كل مظاهر الهدر تناولها المواطنون في الدواوين وفي الصحف ووسائل التواصل، مثل الرواتب الفلكية لبعض كبار المسؤولين الذين تنقل صور قراراتهم المالية الهائلة إلى هواتف المواطنين، وعمليات التجديد والصيانة دون حاجة فعلية لبعض المنشآت الحكومية، وكرم الضيافة الحاتمي لضيوف الحكومة، والبذخ والمبالغة في الاحتفالات والمهمات الرسمية، وفرز عسكريين وموظفين لا يداومون، و"باكيجتات" مالية لدفع موظفين معينين للتقاعد، وتقاعد استثنائي مغر وفق المادة 80 من قانون التأمينات دون سبب، وإنشاء هيئات مستقلة وملحقة من أجل استيعاب الأعداد الكبيرة من الموظفين القادمين مع وظائف قيادية بالطبع، والشراء المتخم للأسلحة بميزانيات إضافية، بالإضافة إلى سيارات فارهة لكبار الموظفين مع دفاتر البانزين، ودعومات مالية وتسهيلات عينية تقدم لشركات رابحة بالملايين بدل أن تساهم هذه الشركات في إيرادات الدولة، ولكن رغم هذه النقمة الكبيرة لم يلمس المواطن إجراءات فعلية للحد منها، فما زال أثرها ينخر في جسد هذا الوطن الصغير، وكثيراً ما كان الهدر الحكومي مبررًا لعدم تجاوب المواطن مع دعوة المسؤولين للاقتصاد في استهلاك الخدمات الحكومية المدعومة والحفاظ على الأموال والمنشآت العامة.وفي السنة الأخيرة من عمر المجلس الماضي دعيت إلى اللجنة المالية في مجلس الأمة لمناقشة الإصلاح الاقتصادي، فقدمت ورقة من أربع صفحات بينت فيها أهمية هذا الإصلاح، وتطرقت إلى كيفية معالجة الهدر، واقترحت أن يصدر وزير المالية تصريحاً كل بضعة شهور يبين فيه بنود الميزانية التي تم تخفيضها، والهدر الذي تم اكتشافه ومعالجته، ولكن للأسف لم يتم تطبيق هذا الاقتراح.
وقبل أسابيع كتب الأخ الكريم مشاري العنجري مقالاً مهماً طالب فيه بإلغاء المادة 80 من قانون التأمينات بسبب انتفاء الحاجة لها، حيث إنها وضعت في القانون في بداية العمل به لمعالجة وضع بعض الكويتيين الذين لم يسبق أن زاولوا أعمالاً حكومية أو أهلية في ذلك الوقت، ولكنها الآن أصبحت تمارس بشكل سيئ ينمّ عن هدر وعدم مساواة بين المواطنين، ولكن هذا الاقتراح لم ينفذ أيضاً. وفي الوقت نفسه يصل إلى مسامع المواطنين إجراءات الدول المتقدمة للحد من الهدر الذي يصل إلى مراقبة صرف المسؤول في المهمات والوقود والهدايا والتزام الموظفين بالدوام وبالعمل والإنتاج، حتى وصل الأمر إلى استقالة أو سجن كبار موظفين عندهم بسبب سوء الصرف والهدر من المال العام. أما عندنا فيصل الراتب الشهري لبعض كبار الموظفين إلى مدخول شهري لعمارة تزيد قيمتها على مليوني دينار عدى الامتيازات العينية الأخرى! فهل هذا معقول؟ وهل له مثيل في حكومة أي بلد في العالم؟ أما المساعدات التي تقدمها تلك الدول فهي محسوبة بالقطّارة وتخدم السياسة الداخلية والخارجية لدولهم، مما يستدعي مراجعة سياسة المساعدات والهبات التي تقوم بها الحكومة للدول الأخرى.وعندما كنا نزور كثيراً من دول العالم أثناء العضوية في المجلس والحكومة لم نكن نحظى باستضافة هناك، بل كنا ندفع ثمن الإقامة في الفنادق والتنقلات والوجبات، أما عندنا فالاستضافة والمساعدة لكل الضيوف مهما بلغت مكانتهم أو كان تأثيرهم مما لا يتفق أبداً مع سياسة الترشيد وعدم الهدر. لذلك لابد من إصلاحات عاجلة لجميع هذه الأمثلة من الهدر وغيرها الكثير إذا كان لدى الحكومة خطة للإصلاح المالي والاقتصادي، إذ لابد من نجاحها أن يرافقها إصلاح الأضلاع الأخرى التي تحدثنا عنها في المقالين الأخيرين، وهما مكافحة الفساد ووقف الهدر. والله الموفق.
مقالات
رياح وأوتاد: ماذا يمكن أن يقال عن الهدر؟
17-02-2020