أميركا تبحث عن الفرص في آسيا الوسطى
تشكّل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى كازاخستان وأوزبكستان في بداية شهر فبراير إنجازاً بارزاً لآسيا الوسطى: من الواضح أن الولايات المتحدة تراقب المنطقة عن كثب، فقد زادت أعداد الزيارات إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة في السنوات الأخيرة، وعبّر المسؤولون الأميركيون خلالها عن اهتمامهم بتقوية العلاقات الثنائية، كذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان خاص في ديسمبر الماضي أنها "عززت التزاماتها الدبلوماسية الثنائية مع آسيا الوسطى" في السنة الماضية، لكن قد تواجه إدارة ترامب المصاعب بسبب استراتيجيتها الراهنة إذا لم تشارك أطراف أساسية في هذه الجهود. خلال اجتماع بين وزراء خارجية الجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى وبومبيو في وقتٍ سابق من هذا الشهر، لم تَغِب قوة إقليمية مهمة عن اللقاء فحسب، بل تم استبعادها بطريقة سلبية: الصين.حاولت الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى تطبيق سياسات خارجية "حيادية" و"متعددة المحاور"، مما يعني أن كل بلد يسعى إلى تعزيز سيادته واستقلاله وازدهاره من دون مصادر إزعاج أو الاتكال على قوة عالمية كبرى، فحين أصبح قادة المنطقة أكثر ثقة بأنفسهم، بدؤوا يشيدون بقيمة التعاون الإقليمي وبالإصلاحات التاريخية في عدد من الحالات. هذه التطورات جذبت انتباه المجتمع الدولي، إذ اتّضح ذلك في الحوار القائم خلال اجتماع لقادة آسيا الوسطى في بداية شهر فبراير. بالإضافة إلى المحادثات مع بومبيو، ناقشوا أيضاً الجهود الإقليمية والأمنية المشتركة على الحدود لتحسين الروابط الاقتصادية والتعاون في مجال الطاقة بينهم ومع الدول المجاورة، ولا شك أن هذه المشاريع كلها تشمل الصين. بدا بومبيو متحفظاً أمام فكرة ضم بكين ولم يتردد في التعبير عن رأيه فيها، حتى أنه اعتبر الحزب الشيوعي الصيني "أكبر تهديد مركزي في عصرنا هذا" خلال زيارة له إلى لندن حيث بدأ رحلته التي انتهت في آسيا الوسطى.على المستوى الاقتصادي، رسّخت الصين توجهها نحو آسيا الوسطى في العقد الماضي، واعتبرت هذه المنطقة ركيزة لمبادرة "الحزام والطريق"، وهي شبكة برية من الممرات التي تربط السلع الصينية بالمستهلكين الأوروبيين عن طريق آسيا الوسطى. دُفِعت المليارات على شكل مشاريع استثمارية مشتركة لتطوير حقول الهيدروكربون في بحر قزوين، وتشمل كازاخستان جزءاً من أكبر احتياطيات النفط والغاز في المنطقة. في تجسيدٍ واضح لطبيعة العلاقات الراهنة بين الولايات المتحدة والصين، حذّر بومبيو بلدان آسيا الوسطى من المبالغة في اتكالها على بكين وانتقد قطاع الأعمال في الصين وممارسات الإقراض فيها.
شدّد بومبيو على فكرة أن تحقق كازاخستان، وآسيا الوسطى ككل، "أفضل النتائج" من خلال عقد شراكات مع الشركات الأميركية، صحيح أنه ركّز في موقفه على أهمية الفرص المتاحة، لكن ستواجه الولايات المتحدة مأزقاً غير مألوف لأنها أبعدت نفسها سابقاً عن منطقة كانت تُعتبر جزءاً من نطاق نفوذ روسيا التاريخي. ربما يوشك البيت الأبيض وآسيا الوسطى على بدء "حقبة جديدة من الشراكة الاستراتيجية"، رغم الإصرار الأميركي القديم على عدم منافسة القوى المجاورة في المنطقة، لكنّ أي لقب جديد لن يعني شيئاً لآسيا الوسطى ما لم تتحرر من النفوذ الصيني والروسي. يجب ألا تتفاجأ إدارة ترامب من إصرار الدول السوفياتية السابقة على تطوير العلاقات الإقليمية التي ساهمت في ترسيخ مكانتها على مر السنين. لا بد من اعتبار وجود الصين فرصة للتعاون بدل أن تتحول مشاركتها إلى معركة على الهيمنة، ومن المتوقع أن ترحّب آسيا الوسطى بالانتباه الأميركي المستجد وترغب في استمراره، لكنها ستحتفظ أيضاً بدرجة من الحذر.صرّح نائب مساعد وزير شؤون آسيا الوسطى السابق في إدارة بوش، إيفان فيجنبوم، لوكالة "صوت أميركا" حديثاً بأن الولايات المتحدة تستطيع "دعم البلدان عبر الاستفادة من نقاط القوة الأميركية حصراً". تسعى آسيا الوسطى إلى توسيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها تدرك أن مقاربتها قد تترافق مع كلفة معيّنة، فهي استفادت حتى الآن من المشاركة الصينية، وتقضي أفضل مقاربة من جانب واشنطن بالتصرف كخيار إضافي للحكومات المحلية في حين تواجه تدابير قسرية أو محاولات إقناع من الصين وروسيا، وإذا كانت آسيا الوسطى تبحث عن قوة مضادة في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، فقد تثبت الولايات المتحدة أنها الحليفة القوية التي تحتاج إليها.* كريستن شيريغايت