عبقرية نادرة! (1)
تَفوَّق بذكائه على كل أقرانه، فلم تستعصِ عليه أية مشكلة في كل مجالات المعرفة؛ في الرياضيات، في الهندسة، في الفلسفة، في الموسيقى، في العمارة، في النحت، في الرسم، وكان له السبق في العديد من الابتكارات والمخترعات التي ينعم بها هذا العصر، مع أنه وُلِد في عام 1452م في منزلٍ فقير بقرية دافنشي، وفي هذه القرية شبَّ هذا الطفل ليكون أجمل أطفالها وأكملهم تكويناً وأقربهم إلى قلوب الناس، وهبه الله قوة جسدية خارقة ورشاقة أخاذة، ثم لما شبَّ عن الطوق صار الجميع يستمتعون بالاستماع إلى ما يقوله ليوناردو دافنشي.***• فكيف أصبح وهو بهذه المواصفات – فيما بعد– حاد الطباع، متقلب المزاج، متطرف الأحاسيس، ليست له صداقات مع أحد، ولا مكان للمرأة في حياته، وليس مستقراً في مكان محدد، ويميل إلى الحزن والانطواء، وكثيراً ما يبدأ بابتكار أشياء رائعة لكنه يتوقف عن اتمامها.. بل كان يرفض أن يحمل اسم أبيه، وفضّل عليه الانتماء إلى القرية التي وُلد فيها (دافنشي)؟!
***• لم ينسَ أبداً لأبيه أنه رفض أن يستر على أمه بالزواج منها؛ فقد كانت كاترينا رغم جمالها وفتنة شبابها، أفقر من أن يعترف بها الفتى الذي أغواها سربيرو ابن أحد كبار أثرياء فلورنسا المدلل، ولكن حينما بلغ ليوناردو العاشرة من عمره التحق بوالده بعد أن عجزت أمه عن القيام برعايته، أما هو فقد كتب في مذكراته عن التحاقه بأبيه: "ليتني لم ألتحق بأبي، وكان باستطاعتي أن أهرب ولا أذهب معه، فأنا لم أكن أحبه أبداً، وظللت أكرهه إلى أن مات، وعندما هربت منه مرةً قالت لي أمي بكل ما تملكه من حنان:- لن أستطيع يا ليوناردو أن أقوم بواجب تعليمك... إن أباك أقدر مني على ذلك، وسيكون لك معه معلمون خاصون يا ولدي.- أنا لا أحبه يا أمي.- ولكنك ستعيش في قصر أفضل من الكوخ الذي أعيش فيه يا ولدي.- أمي، أنا أفضل حريتي معك. - ليوناردو... انظر إلى مستقبلك يا ولدي".***• وكتب في مذكراته عن تلك الحقبة:"قصر أبي كان مظلم الردهات والحجرات، كثير الأنفاق والدهاليز، حتى خُيل إلي أنني أسكن بيتاً للأشباح، حديقته من فرط كآبتها كانت كأنها أوكار الغيلان، رغباتي لا تُنفذ، كلماتي موضع سخرية الخدم، لم يكن أبي يتورع عن مغازلة صديقاته في إباحية مفرطة أمامي.. مدرس اللاتينية انزعج عندما قلت له:- لن أتعلم لغة الأموات.- ولكن عليك أن تتعلم يا ولد.- كيف أتعلم لغة ميتة من رجل ميت؟- هكذا إذاً سأخرج من هذا البيت ولن أعود إليه ثانيةً.***• فكونت علاقة وطيدة في عزلتي مع كل ما يتمناه من هو في مثل سني؛ مع الطبيعة، مع أوراق الشجر والأزهار المختلفة الألوان، أهرع بها إلى غرفتي فتستحيل الأزهار إلى صديقاتٍ ألهو معهنَّ، أحاورهنَّ، أحادثهنَّ حديثاً خاصاً، لا أعرف أحداً من الأطفال حظي بما حظيت به مع الأزهار".• أكتفي بهذه المقدمة لحياة أعظم من أنجبت إيطاليا.