إقرار القوانين الشعبوية يخرب توازن صناديق «التأمينات»
الحكومة عاجزة عن حماية القادمين إلى سوق العمل وأمان المتقاعدين
• على دول الخليج التوقف عن استهلاك الوقت والقيام حالاً باستدارة تنمية حقيقية
رأى «الشال» أنه لا بد من استعراض بعض تاريخ علاقة النفقات العامة وأسعار النفط، في غياب التفكير الجدي حول مستقبل الكويت، ويروي لنا تاريخ تلك العلاقة كيف تنفلت النفقات العامة غير المرنة والضارة كلما ارتفعت أسعار النفط الذي يمول نحو 90% منها، بينما تستمر في الارتفاع حتى مع هبوط أسعار النفط.
قال تقرير «الشال» الاقتصادي الأسبوعي، إن تقريراً لصندوق النقد الدولي ذكر قبل بضعة أسابيع، أن دول الخليج قد تفقد مدخراتها بحلول عام 2034، بعضها قبل ذلك التاريخ والآخر بعده، والأسبوع الفائت، قدرت وكالة «ستاندرد آند بورز» في تقرير أن بنوك الخليج قد تفقد درجتين من تصنيفها الائتماني على المدى الطويل بسبب ارتباط نسبة من قروضها بقطاعي النفط والغاز والاثنان فيما يبدو يفقدان تدريجياً أهميتهما.ولم يأت أياً من التقريرين بجديد، والواقع أنهما متأخران في خلاصتيهما، فالتحذيرات سبقتهما بأكثر من عقدين من الزمن، ولدى الحكومة تقرير قديم بنفس المعنى منذ يوليو 1987، ثم تقرير لماكنزي وتقارير لجان المسار الحكومي في تسعينيات القرن الفائت، ثم تقرير «توني بلير»في العقد الأول من الألفية الحالية، ثم تقرير ماكنزي لمشروع المنطقة الاقتصادية في الشمال في العام الفائت، وغيرها الكثير من التحذيرات الأخرى.ووفق الشال، واستكمالاً للتحذيرين، لا بد من استعراض بعض تاريخ علاقة النفقات العامة وأسعار النفط، في غياب التفكير الجدي حول مستقبل الدولة «الكويت»، يروي لنا تاريخ تلك العلاقة كيف تنفلت النفقات العامة غير المرنة والضارة كلما ارتفعت أسعار النفط الذي يمول نحو 90 في المئة منها، بينما تستمر في الارتفاع حتى مع هبوط أسعار النفط.
في السنة المالية 2002/2003، بلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي 25.8 دولاراً، وبلغت النفقات العامة وفقاً للحساب الختامي لنفس السنة المالية نحو 4.93 مليارات دينار. وفي السنة المالية 2018/2019 بلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي 68.5 دولاراً، وبلغت النفقات العامة وفقاً للحساب الختامي نحو 21.85 ملياراً.هذه الأرقام تعني، أن أسعار النفط ما بين السنة المالية 2002/2003 والسنة المالية 2018/2019 ارتفعت بنحو 2.7 ضعف، بينما ارتفعت النفقات العامة ما بين السنتين الماليتين بنحو 4.4 أضعاف، وذلك النهج الخطير يبدو أكثر وضوحاً عند المقارنة بين حركة أسعار النفط وحركة النفقات العامة ما بين السنة المالية 2011/2012 والسنة المالية 2018/2019. في السنة المالية 2011/2012، بلغ سعر برميل النفط الكويتي نحو 109.9 دولارات، وبلغت النفقات العامة الفعلية نحو 17 مليار دينار، وبلغ سعر برميل النفط الكويتي في السنة المالية 2018/2019 كما ذكرنا 68.5 دولاراً، وبلغت النفقات العامة الفعلية للسنة المالية المذكورة نحو 21.85 ملياراً، ذلك يعني أن أسعار برميل النفط الكويتي ما بين السنتين الماليتين المذكورتين فقدت نحو 37.7 في المئة من مستواها، بينما ارتفعت النفقات العامة لنفس الفترة بنحو 29 في المئة.