الأردن يُحدث موازنة بمواجهة تحديات «صفقة القرن»
على الرغم من أن الأردن لم يرفض خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مباشر، فإنه تمسك ببعض التحفظات؛ من بينها إصراره على إبقاء بعض الشروط السابقة لأي اتفاقية سلام جديدة مع إسرائيل.
كشفت إدارة ترامب في التاسع والعشرين من يناير الماضي النقاب عن الشق السياسي لـ"صفقة القرن"، التي طال انتظارها. وجاءت تلك الخطة بعد ستة أشهر من ورشة المنامة التي عُقدت في البحرين وركزت على الشق الاقتصادي، وتضمنت اقتراحات شملت استثمارات ومشاريع بنية تحتية في فلسطين بقيمة 50 مليار دولار. وأشارت وثيقة خطة السلام المقترحة إلى وضع القدس على أنها "العاصمة الموحدة لإسرائيل"، لكنها تحدثت أيضاً عن قيام دولة فلسطينية جديدة منزوعة السلاح في غزة وحوالي ثلثي أراضي الضفة الغربية وتربطهما سلسلة من الطرق والأنفاق.وعلى الرغم من أن الأردن لم يرفض خطة السلام، التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشكل مباشر، فإنه تمسك ببعض التحفظات؛ من بينها إصراره على إبقاء بعض الشروط السابقة لأي اتفاقية سلام جديدة مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، ظهر ملك الأردن عبدالله الثاني على "قناة المملكة" معلقاً على الخطة الأميركية قائلاً: "موقفنا معروف جداً. لن نوافق على أي اقتراحات تأتي على حسابنا". وعلى الرغم من تحفظ الأردن على ما جاء في الخطة الأميركية، لكنه سيعمل على الحفاظ على معادلة متوازنة يجمع فيها بين موقفه الثابت من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي المتمثل بالشرعية الدولية وحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ودعم السلطة الفلسطينية والتنسيق معها، وبين متطلبات الإدارة الأميركية بعدم معارضة الجهود الأميركية لتغيير السياسة الدائمة والمستقرة للسياسة الأميركية في عملية السلام.وتأتي تلك التحفظات في إطار خوف الأردن من أن تؤدي خطة السلام المقترحة إلى تحويله لموطن للاجئين الفلسطينيين، مما قد يخل بالتوازن الديمغرافي فيها، وقد يتحول البلد إلى دولة فلسطينية. كما يخشى الأردن من أن يقود إعلان ترامب لخطة السلام إلى تهديدات أمنية ومخاطر استراتيجية تؤدي إلى الإخلال بالسيادة الأردنية، إذ سينظر الأردن بقلق بالغ إلى احتمالية قيام السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، مما يثير مخاوف أردنية من انتقال عناصر راديكالية إلى الضفة الغربية التي لها مصلحة في زعزعة الاستقرار هناك.وتخشى عَمان أيضاً من أن تبدأ إسرائيل بشكل أحادي في تنفيذ الخطة وتقوم بضم وادي الأردن، ومستوطنات أخرى حددتها الخطة، مما قد يؤدي إلى فصل الأردن عن الضفة الغربية.ومع ذلك، وبعد الإعلان الأولي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار فيه إلى أن إسرائيل ستحاول ضم الأراضي من جانب واحد، يبدو أن تلك التصريحات مرتبطة بشكل متزايد بالموافقة الأميركية المباشرة. وبعد الإعلان عن صفقة القرن بعدة أيام، استبعد جاريد كوشنر في مقابلة مع محطة "سي إن إن"" أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بهذه الخطوة.
كبح التعاون
وتخشى الحكومة الأردنية أيضاً من أن يؤدي الموقف الشعبي المنفعل إلى اضطرارها إلى كبح التعاون مع إسرائيل في مجالات حيوية مثل الطاقة والمياه والتجارة والتنسيق في المجال الأمني والعسكري، إذ يطالب البرلمان الأردني والنقابات العمالية والأحزاب الحكومة الأردنية بإلغاء بعض الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، مثل اتفاقيتي "الغاز" و"وادي عربة". ومع ذلك، ستحاول الحكومة الأردنية الحكومة الإيضاح للرأي العام أن الانسحاب من الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل سيضر بالأردن أكثر مما يضر بإسرائيل، وسيُفقد الأردن قدرته على التأثير في ملف القضية الفلسطينية، والأهم من ذلك فقدان موقعه باعتباره وصياً على المقدسات الإسلامية.تتأسس منهجية العمل الأردنية في مواجهة "صفقة القرن" على أساس تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، إذ سيعمل الأردن على تجنب الصدام مع الإدارة الأميركية، من خلال الفصل بين ملف العلاقات الاقتصادية والأمنية والحفاظ على الشراكة الأميركية في محاربة الإرهاب والتعاون الأمني وملف خطة السلام.وللأردن سجل جيد في هذا المجال، إذ أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، خلال زيارته للأردن في يناير 2018 ، في نهاية محادثاته مع العاهل الأردني: "اتفقنا أن نختلف مع الملك بشأن القدس"، وكان العاهل الأردني وقتها قد حذّر من عواقب الخطوة التي اتخذها الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واصفا إياها بـ "تهديد لاستقرار المنطقة".وفى إطار سعى الأردن لتعظيم مكاسبه، سيعمل الأردن على تكريس وجودة كوصي على المقدسات الإسلامية في القدس، وذلك وفقا للمادة 2/9من معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية، التي تم توقيعها في عام 1994. وتعيد خطة السلام بين الأردن وإسرائيل التأكيد على الوضع القائم في عام 1994، ولكنها تنص أيضاً على أنه يجب على السلطات الأردنية التشاور مع إسرائيل في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى، ومن المحتمل أن تمنح هذه الخطوة الأردن فرصة أكبر للتأثير على مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المقبلة.ومن المتوقع أيضاً أن يقوم الأردن بدور نشيط وفعال بمشاركة مجموعة من الدول العربية لخلق البيئة المناسبة لجمع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات، والعمل على إطلاق حوار جاد بين الطرفين، خاصة أن خطة البيت الأبيض للسلام قد دعت إلى وجوب الشروع في مفاوضات مباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ضمن إطار حل الدولتين، وهو الحل الذي يتبناه الأردن.توسيع بروتوكول التجارة
وإذا قدر لتلك المفاوضات أن تنطلق، يجب أن يعمل الأردن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية على الدفع بمصالحها الاقتصادية والسياسية، من خلال توسيع بروتوكول التجارة بين الأردن والضفة الغربية وتسهيل وصول الصادرات الأردنية إلى الأسواق الفلسطينية، وفِي مرحلة لاحقة إلى الأسواق الإسرائيلية، وزيادة حصة الأردن من مياه الشرب ضمن اتفاق أردني - فلسطيني.وما زال الأردن يمثل شريكاً لا غنى عنه في معادلة السلام، حيث يُظهر الأردن دائما اهتماما بحضور جميع الفعاليات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وهي طرف أساسي في معادلة السلام لا يمكن الاستغناء عنه. ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان استقرار الأردن، حيث إن استقرار الأردن أساسي لاستقرار الشرق الأوسط الكبير، ويتطلب ذلك أن تقوم الولايات المتحدة بتخصيص مساعدات مالية أكبر وتوصية شركائها في الخليج بزيادة الاستثمارات في المملكة، فالاستقرار الاقتصادي والسياسي في الأردن الذي يعتمد اقتصاده بشكل أساسي على المساعدات الخارجية، سيساهم في تهدئة الجبهة الداخلية وسيمثل حافزا للأردن للعب دور أكثر فاعلية وأكثر إيجابية في أي مفاوضات مرتقبة قد تنطلق ما بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني.*عبد الله صوالحة
عَمّان تخشى من أن تقود خطة ترامب إلى تهديدات أمنية ومخاطر استراتيجية تُخل بالسيادة الأردنية