«خطة ترامب للسلام» تربك العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية
تتصور خطة ترامب قيام إسرائيل بإدارة ما يُعرف باسم الحرم القدسي الشريف، فيما يتم تعويض الفلسطينيين في حين خسائرهم في الضفة الغربية، بحصولهم على أجزاء من صحراء النقب، مع الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية من دون تغيير على الإطلاق.
في صبيحة اليوم التالي لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب «صفقة القرن»، كانت أوريت أرتسلي تقف على ضفاف نهر الأردن، وهي تفكِّر فيما تعنيه خطة ترامب هذه بالنسبة إليها، بحُكم عملها سكرتيرة المال في مجلس وادي الأردن الإقليمي، وهو مظلة للمستوطنين اليهود هناك. وقد تحدثت قبل ليلة مع مديرها، الذي كان في رحلة إلى واشنطن مع الوفد الإسرائيلي، واسمه ديفيد الحياني، لكن معظم الناس يشيرون إليه باسم رئيس بلدية وادي الأردن. وتقول أرتسلي إنها رأت صوراً من المؤتمر الصحافي المشترك الذي عُقد في واشنطن مع ترامب ونتنياهو، وأعلن ترامب فيه أن القدس سوف تظل العاصمة غير المقسَّمة لإسرائيل. وتتصور خطة ترامب قيام إسرائيل بإدارة ما يُعرف باسم الحرم الشريف، فيما يتم تعويض الفلسطينيين عن خسائرهم في الضفة الغربية، بحصولهم على أجزاء من صحراء النقب، مع الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية من دون تغيير على الإطلاق. وقد استمر نتنياهو في الابتسام طوال المؤتمر الصحافي بواشنطن، وبعد ساعات قليلة وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطة ترامب هذه بالمؤامرة على شعب فلسطين.
وكان نتنياهو يخطط في الأصل لإجراء حكومته تصويتاً على عملية الضم – أو ما يدعوها سيادة الأرض في الضفة الغربية، لكن يبدو أن ذلك لن يحدث الآن في ضوء تلك التطورات، وفي الوقت الراهن على الأقل.وكان لدى أرتسلي الكثير من الأسئلة المتعلقة بالجهة التي سوف تحل محل القوات العسكرية التي تسيطر في الوقت الراهن على المنطقة، وهل سيكون الوادي بحاجة إلى إدارة جديدة؟ وتضيف: «من هم شركاؤنا؟ وإذا لم يقبل الفلسطينيون، فإنه يتعيَّن علينا نسيان هذه الخطة».وتجدر الإشارة إلى وجود 27 مستوطنة يهودية في وادي الأردن، الذي احتلته إسرائيل في عدوان يونيو 1967. واليوم يعيش نحو 9000 يهودي هناك، ويقومون بزراعة معظم الأراضي، رغم وجود ما لا يقل عن 65 ألف فلسطيني هناك.
لا ماء ولا أشجار نخيل ولا عرب
عاشت زيفا غيلاد، المسؤولة عن البحوث والتنمية لدى المجلس الإقليمي لوادي الأردن، منذ 40 عاماً هنا، وكانت قدمت إلى المنطقة من الجامعة العبرية في القدس، وكانت تسعى فقط إلى تحقيق ازدهار إسرائيل. واستمعت غيلاد إلى المؤتمر الصحافي الذي عُقد في واشنطن، لكنها تقول إنها لا تثق برجال السياسة، وخاصة نتنياهو، لكن حينما سُئلت عن المنطقة التي تشبه الموقع الذي يخلو منها ومن المستوطنين الآخرين، أجابت أنها غزة المهجورة والقاحلة.إنها ليست أرضهم، وعندما غادرنا دمروا بيوتنا الزجاجية. ويقول ياكوف الباز، الذي يدير مزرعة تمور تضم 8000 شجرة نخيل، إن المكان كان يحتوي على الرمال فقط عندما جاء إلى هناك قبل 30 عاماً «ولم يكن هناك ماء، ولا أشجار نخيل، ولا عرب».ويقوم الباز في الوقت الراهن بتشغيل نحو 50 فلسطينياً، ويقول إنهم شعب طيِّب، وإنهم يريدون أيضاً العيش في سلام وتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، وقد أقام علاقات صداقة مع بعضهم، لكن ذلك لا يمنعه من النوم وهو يضع مسدساً تحت وسادته أو بندقية ام 16 إلى جانب سريره – وتبعد الحدود الأردنية عدة كيلومترات فقط عن مكان إقامته. ويشير الباز إلى الجبال وهي تظهر في منتصف النهار، لكنه طلب من معظم عُماله عدم الحضور للعمل اليوم، بسبب هطول المطر في الصباح. ومن جهة أخرى، تمكنت مجموعة من ثلاثة فلسطينيين من التسلل إلى منطقة أشجار النخيل، لكنها قالت إنها لا تريد التحدث، لأن الكلام لم يسفر في الماضي عن أي نتيجة على أي حال. ويبدو أن أحدهم غيَّر رأيه، وقرر التحدث. اسمه طارق حسني، وهو يعيش في نابلس، وكان يعمل في تلك المزرعة منذ خمس سنوات – ويقول إن الباز مدير طيِّب، ويدفع أجراً جيداً أيضاً. وكان طارق حسني يرتدي قميصاً كتب عليه «لا يقهر»، لكنه لم يكن يعطي الانطباع حقاً بأن ذلك ينسحب عليه. من جهة أخرى، تحدَّث سالم غروف، وهو رئيس بلدية أريحا، قائلاً إن تنفيذ خطة ترامب حول صفقة القرن سوف يحوِّل أريحا إلى جزيرة فلسطينية في بحر من الأرض التي تم ضمها.صور الرؤساء
