شركات جديدة لعصر جديد
يجب ألا تسمح المجتمعات للمستثمرين ووكلائهم بإدارة النقاش حول إصلاح حوكمة الشركات، فإذا كانت الشركات، بصفتها جهات فاعلة اجتماعية وسياسية، تخدم المصلحة العامة، فينبغي للعمال والمجتمعات المحلية على وجه الخصوص أن يكون لهم الحق في اتخاذ قراراتهم.
تُعد الشركات أساس الاقتصاد الحديث، حيث يحدث الجزء الأكبر من الإنتاج والاستثمار والابتكار وخلق فرص العمل داخلها، فلا تحدد قراراتها الأداء الاقتصادي فحسب، بل أيضًا صحة ورفاهية المجتمع، ولكن من الذي ينبغي أن يحكم الشركات، ومن الذي يجب أن يتخذ تلك القرارات بالنيابة عنها؟ النظرية التقليدية التي تعمل بموجبها اقتصاداتنا الحديثة هي أن الشركات تُدار وتُمثل من قبل المستثمرين، وتفصل هذه النظرية بشكل واضح بين المالكين والعمال، أي بين رأس المال والعمالة. يمتلك المستثمرون الشركة ويجب عليهم اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بها، حتى عندما يكون ذلك غير عملي، كما هي الحال في الشركات الكبرى التي تضم مستثمرين متعددين، يعتقد الناس أن المديرين هم "وكلاء" المستثمرين، ويُمثلون المستثمرين فقط.تعتمد نظرية الشركة على افتراضين: أولاً، المستثمرون هم الوحيدون الذين "يستثمرون" في الشركة، وبالتالي هم الوحيدون الذين يتحملون المخاطر. ثانياً، الأسواق تنافسية تماما وغير احتكاكية، بحيث يمكن للعمال (وغيرهم ممن تأثروا عن كثب بقرارات الشركات، مثل الموردين) المغادرة والعمل في مكان آخر إذا كانوا غير راضين عن الطريقة التي تعاملهم بها الشركة.في الواقع، الوظيفة أكثر من مجرد مصدر للدخل، إنها جزء أساسي من الهوية الشخصية والاجتماعية للبالغين، وإن العلاقات التي يبنيها العمال والمجتمع الذي يكسبونه بفضل العمل يمنحهم حافزا ومعنى للحياة، ويساعد في تحديد هويتهم، فلا توفر الوظائف للعمال فوائد مادية فحسب، بل فوائد معنوية أيضا، ولا تحدد شروط التوظيف مقدار ما يمكننا تحمله فقط، بل وعينا الذاتي ومدى إمكانية تحقيق تطلعاتنا وإمكاناتنا أيضا، وهذا ما يفسر سبب تأثير البطالة بشكل كبير على مستوى الرضا عن الحياة بشكل عام.
إذا كانت الأسواق شديدة التنافس وبدون احتكاك، وإذا كانت المعلومات مثالية، فلن يكون لهذا الأمر أهمية كبيرة، إذ يوقع العمال عقودا كاملة مع المستثمرين (أو وكلائهم)، مع أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار، ويصنف العمال أنفسهم حسب الشركات، ويختارون العمل في الشركات التي تمنحهم أفضل مزيج من الفوائد المادية والقيمة المعنوية، ولكن في العالم الواقعي، هذه العقود الكاملة غير ممكنة، والمنافسة غير الكاملة هي الوضع الطبيعي، مما يمنح الشركات سلطة مُطلقة لتحديد حياة عمالها.في كتابها الرائع "الشركات كيانات سياسية"، اعتمدت الباحثة القانونية إيزابيل فيريراس هذه الأفكار لتحدي المفهوم التقليدي للشركات التي يحكمها المستثمر. تعتقد أن المشكلة تنبع من الفشل في التمييز بين "الشركة" و"المؤسسة". المؤسسة هي شكل قانوني تقره الدولة ويحدد الامتيازات والمسؤوليات القانونية للمستثمرين والعلاقة بينهم، فالشركة نفسها ليست بنية قانونية؛ إنها منظمة اجتماعية، وإنها تدمج المؤسسة في شبكة من العلاقات مع العمال والموردين وأصحاب المصلحة الآخرين.