العمري: العقلية الذكورية تزداد توحشاً في الواقع

روايتها «ورود تحترق» تعيد أجواء زمن السرد الجميل

نشر في 16-02-2020
آخر تحديث 16-02-2020 | 00:02
بإيقاع موسيقي، تعزف الأديبة المغربية راضية العمري على وتر الكلمات، فتخرج سطورها حلماً يشد القارئ إلى منتهاه، بعد أن يكون عايش الواقع وقضاياه. وهذا ما يستشعره القارئ لكتاباتها خصوصاً روايتها الأخيرة «ورود تحترق»، إذ يحمل العنوان معاني رومانسية جميلة، فيما يحيلنا المتن إلى القضايا الكبرى التي دائماً شغلت كبار الأدباء، مثل قضية المرأة وهيمنة المجتمع الذكوري، ووضعية المثقف المغربي وغيرها.
حول كتاباتها ورواياتها ومسيرتها، التقتها «الجريدة»، وكان الحوار التالي:

• ما منطلقاتك الأولى نحو الكتابة الإبداعية خصوصاً أنك تجمعين بين مهنة المحاماة والأدب؟

- أردد دائماً أنه لا شيء يأتي من فراغ، ولأنني محامية لم يتحقق ولوجي عالم الأدب بالصدفة، بل كان هناك حلم منذ الطفولة وظل يكبر إلى أن عبر عن نفسه أخيراً، فمع شغفي الكبير بالقراءة المتنوعة سواء في الأدب أو الفلسفة أو التاريخ أوالدين وجدت نفسي انتقل من مستهلكة للنص بنهم ودأب إلى منتجة له، في انتقالة مدهشة حتى بالنسبة لي من عالم القانون إلى عالم الأدب رغم كل العقبات المرتبطة بطبيعة عملي كمحامية، الذي يستغرق كل وقتي وطاقتي، لينتصر في الأخير شغفي الحقيقي وهو أن أكتب.

العملية الإبداعية

• يشعر القارئ لعناوين رواياتك أنها مصاغة بحرفية عالية وحاسمة أحيانا كخط دفاع عن المهمشين فكيف تختارين عناوينك؟

- بالنسبة لي العملية الإبداعية مسؤولية والتزام واصطفاف كامل تجاه قيم الحق والخير والجمال، لذا من منظوري فأنا لا أنحاز للبعض ممن يعتبرون الإبداع مجرد تسلية جمالية، ويحز في نفسي حقاً أن أسمع البعض من المثقفين يعلن عن ذلك، لذا من المنطقي جداً أن تجدني أعبّر من خلال نصوصي عن ذلك الخيار وتلك القناعة.

فروايتي الأولى "مدن الحلم والدم" عبرت فيها عن انحيازي الواضح للفقراء والمهمشين في إدانة صريحة لمختلف أنواع العنف وتمظهراته.

أما في روايتي الثانية "ورود تحترق" فعبرت فيها عن أزمة المثقف العربي وانحسار دوره وهي أزمة يتداخل فيها الذاتي بما هو موضوعي داخل المجتمعات العربية المأزومة.

الدراسات النقدية

• ماذا عن رواية "مدن الحلم والدم"؟

هي روايتي الأولى، صدرت سنة 2017 وأنجزت حولها الكثير من الدراسات النقدية آخرها دراسة ضمن كتاب نقدي حول الكتابة النسائية من طرف الدكتور المبدع والناقد حسن اليملاحي، وأنا أعتبر هذه الرواية عملاً يشبهني كثيراً وأوضحت فيها العنف سواء كان فقراً أو قهراً أو إرهاباً، وانتصرت فيها للمرأة ولقيم السلام والتسامح وقبول الاختلاف.

المثقف الحقيقي

• وماذا عن "ورود تحترق"؟

- هي رواية عن أزمة المثقف الحقيقي وإحباطاته، والثيمة الأساسية في الرواية إلى جانب ثيمات أخرى حاولت من خلالها خلخلة الصورة النمطية للمرأة وبعض القيم الجامدة التي تكرس تلك الصورة في محاولة لجعل الأمل والبدء من جديد مسألة جديرة بالمحاولة.

