هل تجد الأسواق الناشئة ضالتها في «توافق بكين»؟

نشر في 09-02-2020
آخر تحديث 09-02-2020 | 00:04
No Image Caption
ساهمت الضغوط الكبيرة التي تعرض لها عدد من الأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة، والتي دفعت بعضها إلى حافة الانهيار في التأكيد على حقيقة مفادها أن الاكتفاء بالحصول على الاستثمارات الأجنبية واجتذاب الشركات العالمية إلى الأسواق المحلية ليس كافيا للنهضة بالدول النامية.

توافق واشنطن

ويشير كتاب "رقص التريليونات: الدول النامية والتمويل الدولي" للأستاذ في المعهد الملكي للدراسات الدولية في المملكة المتحدة "ديفيد لوبين" إلى أن الدول النامية اعتادت خلال السنوات الماضية تلقي التمويل من خلال نظام يعرف باسم "توافق واشنطن".

وفي الأساس، يدعم توافق واشنطن التجارة الحرة وأسعار الصرف العائمة والأسواق الحرة واستقرار الاقتصاد الكلي. وتتضمن المبادئ العشرة التي ذكرها في الأصل الاقتصادي الأميركي "جون ويليامسون" في عام 1989 عشر مجموعات من التوصيات السياسية المحددة نسبيا. وبدون الالتزام بمبادئ هذا التوافق لا تحصل الدولة على ما تحتاج إليه من استثمارات، لأن وكالات التصنيف الدولي تقيّم الاقتصادات وفقا لتلك المبادئ.

وتشمل المبادئ الرئيسية لتوافق واشنطن: الاقتراض الحكومي المنخفض، وتقليص الانفاق الحكومي بما في ذلك الدعم والإصلاح الضريبي، وإقرار أسعار الفائدة من خلال الأسواق، وتحرير أسعار الصرف والتجارة، وتحرير الاستثمار والخصخصة، وتحرير الأسواق من القيود القانونية وحماية حقوق الملكية الفكرية.

وظل العديد من الدول النامية يعاني لجذب الأموال الأجنبية، لعدد من الأسباب لعل أهمها "الإجراءات الحمائية" التي تفرضها الدول المتقدمة في مجال الاستثمارات وتجعلها في موقف أقوى من نظيرتها النامية حتى وإن كانت العائدات على الاستثمارات في الدول المتقدمة أقل.

دورات الاقتصاد

فعلى سبيل المثال، إن "كاليفورنيا" تضع مجموعة من الشروط -لغير الأميركيين- تتضمن الإقامة في الولاية الأميركية خمس سنوات للأشخاص وتأسيس فرع لأي شركة ترغب في العمل في الولاية، بما يجعل المستثمرين مضطرين لعمل استثمارات متوسطة أو طويلة المدى لا مضاربات سريعة.

ويسير التاريخ الاقتصادي على هيئة دورات بشكل عام، فعندما لا توجد وسائل إنتاج آلية لصنع الأحذية بتكلفة منخفضة مثلا، تنقل "نايكي" مصانعها بشكل مباشر إلى الصين للاستفادة من انخفاض الأجور هناك، غير أنها تنقلها مجددا لتايلند عندما تجد العمالة هناك منخفضة الأجر بصورة أكبر بدون أن تستطيع الصين تقييدها.

كما أنه مع بداية صناعة الأحذية باستخدام تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد، أصبح الاعتماد على الصين في هذا المجال أقل، وسيتضاءل في المستقبل مع إقرار استخدامات تجارية أوسع للطباعة الثلاثية الأبعاد، وستنسحب استثمارات في هذا المجال من الصين لتعود إلى الدول المتقدمة مجددا.

واللافت هنا أنه على الرغم من استمرار الدول المتقدمة في الاستحواذ على الاستثمارات بصورة أكبر من النامية، فإن ذلك لم يمنع الصين في المساهمة بنحو 34 في المئة من نمو الاقتصاد العالمي بين عامي 2012 و2016، متفوقة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان مجتمعين، بما يشير إلى أن الكثير من تلك الاستثمارات لا تحقق النمو في واقع الأمر للدول ولكن تحقق مصالح المستثمرين فحسب.

رؤية مغايرة

ولذلك قدمت الصين ما يعرف بـ"توافق بكين" كمنافس لـ"توافق واشنطن" يقوم على "استثمارات ملتزمة" تقوم بها الشركات الصينية، بحيث تكون طويلة المدى ولا تعاني معها الدول النامية أزمة رؤوس الأموال الساخنة التي تتسبب في زعزعة استقرار الاقتصاد.

كما أن توافق بكين أيضا لا يتأثر بأسعار الفائدة الأميركية التي بمجرد رفعها ولو بـ25 نقطة أساس تعاني الأسواق الناشئة نزيفاً في الاستثمارات، بما لذلك من تأثيرات سلبية عدة أهمها وأخطرها على مستويات التشغيل وسعر الصرف، وهو ما يضطر الدول النامية لرفع الفائدة لتجنب هروب رؤوس الأموال بما يؤثر بالسلب على حركة الاستثمار المباشر لحساب الأموال الساخنة.

ولعل طريق الحرير الصيني أحد أهم وسائل بكين لتمكين توافقها الخاص، حيث يشمل هذا المشروع استثمار الصين المباشر في العديد من الدول النامية، بما يجنبها ضرورة الالتزام بتوافق واشنطن الذي يضر بالكثير منها على المستوى الاقتصادي بل وعلى مستوى الاستقرار الاجتماعي.

وتستعين بكين في ذلك بقدر كبير من السيولة تتمتع به ويسمح لها بالتوسع في الاستثمارات. وعلى الرغم من أن الاستثمارات الصينية تكون مرتبطة بتحالفات اقتصادية وسياسية، أي أنها -بطبيعة الحال- ليست مجانية، فإن الدول النامية أكثر إقبالا عليها لأنها أقل تهديدا لاستقرارها الاقتصادي والاجتماعي، بما يؤكد أنه -مع القوة المالية الكبيرة لبكين وملاءمة طرحها التوافقي- يبدو أن مستقبل الاستثمار سيكون صينيا لا أميركيا.

back to top