لم يتوقف الزميل يحيى مطر، الذي عمل سنوات طويلة في وكالة الأنباء الكويتية مراسلاً خارجياً، عن التجوال في عواصم المدن العالمية، وأثناء زيارته للهند وقضائه أشهراً هناك، قصد متحف أنديرا غاندي في نيودلهي، مستكشفاً إياه ومسجلاً انطباعاته عنه، بتقرير قال فيه: كانت الابنة الوحيدة لجواهر لال نهرو، ورئيس الوزراء احد اهم زعماء الاستقلال بعد جلاء الاحتلال الإنكليزي عام 1947.
وكان ميلاد السيدة الأولى في إماد الله بإقليم كشمير يوم 19 نوفمبر 1917، من طبقه البراهمة، الأعلى ضمن التنصيف الهندوسي الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الهند الحديث، حتى بعد اغتيالها المروع يوم 31 اكتوبر عام 1984، على يد حراس أمنها الخاص.فسياسات حفيدة موتيلا المحامي المرموق، مؤسس حزب المؤتمر الوطني المنحدر من أسرة ثرية جدا، التي لها علاقة وثيقة بحكام المغول، حيث سمي فيما بعد بكنيته نهرو دلالة على فخامة قصره ذي الـ 200 حجرة، المطل على النهر، في القضايا المصيرية لم تمس رغم توالي وتعاقب العديد من الشخصيات البارزة على هذا المنصب.وأنديرا التي حملت لقب غاندي عام 1942 بعد زواجها من الصحافي فيروز غاندي، الذي لا تربطه صلة قرابة بالزعيم مهاتما غاندي، لم تكتف بهذا القدر، بل قدمت أسرة هيمنت على الحياة السياسية في الهند منذ جلاء الإنكليز حتى الان بعد ترؤس حفيدها راهول راجيف غاندي رئاسة حزب المؤتمر.
المعالم السياحية
ويعتبر متحف أنديرا غاندي، الذي كان مقر إقامتها منذ توليها منصب رئيس الوزراء عام 1966 الى عام 1977، احد اهم المعالم السياحية في العاصمة الهندية.وهذا المتحف، الذي يحمل رقم واحد في اهم الشوارع في قلب نيودلهي، يختزل حقبة مهمة في تاريخ الهند المعاصر، لما يحتويه من المقتنيات الخاصة بالزعيمة الهندية وأسرتها على حد سواء.وبصورة جلية، يكشف مقر اقامة أنديرا، الذي شيد في عهد الاستعمار قبل ان تؤول ملكيته للحكومة الهندية فيما بعد، طبيعة أبعاد شخصيتها التي تميزت بالتواضع والبساطة المتناهية والعمل الدؤوب لمساعده الفقراء والنهوض بالهند آنذاك، فقد كانت تحيي انصارها المتجمهرين في صباح كل يوم قبل التوجه لمكتبها الحكومي.وتكشف الزيارة مدى الترابط الأسري الذي حرصت الزعيمة الهندية على ان تزرعه بين أفراد اسرتها، حيث قطن معها بهذا المنزل ذي الغرف المحدودة كل من ابنها الأكبر راجيف مع أسرته وابنها الأصغر سنجاي وأسرته، والذي توفي في عام 1980 اثر تحطم طائرته الصغيرة، حيث كانوا جميعا يتحملون ويتقاسمون الأعباء المنزلية اليومية دون خدم.وكان لديها شغف وولع بالقراءة والمطالعة رغم انشغالاتها الرسمية وازدحام جدولها البروتوكولي من خلال حجم الكتب المنتشرة هنا وهناك التي حملتها أرفف مكتبتها في كل غرف المتحف.وقد شكل هذا المنزل أهمية خاصة لأنديرا طوال حياتها، فهي لم تمتلك اي عقار بعد قيامها بتبرع للدولة بقصر جدها مواتيلال نهرو في اماد الله، كشمير، لنزعتها ورغبتها في أن تعيش بمستوي أفراد وأبناء شعبها من الفقراء، حيث تشاطرهم صعوبة اعباء الحياة، الى جانب عدم امتلاكها الموارد المالية الكافية لصيانة هذا القصر الضخم والاعتناء به، لذا لم يكن مستغربا فهم معاناتها القاسية بعد خسارتها الانتخابات عام 1977 ومطالبة منافسيها بترك هذا المقر كانتقام ذات طابع شخصي، لانها باتت بلا مأوى، ولا تعرف أين تقيم مع جميع أفراد اسرتها.كما أنها في الوقت ذاته لم تكن تملك المال الكافي لشراء منزل جديد بالرغم من توليها رئاسة الوزراء 11 عاما دون انقطاع، فقد تبرع لها احد مؤيديها بمنزل كان يملكه ليكون مقرا مؤقتا لها.رقم واحد
ولهذا لم يكن مستغربا للجميع ان تطلب فور فوزها بالانتخابات عام 1980 باستعادة منزل رقم واحد في جادة اكبر بدون أي تأخير او تفاوض، ليكون مجددا مقر إقامتها حتى اغتيالها، ليتحول فيما بعد متحفاً يحمل اسم أنديرا غاندي.وأهمية هذا المتحف الشاهد علي التاريخ لا تكمن في التجول في أنحائه أو التأمل في تواضع الأثاث وصغر حجم الغرف إلى جانب عرض وثائقها الخاصة؛ وإنما ما شهده باللحظات الأخيرة من حياة غاندي، عندما فتح عليها النار حراس أمنها من المنتمين إلى طائفة السيخ التي رفضت استبعادهم رغم إلحاح قاده جهازها الأمني بعد احداث المعبد الذهبي في صبيحة هذا اليوم الذي هز أركان العالم.وبعد التجوال وقبيل خروجي، لفت نظري في الحديقة وجود مجموعة ليست بقليلة من القرود تلهو بين الأشجار امام أنظار الزائرين، مما أثار تساؤلا داخل نفسي لا اعرف الإجابة عنه، فالثقافة الهندية تبقى غامضة لي في بعض الأحيان... وهل كان وجود تلك القرود بمحض المصادفة أم أن له علاقة بتاريخ انخراط أنديرا سياسيًا عندما ترأست جيش القردة وهي في سن 15 حيث أوكلت لها مهمة نقل الرسائل المشفرة بين زعماء الهنود بعد الإجراءات المشددة التي اتخذتها إدارة الاحتلال بحقهم للحد من نشاطهم.برنامج أنديرا اليومي
كان برنامج أنديرا غاندي اليومي يبدأ في الصباح الباكر، حيث تقوم بممارسة تمارينها الرياضية مدة 15 دقيقة، تليها ممارسة شعائرها الدينية في غرفة صغيرة مخصصة لهذا الغرض، تتناول بعدها وجبة الإفطار، ثم تقرأ التقارير المهمة التي تحمل صفه الاستعجال والاطلاع على اهم الأخبار الدولية، ثم تتجه لمقابلة الصحافيين وأنصارها المتجمهرين أمام منزلها بشكل يومي قبل الذهاب إلى مكتبها.