هل تحتاج روسيا إلى بيلاروسيا حتى الآن؟
من المنتظر أن تمنح روسيا الغاز الطبيعي لبيلاروسيا هذه السنة، وفق الشروط المتّفق عليها في عام 2019، وسترتفع أسعار النفط خلال هذه الفترة، هذه هي نتائج المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في "سوتشي" في 7 فبراير. لطالما استفادت مينسك من شراء منتجات النفط المدعومة من روسيا قبل إعادة تصديرها مجدداً، لذا من الطبيعي أن ترغب بيلاروسيا في الحفاظ على وضع المراوحة، لكن يملك الكرملين أجندة مختلفة. يبدو أن روسيا مستعدة لمتابعة توفير مصادر الطاقة الرخيصة لبيلاروسيا شرط أن يتفق الطرفان على مسائل التكامل بينهما، وإلا ستُقدِم موسكو على زيادة أسعار النفط والغاز، وسرعان ما تضطر مينسك لشراء مصادر الطاقة الروسية بسعر السوق، ولا مفر حينها من أن ينعكس الوضع على الاقتصاد البيلاروسي. مع ذلك، من المستبعد أن يقدم الرئيس لوكاشينكو أي تنازلات لروسيا، واعتباراً من يناير 2020، أوقفت روسيا تزويد بيلاروسيا بالنفط، فبدأت مينسك تستورد النفط الخام من النرويج، كذلك قد تبدأ بيلاروسيا بشراء الغاز من هذا البلد أو حتى من الولايات المتحدة. أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حديثاً أن واشنطن مستعدة وقادرة على تلبية كامل حاجات بيلاروسيا من النفط والغاز.يبدو أن روسيا من جهتها لا تعارض محاولات تقرّب لوكاشينكو من الولايات المتحدة، حتى أن الكرملين لا يمانع توجّه بيلاروسيا نحو المحور الصيني، في ديسمبر 2019، حوّلت الصين قرضاً بقيمة 500 مليون دولار إلى بيلاروسيا، وبدأت الحكومة البيلاروسية التفاوض مع الصين في يونيو الماضي، بعد فترة قصيرة على رفض روسيا طلبها بتلقي قرض بقيمة 600 مليون دولار. في أبريل الماضي، حين زار رئيس بيلاروسيا الصين، عقد البلدان اتفاقيتَين كبيرتَين حول القروض. قدّم بنك التنمية الصيني 100 مليون يورو إلى بنك بيلاروسيا، في حين اتفق بنك التصدير والاستيراد في الصين على توفير 65.7 مليون يورو لقطاع سكك الحديد في بيلاروسيا. تجدر الإشارة إلى أن بكين أدت دوراً بارزاً لمساعدة البلد في تطوير نظامه الصاروخي الخاص "بولونيز"، كذلك بَنَت الصين المجمع الصناعي بالقرب من مينسك، وهو يُعتبر أهم مشروع صيني في أوروبا، وعلى الصعيد الرسمي تعتبر الصين بيلاروسيا "بوابة أوروبا"، مع أن بيلاروسيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي وتخضع أي سلع تنتجها لرسوم جمركية عالية عند دخولها إلى سوق الاتحاد الأوروبي. بما أن بيلاروسيا لا تملك أي موارد طبيعية مهمة، تتعامل معها روسيا كبلد موثوق به لتمرير منتجات النفط والغاز، ويقول سياسيون روس صراحةً إن بلدهم يجب أن يتوقف عن "تغذية" بيلاروسيا، ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة تبدو هذه المواقف منطقية جداً، لكن من الناحية السياسية، قد يخسر الكرملين حليفه الوحيد في أوروبا (هذا البلد منتسب أيضاً إلى الاتحاد الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي) إذا استمر التباعد بين روسيا وبيلاروسيا. في حال حصول ذلك لا شك أن المسؤولين عن حملات الكرملين الدعائية سيحاولون تصوير الوضع كانتصار جيوسياسي آخر، في غضون ذلك، ستتابع روسيا الضغط على بيلاروسيا لتعميق التكامل الاقتصادي والسياسي بين البلدين، أو للسماح للأوليغارشيين الروس بخصخصة الشركات البيلاروسية الناجحة، على غرار "بيلاروسكالي"، وهي واحدة من أكبر شركات إنتاج أسمدة البوتاس في العالم.
سيحاول الرئيس لوكاشينكو على الأرجح حماية الاقتصاد البيلاروسي من الكرملين وحتى من صندوق النقد الدولي الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة ويصرّ بقوة على خيار الخصخصة، ونظراً إلى توسّع التوقعات بفوز لوكاشينكو بسهولة في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل، ستحاول بيلاروسيا خلال السنوات الخمس القادمة حتماً إقامة توازن بين روسيا والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.* نيكولا ميكوفيتش