قصف أفغانستان... أداة لنشر السلام؟
إذا كان الرئيس ترامب يعمل على تنفيذ وعده بإنهاء "الحرب اللامتناهية" في أفغانستان، فيبدو أنه اختار طريقة ملتوية على نحو مريع لتحقيق هدفه.زادت أعداد القوات العسكرية في أفغانستان تحت إشراف ترامب، وستؤدي الخطة التجريبية التي تقضي بتخفيض أعدادها بنحو 4 آلاف عنصر بحلول عام 2020 إلى إرجاعنا إلى الوضع الذي كان قائماً في بداية ولايته بكل بساطة. وفق بيانات جديدة أصدرتها القيادة المركزية الأميركية، أمطرت الولايات المتحدة أفغانستان بعدد قياسي من القنابل وغيرها من المعدات الحربية في السنة الماضية (وصل عددها إلى 7423). هذا العدد يتجاوز الرقم القياسي السابق الذي سُجّل في عام 2018، وهو يكشف تناقضاً كبيراً مع خطط تخفيض مستوى إطلاق الذخائر في أفغانستان مع اقتراب نهاية ولاية أوباما. ارتفع عدد الضحايا المدنيين أيضاً. لم تُنشَر كامل بيانات عام 2019 بعد، لكن تكشف الأرقام الأولية أن أفغانستان شهدت أكبر حملة سفك دماء منذ عقد، كذلك، يبدو أن القوى الموالية للحكومة كانت مسؤولة عن قتل العدد نفسه تقريباً من المدنيين الذين قتلتهم حركة "طالبان". تسيطر "طالبان" من جهتها على نصف البلد على الأقل أو تحارب للسيطرة على كابول، ويصعب أن نطرح أرقاماً أكثر دقة لأن البنتاغون قرر في الصيف الماضي التوقف عن احتساب الأعداد بكل بساطة.لكن لا يمكن إنهاء الحرب عبر هذا الخليط من معدلات الانتشار العسكري الثابتة وتفاقم أعمال العنف وسقوط الضحايا ورفض جمع البيانات التي تثبت الفشل، هكذا يبقى البلد في حالة حرب إلى الأبد، فيستعمل التكتيكات والقوات العسكرية بالطرق نفسها ويهدر دم الجنود وأموال الخزينة، هذا الوضع هو عكس ما تعهد به ترامب.
صرّح فرانسيس براون، الذي كان مسؤولاً بارزاً في مجلس الأمن الوطني خلال عهدَي ترامب وأوباما، لصحيفة "ذي غارديان": "تأمل واشنطن بكل وضوح أن تستعمل الضربات المتزايدة لكسب أوراق ضغط إضافية في محادثاتها المستمرة مع طالبان". نظرياً، إنه تحليل منطقي. لكن عملياً، تابع براون كلامه قائلاً: "تستغل طالبان بدورها أعمال العنف المتفاقمة من جانبها لكسب النفوذ". لكنّ إسقاط قنابل إضافية لن يجبر "طالبان" على تقديم التنازلات على طاولة المفاوضات، بل إنه يزيد سفك الدماء في أفغانستان ويطيل مدة الصراع بكل بساطة. هذه الحملة المتصاعدة من عمليات القصف لا تفشل في تحقيق هدفها المعلن فحسب، بل إنها تؤذي الشعب الأفغاني العادي وتؤجج المشاعر المعادية للأميركيين، كما أنها تزيد الظروف سوءاً في أفغانستان من دون أن تنعكس إيجاباً على الأمن الأميركي أو المصالح الأميركية الحيوية. هذه المقاربة غير نافعة، وتكثر الأدلة التي تثبت على مر عقدَين تقريباً أنها لن تنفع يوماً. سيكون استعمال كلمة "مأزق" لتوصيف الوضع مُلَطّفاً أكثر من اللزوم.إذا كان ترامب جدياً في رغبته في إنهاء هذه الحرب، فيجب أن يعطّل نزعته التدميرية التلقائية. بدل تعديل أعداد الجنود باستمرار وتكثيف حملات العنف وتجاهل المعايير الأساسية، يُفترض أن يعيد الجنود الأميركيين إلى ديارهم، ولإنهاء الحرب يجب أن يقصد ترامب إنهاء الحرب فعلاً.في ما يخص الصفقة مع "طالبان"، يجب أن تستمر المساعي الدبلوماسية بمختلف الوسائل، شرط ألا تُستعمَل بعد الآن كعذر لتمديد هذا الصراع، إذ ستكون إطالة هذه الحرب على أمل كسب تنازلات إضافية من "طالبان" شكلاً واضحاً من خداع الذات، فلا نحتاج إلى سنة أخرى من القصف القياسي إذاً، بل يجب أن ننسحب من أفغانستان نهائياً.لا يعني ذلك أن الانسحاب الأميركي سينشر السلام بطريقة سحرية في أفغانستان. يجب أن تهدف مختلف الجهود إلى تصميم طريقة انسحاب مسؤولة وسريعة في آن، لكن ستبقى أفغانستان فقيرة ومضطربة بعد رحيل الأميركيين، حتى في أفضل السيناريوهات المتوقعة. ولن تختفي "طالبان" من الساحة ولن يزول الإرهاب طبعاً، لكن لا شيء يثبت أن إطالة الاحتلال الأميركي وتكثيف الحرب الجوية سيُحسّنان هذا الواقع القاتم، ولا يستطيع التدخل العسكري الأميركي أن يحل المشاكل السياسية والدينية والاقتصادية في أفغانستان. إنها أداة خاطئة لتحقيق هذا الهدف. باختصار لا نستطيع متابعة قصف أفغانستان لنشر السلام فيها!* بوني كريستيان