في ظل تدهور الوضع المضطرب في إدلب، تهدد المعارك الدموية غير المسبوقة مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد، بوضع حد لعلاقة شخصية وثيقة أنشأها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عقب نجاته من محاولة انقلاب في 2016، قبل تفاديهما أزمة دبلوماسية خطيرة في 2015، حين أسقطت مقاتلات تركية مقاتلة روسية فوق حدود سورية.

ومع تحوّل أزمة إدلب، التي ألقى الأسد بثقله لاستعادتها، إلى ملف بارز لتعزيز التعاون بينهما برغم المصالح المتباينة. وباتت العلاقة، التي يصفها إردوغان بالإستراتيجية، تختل منذ عدة أسابيع نتيجة تدهور المشهد بسورية، وأيضاً نتيجة خلافاتهما في ليبيا حيث تدعم العاصمتان أطرافا متنازعة.

Ad

ويذكّر هذا المشهد بتعقيدات العلاقة بين تركيا وروسيا اللتين قامتا على أنقاض الامبراطوريتين العثمانية والقيصرية، التي لطالما كانتا متنافستين واتصفت علاقاتهما تقليدياً بالريبة المتبادلة على مدار القرون الأربعة الماضية.

وازداد التوتر، الاثنين، حين استهدفت المدفعية السورية مواقع تركية في إدلب، مما أسفر عن ثمانية قتلى. وردّت أنقرة فوراً بقصف جوي ومدفعي لمواقع حكومية في 3 محافظات، في تطور أودى بحياة 13 جندياً سورياً على الأقل.

وأثناء محاولة السيطرة على مدينة سراقب، تعرضت القوات السورية، للمرة الثانية، لقصف من المدفعية التركية، في حين تحدثت وزارة الخارجية الروسية عن مقتل نحو 100، بينهم خبراء روس وأتراك في أكثر من 100 هجوم لفصائل المعارضة في إدلب وريفها.

هجوم وإنذار

وقبل تأكيد المتحدث باسم الكرملين أن الهجمات المستمرة على المنشآت الروسية تنطلق من مناطق سيطرة تركيا، وجّه إردوغان إنذاراً لدمشق وحثّ روسيا على بذل المزيد من الجهود للجمها، كما حذّر من أنّه سيردّ على أي اعتداء جديد من دون تنبيها.

وفي الواقع، يظهر الأسد مصمماً على استعادة آخر معقل متمرد على سلطته، في وقت يعارض إردوغان أي هجوم واسع النطاق من شأنه إثارة موجة هجرة جديدة من المحافظة، التي تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين سوري، تضاف إلى أكثر من 3.5 ملايين تستضيفهم تركيا.

وعلى أي حال، فإنّ إردوغان لفت، الثلاثاء، إلى أنّه لا يرى مصلحة في «الشروع بمواجهة واسعة النطاق مع روسيا»، مشدداً على «عدة مبادرات روسية - تركية استراتيجية».

المعسكر الغربي

ولكن برغم المسافة المأخوذة مع الغرب والتقارب مع روسيا، فإنّ أنقرة ترفض أي اصطفاف إلى جانب موسكو، وتؤكد على رغبتها في اتباع سياسة خارجية مستقلة بمقدورها التأرجح بين معسكر وآخر وفقاً للمصالح. واستبعد الرئيس التركي بشكل خاص أية إعادة نظر في صفقة شراء أنقرة منظومة اس-400 الروسية، وهي عملية أغضبت شركاءها ضمن حلف شمال الأطلسي.

وفي أعقاب المواجهات في إدلب، أتى زير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بدعم نادر لأنقرة وتحركها «المبرر للدفاع عن النفس»، وهو ما رأى فيه مراقبون دعوة ضمنية لعودتها إلى حظيرة الغرب.

وفيما دفع الجيش التركي، أمس، بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود، جدد الموفد الأميركي لسورية جيمس جيفري عرض الولايات المتحدة تقديم المساعدة لأنقرة، مهدداً بفرض عقوبات لدفع دمشق وموسكو إلى إنهاء الهجوم في محافظة إدلب.

اختبار وبراغماتية

ويرى الباحث بمركز «إدام» في إسطنبول أمري كايا أنّ «التصعيد في إدلب سيختبر متانة العلاقات بين إردوغان وبوتين، ولم يعد بالمقدور الحديث عن شهر عسل بين هذين الرجلين النافذين»، معتبراً أنّه حتى لو كان إردوغان يهاجم دمشق بشكل خاص «فبصمات روسيا حاضرة ميدانياً، حيث تقود وحدات سورية درّبتها وأعدّتها هجوم إدلب».

وتقول الخبيرة في السياسة الخارجية التركية في معهد العلوم السياسية بباريس جنى جبّور، إنّ «أنقرة وموسكو مضطرتان إلى التعاون والحفاظ على علاقات جيدة، لأّن الدولتين مترابطتين اقتصادياً».

وتعتبر جبّور أنّ «الدولتين ستعرفان كيفية التفريق بين توترات (موضعية) وبين الحفاظ على تعاونهما في مجالات رئيسية، خاصة الطاقة والدفاع»، مشيرة إلى أنّهما «تفضّلان السياسة الواقعية والبراغماتية على صعيد إدارة علاقاتهما».

معركة سراقب

وبعد أسبوع من سيطرتها على معرة النعمان، ثاني أكبر مدن إدلب، دخل الجيش السوري مدينة سراقب الاستراتيجية، متجاهلاً مهلة حددها له إردوغان له حتى نهاية الشهر الحالي للانسحاب من محيط نقاط المراقبة.

واستمرت تركيا في إنشاء نقاط المراقبة في إدلب، وآخر نقطة في مطار تفتناز بالريف الجنوبي. كما ساندت قواتها المنتشرة في سراقب فصائل المعارضة بقصف مدفعي ساعدهم في التصدي للهجوم والصمود في الجانب الشمالي، ومكنهم من بدء هجوم في النيرب.

واستبق وزير خارجية تركيا مولود جاويش وصول وفد منها لإجراء المزيد من المحادثات، ودعا روسيا أمس إلى التحرك لوقف هجوم القوات السورية على إدلب «في أسرع وقت ممكن»، مشيراً إلى اجتماع إردوغان وبوتين «إذا لزم الأمر».

وفي بروكسل، انضم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى دعوة أمين الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في المطالبة بوقف القصف السوري في إدلب وإدخال المساعدات الإنسانية إليها بدون عراقيل.

وقبل عقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً، أمس، بطلب من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لمناقشة التطورات الوضع في إدلب، دعت فرنسا من جديد إلى إنهاء الأعمال القتالية في المحافظة، معتبرة أن الهجمات السورية تمثل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي.