هل سيبقى التحالف القائم بين موسكو وأنقرة في سورية على حاله؟ إنه أهم سؤال مطروح غداة الاشتباكات الحاصلة هذا الشهر بين الجيشَين السوري والتركي في إدلب.في الوقت نفسه، تريد الولايات المتحدة بكل وضوح أن تستفيد من الوضع، إذ تعبّر واشنطن عن دعمها غير المشروط لتركيا وتستغل الفرصة مجدداً لإدانة التحركات الروسية في سورية.
في الأيام العشرة الأخيرة، تعرّض الجيش التركي والمستشارون المدنيون الأتراك في إدلب لنيران المدفعيات السورية مرتين على الأقل وسقط عدد من الضحايا نتيجةً لذلك، ورداً على ما حصل، استهدفت تركيا مواقع سورية، ما أسفر عن سقوط عدد أكبر بعشر مرات من الضحايا في صفوف القوات الموالية للأسد.ما موقف روسيا؟لم تعبّر موسكو حتى الآن عن استعدادها لتقديم أي تنازلات، بل حاولت في البداية تلطيف الوضع معتبرةً أن الجيش التركي لم يحذر نظيره الروسي في الوقت المناسب حول أي تحركات عسكرية محتملة. ثم بدأت روسيا تلوم الجماعات الإرهابية لاحقاً. أعلن وزير الخارجية الروسي في 6 فبراير: "أطلق الجيشان الروسي والتركي محاولة جديدة في منتصف شهر يناير لفرض وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكن لم يقلّص المعارضون نشاطهم العسكري، بل إنهم كثفوا اعتداءاتهم".أرادت موسكو أن تثبت أن روسيا وتركيا تحملّتا تداعيات تصعيد الوضع بالتساوي لأن العمليات الإرهابية لم تكتفِ بقتل مئات الجنود والمدنيين السوريين خارج منطقة خفض التصعيد، بل إنها أسفرت أيضاً عن مقتل خبراء عسكريين أتراك وروس. تمسكت موسكو بهذا الموقف على مر الأسبوع الماضي، كذلك، ذكرت التقارير التي بثّتها وسائل الإعلام الخاضعة لسلطة الدولة الروسية أن التصعيد بين الجيشين السوري والتركي كان استفزازياً.سيؤدي انهيار "صيغة أستانا" إلى تهديد نظام تسوية الصراعات في سورية، بعدما خصصت روسيا وقتاً طويلاً لبنائه، ونجح التعاون بين البلدان الثلاثة المعنية في إقرار تسويات "ميدانية" خلال السنوات الثلاث الماضية، وحصل بعض التقدم على الأقل على الصعيدَين الإنساني والسياسي. لم تستطع أي جماعة أخرى من الوسطاء أن تحقق نتيجة مماثلة في سورية، وحتى قبل نشوء "صيغة أستانا"، التزمت روسيا مع الولايات المتحدة بحل المسائل "ميدانياً"، لكن تبيّن أن واشنطن لم تكن تتمتع بالنفوذ للتأثير على المعارضة المسلحة في سورية بقدر تركيا.يظن الغرب أن التحركات التي تنص عليها "صيغة أستانا" أدت بكل بساطة إلى تقوية موقع الرئيس السوري بشار الأسد الذي استرجع السيطرة على 70% من أراضي البلد في السنوات الثلاث الأخيرة.هذا التحليل صحيح بشكل عام، لكن وقعت هذه الأحداث كلها بموافقة تركيا التي كان يُفترض أن تدعم المعارضة السورية، لكن كانت مصلحة أنقرة الأولية تقضي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية لمنع المقاتلين الأكراد من دخول الأراضي التركية والتمركز في موقعٍ خارج عن سيطرة الأسد، وللسماح للاجئين السوريين في تركيا بالعودة إلى تلك المنطقة في نهاية المطاف.صحيح أن أنقرة نفذت عمليات عسكرية عدة ضد الأكراد السوريين وكسبت بذلك مواقع محدودة في المنطقة، لكن لا تزال هذه المساحة غير كافية كي يعود إليها اللاجئون. يقضي أحد الحلول بإضافة جزء من إدلب إلى تلك الأرض، وقبيل الأعمال العدائية الأخيرة، بدا وكأن روسيا وتركيا توشكان على عقد اتفاق حول الحدود الجديدة في إدلب، لكن لم يعد ذلك الاتفاق مؤكداً بعد إنذار أنقرة الأخير.أمام هذه الأحداث، من الواضح أن واشنطن انحازت إلى الجانب التركي، فاعتبر الممثل الأميركي الخاص بشؤون سورية، جيمس جيفري، خلال زيارته إلى أنقرة، أن القوات الحكومية الروسية والسورية تطرح تهديداً على القوات التركية، ولطالما حاولت واشنطن كسر التحالف القائم بين أنقرة وموسكو في سورية، وأمامها الآن فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف، فهل تستطيع موسكو في هذه الحالة أن تقلب الوضع في سورية لمصلحتها مجدداً؟*ماريانا بيلينكايا
مقالات
انكشاف معالم التحالف الروسي - التركي في سورية
20-02-2020