والسؤال المتعلق بكيفية إدارة الشركات ليس له جواب محدد، سواء بالمعنى القانوني أو في المنطق الاقتصادي، وعندما أصبحت السياسة الوطنية أكثر ديمقراطية، تم تشكيل غرفة برلمان ثانية أكثر تمثيلا لاستكمال مجلس أعلى يحكمه النبلاء. وبالمثل، يمكن أيضا إدارة الشركة من خلال نظام مؤلف من مجلسين، حيث يتمتع مجلس العمال بدور متساوٍ مع مجلس المستثمرين. يقترب نظام الترميز الألماني من اقتراح فيريراس، على الرغم من أنه لا يزال ضعيفا إلى حد ما حيث أن ممثلي العمال لا يتمتعون بسلطة متساوية في مجالس إدارة الشركات الألمانية. مراقبة العمال مهمة لموازنة حوافز المستثمرين لتجاهل رفاهية موظفيهم، ولكن يجب إيلاء مزيد من الاهتمام لاثنين من العوامل الخارجية الاجتماعية الأخرى: أولاً، يتطلب الابتكار الحديث نظامًا بيئيًا، وتعتمد الشركات في هذا النظام اعتمادًا كبيرًا على الشركات والموردين الآخرين لوضع المعايير ونشر المعرفة والمهارات. هناك العديد من الأسباب لفشل التنسيق، فعلى سبيل المثال قد تفشل التقنيات القابلة للتطبيق في تحقيق النجاح لعدم وجود استثمارات تكاملية أولية.ثانياً، هناك ما أسميته أنا وتشارلز سابيل العوامل الخارجية "للوظائف الجيدة"، حيث تُؤدي ندرة وظائف الطبقة المتوسطة الجيدة إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية والسياسية في المجتمع: تفكك الأسر، والإدمان، والجريمة، وانخفاض رأس المال الاجتماعي، وكراهية الأجانب، وزيادة جاذبية القيم الاستبدادية. لا يمكن دائمًا توقع أن يهتم "المُطلعون" الذين لديهم وظائف جيدة بمصالح "الغرباء". لذلك، حتى لو تم تمكين العمال داخل الشركات، فإننا نحتاج إلى آليات لضمان استيعاب مصالح المجتمع بأكمله.لهذين السببين، لا يزال العمل الحكومي أساسيا، ويتعين على الحكومات توفير الدعم اللازم لحل فشل التنسيق المحلي، وهي بحاجة إلى تنفيذ نهج الجزرة والعصا حتى تتمكن الشركات من استيعاب العوامل الخارجية للعمل الجيد. لا ينبغي على الشركات اعتبار مثل هذه التدخلات الحكومية قيودًا على قدراتها، بل توسيعًا لإمكاناتها التكنولوجية وفرص العمل.في السنوات الأخيرة، أصبحت الشركات الكبرى تدرك بشكل متزايد أنها يجب ألا تأخذ بعين الاعتبار القيمة المالية فقط، بل الآثار الاجتماعية والبيئية لأنشطتها أيضاً، تنتشر المناقشات حول حوكمة الشركات في الوقت الحاضر مع الحديث عن المسؤولية الاجتماعية ونموذج أصحاب المصلحة والمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG). تُعرّف مجموعة من الشركات نفسها بأنها "منظمات مختلطة" تسعى إلى تحقيق الربح والأهداف الاجتماعية في آن واحد. اكتشف البعض أن معاملة العمال بشكل أفضل يمكن أن تكون مفيدة لكسب المزيد من الأرباح.كل هذه التطورات مرحب بها، لكن يجب ألا تسمح المجتمعات للمستثمرين ووكلائهم بإدارة النقاش حول إصلاح حوكمة الشركات، فإذا كانت الشركات، بصفتها جهات فاعلة اجتماعية وسياسية، تخدم المصلحة العامة، فينبغي للعمال والمجتمعات المحلية على وجه الخصوص أن يكون لهم الحق في اتخاذ قراراتهم.* داني رودريك أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بكلية جون ف. كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "الحديث الصريح حول التجارة: أفكار لاقتصاد عالمي سليم".«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»