يجلس غروف بين صور الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، والرئيس الحالي محمود عباس، وأمام قبة الصخرة، وعندما يتحدث رئيس بلدية أريحا، فهو يركِّز على قضية القدس التي أعلنها الرئيس ترامب أخيراً عاصمة موحدة لإسرائيل. ويقول غروف: «في القدس تعرضنا لسفك دمائنا، وسقط شهداء لنا فيها، ونحن لن ننسى تلك المدينة مهما طال الزمن».وعندما يتحدث غروف عن تاريخ فلسطين، فهو يسرد الماضي الذي يعود إلى عام 1917، وهو العام الذي حمل وعد بلفور، وأكدت الحكومة البريطانية، من خلاله، دعمها لإقامة وطن لليهود – ويقول غروف: «وعندما بدأت المصيبة لم تكن المشكلة متمثلة في وجود اليهود، بل في الصهيونية».حقوق الشعب الفلسطيني
ويضيف غروف: «بعد اتفاقيات أوسلو حصل الفلسطينيون على 22 في المئة فقط من أرضهم، ويتعيَّن عليهم الآن التخلي عن 40 في المئة أيضاً»، ويسأل: «أين الصفقة؟ نحن نرفض هذه الخطة، وهي غير عادلة، وتعطي الحقوق لشعب ليست له حقوق».ويصف مدينة سوف تعزل عن الريف المجاور، بأنها أقل من خطة، وأشبه «بمشروع» سوف يدمر العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، ويفصل أريحا عن «سلة الخبز» في بقية البلاد، كما أن الوادي سوف يقسم إلى أجزاء، وكان يجب أن يتحوَّل إلى وطن للفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات، كما كان يفترض أن يعيش فيه ذات يوم 13 مليوناً، وفق خطتهم.وعلى أي حال، لم تكن خطة ترامب البداية، بل نهاية حل الدولتين، لذلك يقول غروف وآخرون إنهم سوف يقاتلون ترامب بكل الوسائل المتاحة. ويضيف رئيس البلدية: «الأخبار من أميركا أمس كانت أشبه بصدمة كهربائية، ونحن بانتظار أوامر التحرك من القيادة الفلسطينية، وليست لدينا أي أسلحة، ونحن لا نريد انتفاضة ثالثة، لكن إذا حشرت كلباً في زاوية، فسوف يعضك».ويعلِّق غروف الهدايا التي تلقتها أريحا من مدن صديقة، مثل فيسبادن الألمانية، ويقول سوف يتعيَّن على الجميع العودة إلى طاولة المفاوضات. ويشرح إسماعيل ديك، وهو مزارع فلسطيني في وادي الأردن، كيف ستبدو المنطقة في المستقبل القريب، ويشير إلى مواقع على خارطة للوادي معلقة على الجدار. ويقول إن ثلثي الأراضي التي كان يزرعها تقع ضمن المنطقة التي سوف تشملها صفقة القرن، ويمكن تحديد المستقبل من خلال النظر إلى الماضي. ويضيف: «المرة الأخيرة التي حصل فيها ذلك كانت بعد إقامة الجدار، وعندما تم فصل المزارع الفلسطيني بشكل تدريجي عن أرضه. كما أصبح الوصول أكثر صعوبة وساعات الانتظار أطول، وكان يتعيَّن عليه تعبئة بيانات خاصة ترافقها مضايقات، وقد دفع ذلك بعض الفلسطينيين إلى التخلي عن العملية».ويقول ديك: «لو أمكننا زراعة كل الأرض التي نملكها، لما كنا بحاجة إلى الخمسين مليار دولار التي تعرضها علينا صفقة القرن».ومع غروب الشمس فوق جبال القدس يشتكي ديك من الليالي التي يمضيها من دون نوم، ومن ظلم جيرانه الإسرائيليين. كما يشير إلى أن المستوطنين اليهود يحصلون على مساعدات مالية من الحكومة الإسرائيلية، فيما تمَّت مصادرة 120 جراراً للفلسطينيين في الآونة الأخيرة، واستعادة تلك الجرارات تتطلب دفع رسوم معينة.ويشير إلى بقعة تم فيها وضع تلك الجرارات، لكنه يعرب عن حزنه لتلك الحال، ثم يروي قصة الملكة استر من العهد القديم، وهي التي أنقذت اليهود من مجزرة جماعية على يد الفرس، كما يذكر أن الفلسطينيين كانوا يزرعون التمور في تلك الأرض منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.*ألكسندر أوسانغ
محمود عباس وصف الخطة بالمؤامرة على شعب فلسطين