وداعاً للفساد!!
قال محدثي: لماذا تفر من الخوض في قضايا مجتمعك بكتابة أمور شبه مترفة ولا تلامس ما يُنتظر منك ككاتب مخضرم؟!قلت: هناك عدد لا يستهان به من الصحف تحفل كل يوم بالآراء التي تحلل مشاكل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فضلاً عما يُكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، وكلها لا تجد آذناً صاغية من الجهات التي تستهدفها... فالمفسدون في الأرض يتفننون بأساليبهم القائمة أساساً على المحسوبية المتمثلة في التحزبات القبلية والطائفية والطبقية، التي اشتملت على قطاعات كبيرة حتى الدوائر الرسمية المهمة في الدولة !!فقال محدثي: طيب لم لا نسمع لك رأياً فيما أشرت إليه آنفاً؟!
***• قلت: سأذكر بهذا الصدد بعض ما كتبه عظماء التاريخ في تحليلاتهم لمثل هذه الظروف الشاذة التي تتعثر بها الأمم... فويل ديورانت صاحب موسوعة "قصة الحضارة" كتب فيها يقول: "الحضارة تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، عندما يأمن الإنسان الخوف، وتتحرر نفسه من الوقوع فريسةً للتجاوزات الفاسدة في مجتمعه، فلا تنفك عنه الحوافز الطبيعية التي تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها، وهذا ما يناقض ويدحض الأسلوب الذي يقوض كل ملكاته الخلاقة، وبالتالي فإن التصدي للفساد سيستأصل كل الجراثيم الفاسدة في المجتمع ليعيش بسلام بعيداً عن الهزات المؤلمة". • ومادمنا نستشهد بآراء من لهم الباع الطولى في تكريس كتاباتهم للبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى خلخلة المجتمعات ومن أبرزها انعدام وجود عدالة، فإن ابن خلدون في مقدمته يقول: "إن العدل أساسٌ لبقاء الدولة ولاستمرارها، بينما انعدام العدل هو النهاية والانقضاء، ولهذا فإن على الدولة أن تكون عادلة بين رعاياها بحيث لا تدفع بهم إلى الاضطرار لارتكاب الأخطاء والمفاسد، وعلى الدولة أن تدرك المخاطر، وأن تستفيق من الأوهام قبل أن يفلت منها الزمام".***• واستخلصت من آراء فلسفية وفكرية لكثير من الفلاسفة والمفكرين أن استمرار اعتماد الدولة على أُناسٍ لا يمتلكون خصائص تؤهلهم لقيادة شؤون الناس سيجعل الدولة ضعيفة في القيام بواجباتها حيال المجتمع، وهنا سرعان ما تعصف بها الأزمات وتتفاقم ويسودها الفساد، وبالتالي يكثر في أوساط مواطنيها التذمر بعد أن يطفح بهم الكيل، مما يدفع بعضهم إلى أن يتجاوزوا المألوف المعتاد في غضبهم داعين إلى استتباب العدل في بلادهم، مما يضطر الدولة إلى العمل على مواجهتهم، فيبدأ العنف وتحدث المواجهات نتيجة للتراكمات والإحباطات والاحتقانات النفسية المكبوتة، وتطغى على الحياة حالات من العنف الذي يؤدي إلى تقويض استقرار الدولة... وأحايين تكون للعنف المفرط قوالب تبررها كل الأطراف التي تمارسها، سواء كانت من الدولة أو من المواطنين الغاضبين.***• وعند انفلات الزمام لا تصبح كلمات تهدئة الأمور ذات جدوى، فلن تهدأ الأمور إلا بالاحتكام إلى القوانين وتطبيقها بصرامة دون هوادة على كل من تسبب في الإخلال بأمن الوطن مهما كان منصبه ومهما كانت مكانته.. فمتى ما حدث ذلك فقل وداعاً للفساد.