الأزمة في سورية تثير احتجاجات في أراضي النظام

نشر في 07-02-2020
آخر تحديث 07-02-2020 | 00:00
تفاقم الأزمة الاقتصادية في سورية
تفاقم الأزمة الاقتصادية في سورية
من خلال إشراك أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي في مشاريع إعادة الإعمار بمناطق «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية»، يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في إنشاء نموذج للحوكمة البديلة والنجاح الاقتصادي في سورية.
منذ منتصف يناير، يتجمَّع أصحاب المتاجر والموظفون الحكوميون والطلاب، وحتى الأطفال، في شوارع المجتمعات السورية المختلفة، للتعبير عن خيبة أملهم من السياسات الاقتصادية لنظام الأسد وأكاذيبه. ورغم أن الاحتجاجات لا تزال صغيرة حتى الآن، فإن واقع استمرارها وسط الأراضي التي يسيطر عليها النظام يسلِّط الضوء على الضعف المحتمل لبشار الأسد بشأن هذه القضايا.

وفي محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب، احتج السكان على الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام. وشُوهد المحتجون في بلدة سلمية، الواقعة في الوسط الغربي، وهم يهتفون: «نريد أن نعيش». وفي مدينة شهبا في محافطة السويداء، رفع المتظاهرون أرغفة الخبز في الهواء بينما انتقدوا المستشارة السياسية والإعلامية للأسد، بثينة شعبان.

وما أثار الاحتجاج الأخير جزئياً، هو المقابلة التي أُجريت أخيراً على قناة الميادين التلفزيونية الموالية للأسد، حيث لم تزعم شعبان فقط أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد «أفضل بخمسين مرَّة مما كانت عليه في عام 2011»، بل أعلنت أيضاً أن «السوريين مكتفون ذاتياً في كل شيء».

ورداً على ذلك، أشار المحتجون بسخرية إلى أن تعليقاتها تشير إلى الاقتصاد الخاص بأسرتها، وليس إلى اقتصاد سورية.

وفي أماكن أخرى، وصف وزير الزراعة السابق نورالدين منى بأنه «يصعب تصديق» ملاحظات شعبان حول البلد الذي مزقته الحرب، وأن إلقاء نظرة عن كثب على الشؤون المالية للبلاد يدعم هذا الإنكار.

صعوبات العُملة واستجابة النظام

منذ عام 2017، ادَّعت دمشق أن سعر الصرف الرسمي لليرة السورية هو 514.6 ليرة للدولار الواحد. لكن في الأسابيع الأخيرة، أشارت صحيفة فاينانشال تايمز ومصادر أخرى إلى أن هذا السعر انخفض كثيراً، ليبلغ أرقاماً أعلى وصلت إلى 1.000 ليرة سورية للدولار أو أكثر. وبحلول 28 يناير، ارتفع سعر البيع في السوق السوداء إلى ما لا يقل عن 1.035 ليرة سورية للدولار. وتتناقض هذه الأرقام كلها بشكل هائل مع سعر الصرف الذي كان يبلغ 47 ليرة سورية للدولار قبل الحرب.

وتتسبب الآن هذه الانخفاضات الحادة في العُملة باضطرابات عامة حتى بين الموالين للنظام. ولم يعد المحتجون في المناطق التي يسيطر عليها النظام خائفين بعد الآن من انتقاد فساد الدولة، وشجب الانهيار السريع لليرة، والدعوة إلى مراقبة الأسعار على السلع، واتهام وسائل الإعلام الحكومية بالكذب، وحتى تسمية مسؤولين في النظام وفضحهم أثناء التظاهر أمام المباني الحكومية.

وأطلق ناشطون أيضا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «ليرتنا كرامتنا». فبدءاً من حمص ووصولاً إلى حلب ومناطق أخرى، تشجع هذه الحملة المؤسسات التجارية في جميع أنحاء البلاد على تقديم عرض رمزي لمهلة محدودة - وهو بيع سلعة أو خدمة تختارها هذه المؤسسات مقابل ليرة واحدة - لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض. فعلى سبيل المثال، طبق بعض محلات البقالة هذا السعر مؤقتاً على كيلوغرام من الفواكه والخضراوات، فيما طبقته عدة أفران على الخبز. وإلى جانب مساعدة الفقراء، يتمثل الهدف في تحدي سياسات النظام الفاشلة وإظهار أنه ما زالت لدى المواطنين القدرة على التصرف، مع تشديد الناشطين على «تويتر» على أنه «بإمكان الناس إنجاز ما فشلت الحكومة في تحقيقه».

ولإسكات الانتقادات المتزايدة واتخاذ إجراءات صارمة ضد السوق السوداء، أصدر النظام السوري مرسومَين جديدَين يبرران الاعتقالات التعسفية على ارتكاب «جرائم اقتصادية». فالمرسوم التشريعي رقم 3 «منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات لأي نوع من أنواع التداول التجاري». والمرسوم رقم 4 «يشدد العقوبة على بث أو نشر حقائق ملفقة أو مزاعم كاذبة تسبب انخفاض قيمة العُملة الوطنية وعدم الاستقرار». وبعبارة أخرى، يهدد النظام حالياً الموالين له خشية فقدان سيطرته عليهم. ويواجه الأفراد الذين يخالفون هذين المرسومَين عقوبات شديدة، تصل إحداها إلى سبع سنوات في السجن لاستخدامهم عملات أخرى. كما حذر النظام من أنه سيتخذ إجراءات صارمة ضد تجار العُملة البديلة وعلى «المتلاعبين» بالعملة، ويكثف الدوريات المحلية لمراقبة الشركات والمتاجر والمواطنين، ويوقف أي مخالفين يجدهم.

