي تحتويها فقط.

• برأيك، ما أبرز العقبات التي تواجه الأدباء الشبان في مصر راهناً؟

- لدينا الكثير من الروائيين والشعراء، لكن الوسط الأدبي راهناً بحاجة مُلحّة إلى قيام حركة نقد قوية تمكن المبدعين وتصوِّب من يحاولون في الطريق الصحيح. الأمر الثاني أن هناك الكثير من المبدعين يعانون قلة الموارد، ما يضطرهم إلى الانشغال عن الإبداع بالبحث عن المورد المادي، وهذه مشكلة قاتلة قد تقف حاجزاً أمام نهضة أدبية كبرى في مصر. وأخيراً أرى أن التعليم والإبداع طريقان متوازيان وأخص بالذكر اللغة العربية، فضياعها سيؤدي إلى كارثة.

• ما الذي تعكف على كتابته الآن ليكون مشروعك الأدبي المقبل؟

- لا أستطيع بحالٍ أن أبتعد عن قضايا الصراع الحضاري المشتعلة حالياً في المنطقة، لكن وفق ما أفهمه عن مصطلح المشروع الأدبي بأنه نمط ينفرد به الكاتب وميزة يتخصص بها، فإن عدُّ هذا مشروعاً فسوف أتركه للقارئ يتفهمه، لأنني إن عنونته فسيفقد مصداقيته بين النصوص.