لقد أوجدَ حضور الرواية على مستوى الكاتب والناشر والجائزة العربية وجمهور التلقي حالة متأججة من رغبة الكاتب الكويتي والعربي في إنجاز أعمال روائية متجددة. وهذا الفيضان الكبير من الرواية، أثّر أكثر ما أثر في أجيال الشباب، حتى صار حلم كتابة رواية هو الحلم الذي يعشش في رأس عدد كبير من الكتّاب العرب الشباب. ومن خلال تواصلي بعدد من الكتّاب الشباب، في مختلف أقطار الوطن العربي، فإن هذا الحلم يأتي ملفوفاً بعباءة حلم آخر هو الحصول على جائزة. وهنا لابد من ذكر "الجائزة العالمية للرواية العربية" أو ما بات يُعرف بجائزة البوكر العربية. فهذه الجائزة هي من فتّح الطريق الواسع أمام فكرة الترجمة، وذلك عبر ترجمة رواياتها الفائزة إلى اللغة الإنكليزية وخلافها. لكن الملاحظة الواضحة، أن عدداً كبيراً من الروايات الفائزة، لم تحظَ بترجمة أو أنها تُرجمت ولم تلاقِ نجاحاً خارج أسوار بيئتها. وهنا يأتي السؤال في مقومات العالمية، ويمكن النظر إليها عبر العناصر التالية:1 - حضور الهم الإنساني المشترك بين البشر.
2 - الكتابة من الواقع المحلي باستحضار عوالم البشر والحجر.3 - التمكن من فنيات كتابة الرواية، بتوفر العمل الروائي على العناصر الضرورية لجنس الرواية.4 - كتابة رواية تماشي راهن الرواية العالمية، بتطور عوالم حبكاتها ولغتها، وإلا جاءت الرواية المترجَمة خارج سياق القراءة التي اعتادتها ذائقة القارئ الغربي.5 - توفر مترجم ابن لسان اللغة التي يريد الترجمة إليها، ومتبحر في اللغة العربية.6 - توفر ناشر غربي معروف يساهم في نشر الرواية المترجمة ويأخذ بيد الكاتب إلى السير على دروب روائية لم يسبق له السير عليها.إن خطأً كبيراً يقع به بعض الكتّاب العرب في اعتقادهم بإمكانية الكتابة وفق هوى القارئ الغربي، وبما يظنون أنه يضمن لهم ترجمة أعمالهم الروائية وبالتالي وصولها إلى العالمية. لكن، واقع الحال العربي والغربي والإنساني عموماً ينفي تماماً هذا الظن الخاطئ. فكاتب بقامة غارسيا ماركيز، صاحب نوبل، لم يصل إلى العالمية إلا عبر الواقعية السحرية، تلك المدرسة التي خاض فيها، ليكشف للعالم أجمع سحر قارة أميركا الجنوبية. والأمر نفسه حين الحديث عن ديستيوفسكي أو تشيخوف أو كافكا أو مارسيل بروست أو بول أوستر وحتى نجيب محفوظ. فما حمل هؤلاء إلى سماوات الدنيا، وجعل منهم مشتركاً أدبياً بشرياً، هو أنهم كتبوا عن بيئاتهم بخصوصياتها الصغيرة، وأنهم راكموا نتاجاً إبداعياً بسوية إبداعية عالية، مما جعل الرجوع إليهم رجوعاً لعوالم بيئة بشرية كاملة ونابضة بعناصرها، وبما يقدم معرفة إنسانية باقية. لذا يجب التنويه إلى أن مجرد ترجمة رواية لأي لغة لا يعني بالضرورة انتقال الروائي إلى العالمية، بل إن متطلبات وسقف العالمية أبعد ما يكون عن ذلك، فهو يتطلب بالضرورة وفي مقدمة كل شيء عملاً برؤية إنسانية وفنية عالية وناشراً مهتماً يستطيع الوصول بالعمل إلى القارئ، أيّاً كان لسانه. نعم، لقد تُرجم الكثير من الأعمال الروائية الكويتية، لأسماء متعددة، ولأكثر من لغة عالمية، لكن الوصول إلى العالمية شيء مختلف عن الترجمة. فبقدر ما تتصل الترجمة بالكتاب والكاتب، تتصل العالمية بالقارئ والقراءة. وبقدر ما تتخذ الترجمة من العلاقة الشخصية مدخلاً للترجمة، بقدر ما تتخذ العالمية عوالم الكتاب الإنسانية درباً للقارئ. ولذا انتقلت الرواية الكويتية وستكمل طريق انتقالها إلى العالمية، بقدر ما تتصل بحميم بيئتها، وبقدر ما تبني تراكما إبداعياً عالياً، وبقدر ما تخوض غمار مغامرة كتابة جديدة، وبقدر ما تقدم نفسها بوصفها وثيقة إبداعية فنية إنسانية شاهدة على بيئتها وعصرها. ومؤكد أن رواية كويتية عالمية النكهة قادرة على الوصول بالكويت إلى أبعد بكثير مما يظن البعض بالرواية.
توابل - ثقافات
الترجمة والرواية الكويتية (2-2)
12-02-2020