وفي الوقت نفسه، تسعى الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، التي تسيطر عليها الدولة، إلى استمالة حملات الناشطين، من أجل احتواء الغضب المحلي. ومع ذلك، استمرت الاحتجاجات وسط مؤشرات اقتصادية رهيبة، بما فيها انخفاض حاد في الرواتب الحكومية من معدل 500 دولار شهرياً قبل الحرب إلى ما يصل إلى 40 دولارا حالياً. وتشهد مناطق النظام أيضاً ارتفاعاً في معدلات الجريمة، بما في ذلك عمليات السطو المتكررة، وعمليات الاختطاف من أجل الفدية، والقتل. وتوقع أحد الناشطين في السويداء عدم توقف الاحتجاجات، مشيراً إلى أن الناس في جميع أنحاء البلاد - وليس فقط في مناطق النظام - يتشاطرون المخاوف من الانهيار الاقتصادي الوشيك.

لبنان يسهم في مشاكل سورية

ووفقاً للمركز السوري لبحوث السياسات، بلغت معدلات الفقر الإجمالية والبلاد نحو 95 في المئة بحلول نهاية عام 2017. وبالمثل، يشير كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إلى أن الاقتصاد السوري تراجع بنسبة أكثر من 70 في المئة في الفترة من 2010 إلى 2017. وتشير الاضطرابات الأخيرة إلى أن الوضع ازداد سوءاً بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى الظروف في الجوار اللبناني. في الخريف الماضي، أطلق المواطنون اللبنانيون حركة احتجاجات جماهيرية، رداً على أزمتهم المالية الخاصة، ويتم الشعور بالتداعيات غير المباشرة عبر الحدود. فلم يعد بإمكان السوريين الاعتماد على العدد نفسه من التحويلات وفرص العمل من لبنان. ومن جانبهم، خسر نظام الأسد وأتباعه شريان الحياة المالي الرئيسي، وهو: النفاذ إلى المصارف اللبنانية للحصول على العملة الصعبة. وفي هذا الصدد، فإن إنقاذ الحكومة الحالية، التي يسيطر عليها «حزب الله» في بيروت، سيعني إنقاذ بشار الأسد بشكل غير مباشر، لأن تخفيف التداعيات من البلد المجاور من المفترض أن يخفف بعض الضغوط المحلية عن دمشق.

فرص السياسة

مع استمرار التدهور الاقتصادي في سورية، يفقد الأسد ثقة العديد من مؤيدي النظام، مع الاستياء من سوء معالجته للقضايا المالية، مما تسبَّب في حدوث انشقاقات واضحة في قاعدة دعمه. وتُمثل خيبة الأمل هذه فرصة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من أجل الضغط على دمشق بقوة أكبر، سواء للتفاوض بشأن عملية انتقالية سياسية، أو لعكس صورة الوضع الاقتصادي والإنساني المريع على أرض الواقع.

ويعني ذلك عملياً فرض عقوبات على المزيد من الأعمال التجارية الموالية للنظام السوري و»الوحدات الصديقة» التي تساعد الأسد ودائرة أوساطه على تجنب العقوبات. على واشنطن أيضاً أن تشجع حلفاءها الإقليميين على الحفاظ على العزلة الدبلوماسية للنظام. أما المحادثات وغيرها من الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، فليست سابقة لأوانها فحسب، بل تأتي بنتائج عكسية، فتقوض الهدف الدولي الأوسع، المتمثل في تشجيع التغيير السياسي وتحسين الظروف الإنسانية في سورية.

يجب ألا ينسى المسؤولون الأميركيون أيضاً أن الوضع الاقتصادي في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية» - وهي الأراضي التي لا تزال خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد - أفضل بكثير من المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام. وقد تكون «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية» في وضع مالي أفضل إذا قامت واشنطن والشركاء الإقليميون مثل تركيا والعراق (وخاصة حكومة إقليم كردستان) بعمل المزيد من أجل تسهيل التجارة العابرة للحدود، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية من المنظمات غير الحكومية الخارجية والحكومات الغربية.

ومن خلال إشراك أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي في مشاريع إعادة الإعمار بمناطق «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية»، يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في إنشاء نموذج للحوكمة البديلة والنجاح الاقتصادي في سورية. وإلى جانب مكافحة مساوئ نظام «البعث» الوحشي والمتصدع، بزعامة الأسد، سيُظهر ازدهار «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية» أيضاً أن قرار النظام بالشراكة مع إيران وروسيا كان خطوة سيئة اقتصادياً.

*عُلا الرفاعي

السويداء شهدت احتجاجاً على الانخفاض الحاد في قيمة الليرة وتدهور الوضع الاقتصادي

نظام الأسد خسر شريان الحياة المالي الرئيس وهو النفاذ إلى المصارف اللبنانية للحصول على العملة الصعبة
back to top