الهوية الخليجية في عالم يفيض بسكانه!
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
هذا المد البشري التسونامي المدمر للمرافق والخدمات شكل عبئاً ثقيلاً، وقفت حكوماتنا عاجزة عن مواكبته، مهما رصدت الميزانيات، وطورت النظم الإدارية، لأن معدلات التدفق البشري أعلى من معدل جهود المواكبة.هذا التدفق أدى إلى تكدس البشر في العواصم الخليجية، وهذا بدوره جلب كثافة مرورية خانقة، ملوثة للأجواء، وضاغطة على الأعصاب، أفرزت ما يسمى في "أخلاقيات الزحام" مسلكيات فوضوية، تتسم بها المجتمعات المتخلفة، لم يعهدها المجتمع الخليجي قبل، كما أدى التكالب على الخدمات الصحية، أن أصبح المواطن في حالة شكوى وتذمر من الانتظار طويلاً لمقابلة الاستشاري، أو الحصول على غرفة في مستشفى، فيضطر الذهاب للخارج أو العيادات الخاصة، ويَصب جام غضبه على المسؤول الإداري، وهو غير ملوم، كون أعداد المراجعين المرضى أكبر من الطاقة الاستيعابية، وهكذا في كل القطاعات الأخرى: التعليم، القضاء، شؤون البلدية، الأشغال، المرور، التخطيط، التراخيص، تجميل المدينة. في ظل هذه الاختلالات السكانية يصبح الحديث عن تعزيز "الهوية الخليجية" شعاراً تنظيرياً أجوف أكثر منه واقعاً معيشاً، فأي هوية يمكننا تعزيزها في هذه الأوضاع المختلة "قلة مواطنة وكثرة وافدة"؟! تحاول العواصم الخليجية، جاهدة، الحفاظ على هويتها، ولكنك عندما تسير في مناطق عديدة منها، تجد نفسك زائراً غريباً، تستحضر قول المتنبي: وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِمَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ"فرجان" في مختلف عواصمنا، اقتلعت هويتها الخليجية لحساب هويات أخرى منغلقة، لغات وثقافات وعادات.لطالما حذر رواد التنمية الأول، قبل (4) عقود، من تداعيات "الخلل السكاني" وانعكاساته السلبية على الهوية وعلى كل أوجه الحياة الخليجية، لكن منطق المصلحة لقلة متنفذة تغلبت على منطق المصلحة العامة، الخلل تفاقم، وصارت عواصمنا مكتظة بخليط من الهويات المتنافرة، تتصارع في رقعة ضيقة، أجواؤها خانقة، مظهرها الحضاري مشوه، والجودة النوعية للحياة متردية.المحصلة: الدول الخليجية كان بإمكانها بناء نموذجها التنموي الجاذب، بالتركيز على اقتصادات المعرفة، والاستغناء عن نصف العمالة الوافدة، وتخفيف وطأتهم الثقيلة على الموارد والخدمات، واستنزافهم لها.*كاتب قطري