التناقضات الصارخة

• تهيمن قضية تهميش الأنثى وطغيان المجتمع الذكوري على أحاديثك وكتاباتك، فهل المرأة العربية لما تحقق بعد المكانة اللائقة بها، وما ينقصها؟

- وضعية المرأة العربية هي تعبير واضح عن حجم التناقضات الصارخة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، فأنت تجد نساء وصلن لأعلى المناصب وفي الوقت نفسه تجد الأمية والفقر والهشاشة لدى الأغالبية العظمى من النساء، إلى جانب الثقافة السائدة والعقلية الذكورية، التي أستطيع أن أقول إنها تزداد توحشاً، وكأننا نتراجع للخلف، وهو ما يتضح من حجم العنف والتنمر الذي تتعرض له النساء بشكل تتساوى أمامه كل النساء رغم تباين خلفياتهن الاجتماعية أو الفكرية، للأسف مازالت النساء يتعرضن للعنف والقهر بسبب النوع، أي فقط لأنها امرأة.

وبالنسبة لمسألة الكتابة النسائية أعتبر هذا تمييزاً لا مبرر له على اعتبار أن الكتابة فعل إنساني وفعل حياة وهو ما يشترك فيه الرجل والمرأة.

صحيح أن معاناة المرأة تهيمن على كتاباتها لكن هذا لا يبرر هذا التمييز أو التوصيف إن صح القول، والذي قد يشكل تشويشاً عليها من الناحية النفسية ونوعاً من الرقابة الذاتية والقبلية التي تمس بأهم شرط في الكتابة أي الحرية.

عرش الأجناس

• هل نعيش عصر الرواية؟

- نعم، نعيش عصر الرواية وبامتياز، وهي الآن تتربع على عرش الأجناس الأدبية سواء من حيث نسبة المقروئية والإقبال عليها، أو من حيث قدرتها على التعبير عن المجتمع ومعيشة الناس وهمومهم، أو من حيث قدرتها على التواصل الواضح مع القراء، هي الآن ديوان العرب باعتبارها الأقدر على فهم مشاكل المجتمعات هي الوجه الآخر للعلوم الإنسانية.

الإبداعات الشبابية

• مارأيك بسيل الإبداعات الشبابية الموجودة الآن في كل الساحات الأدبية في العالم العربي وهل تعتبرينها ظاهرة صحية للأدب؟

- رغم تأرجح تلك الإبداعات الشبابية الموجودة في كل الساحات الأدبية بين الجيد والأقل جودة، فأنا أعتبر ذلك ظاهرة صحية لأسباب منها: أولاً أن اشتغال الشباب بالكتابة يعني أنهم قرأوا أو يقرأون والقراءة فعل حضاري ويعبر عن النضج الحضاري، ثانياً الاشتغال بإنتاج النصوص الإبداعية والفكرية هو اشتغال على الذات قد يجنب الانغماس في مجالات أخرى تنحو نحو التطرف أو غيره أو السقوط في براثن القبح بدل الجمال والقيم الجميلة التي يعبر عنها الأدب والإبداع.

• ما مدى مواكبة الحركة النقدية لأعمالك؟

- أعتبر النقد عملية فائقة الأهمية، بل أعتبرها إعادة إنتاج للنص بآليات أخرى، وهو ضروري للكاتب بقدر ضرورة وجود القارئ وبالنسبة لي كانت هناك مواكبة نقدية كبيرة لأعمالي، وأعبر عن امتناني الكبير للنقاد الأفاضل الذين واكبوا أعمالي بالنقد الموضوعي والدراسة الجدية ومنهم د. حسن اليملاحي، ود. مصطفى العطار، ود. فاطمة الميموني، ود. محسن بنعحيبة، ود.عبد السلام دخان، ود. عزيز الهلالي ، ود. محمد العناز، والأستاذ محمد كماشين.

ردهات المحاكم

• ماذا عن أحدث مشروعاتك الأدبية؟

- أنا الآن أشتغل على عمل استقيت أحداثه وشخصياته من خلال عملي محامية وتجربتي الإنسانية في التعامل مع القضايا داخل ردهات المحاكم، وهو ما يمكن اعتباره تأثراً حقيقياً بمجالي المهني الذي بالتأكيد شكل رافداً من روافد إغناء تجربتي الإنسانية في الحياة.

مصطلح الكتابة النسائية يشكل تشويشاً على المرأة

عملي محامية أغنى تجربتي في الأدب والحياة

الرواية هي الأقدر على فهم مشاكل المجتمعات
back to top