وفي عودة إلى خلاصة تقريري صندوق النقد الدولي و»وكالة ستاندرد آند بورز»، وهما يقولان، إن أسعار النفط على المدى المتوسط إلى الطويل إلى انخفاض، ويكفي الإشارة إلى أنها انخفضت بنحو 37.7 في المئة في 8 سنوات، خلالها فشلت كل سياسات الإصلاح المالي، وبعجز مقدر بنحو 6.7 مليارات دينار للسنة المالية الحالية 2019/2020، وإسقاط تراكم العجز على المستقبل مع حتمية ارتفاع النفقات العامة غير المجدية وانخفاض أسعار النفط مع ارتفاع تكاليف إنتاجه وربما خفض الإنتاج لدعم الأسعار، لا يمكن إلا أن تكون النتائج كما ذكرها التقريران. وبالأمس، وبعد ما يفترض أنها رسالة تحذير للتقريرين حول مستقبل العجز المالي، وبعد نضوب سيولة الاحتياطي العام، بدأت حملة تخريب توازن صناديق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بإقرار قوانين شعبوية تطاولها في مداولاتها الأولى، ليصبح الخطر القادم ليس فقط على الصغار القادمين إلى سوق العمل، لكن ليشمل أمان المتقاعدين، والحكومة عاجزة تماماً عن حماية مستقبل الفئتين.والتقريران المذكوران الحديثان يحذران من استمرار اعتماد اقتصاد دول الخليج على النفط والغاز في زمن بات فيه كل من مخاوف البيئة والتقدم التقني في طريقهما إلى إضعاف أهمية مصادر الطاقة الأحفورية بما يعنيه ذلك من ضعف الطلب وخفض الأسعار، بينما تتزايد النفقات العامة الممولة بشكل رئيسي من إيرادات بيعهما.تقرير صندوق النقد الدولي بحكم الاختصاص أكثر شمولاً، يركز على ما تكرر التحذير منه، أي الخلل الهيكلي المالي، أو العجز عن تنويع مصادر تمويل المالية العامة بعيداً عن النفط، وهو ما عانته دول الخليج بدرجات متفاوتة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت، وتقرير «ستاندرد آند بورز» وإن استخدم نفس المنهج، لكنه يحصر اهتمامه في جزء من اختصاصه، أو تصنيف البنوك الخاضعة لتصنيفه، ويربط احتمال ضعف تصنيفها في المستقبل بدرجة ارتباط قروضها بقطاع الطاقة.ورغم أن الوكالة تمايز ما بين دولة وأخرى من زاوية نسبة التورط في تمويل قطاع الطاقة، فالتقرير يقدر تورط القطاع المصرفي في كل من السعودية وقطر بشكل مباشر مرتبط بالتزامات تمويل القطاع بنحو 15 في المئة من محافظها، بينما هي أدنى للكويت والإمارات وبحدود 10 في المئة، لكنه يعود إلى الشمولية عندما يربط الصعوبات التي تواجهها كل القطاعات المصرفية بالأثر غير المباشر، أي تأثر كل المقترضين الآخرين بشكل غير مباشر بشحة إيرادات النفط والغاز ومعها الدور الحكومي على كل تمويلاتها الأخرى، سواء كانت عقاراً أو تجزئة أو مؤسسات خاصة.أهمية هذين التقريرين ليست في خلاصتيهما، وإنما في بعدين آخرين، الأول أنهما خلافاً لتقاريرهما السابقة التي تغطي المدى القصير إلى المتوسط، ويخلصان فيها إلى ملاءة الوضع المالي لمعظم دولها، فإنهما هذه المرة يحذران مباشرة من مخاطر المستقبل الاقتصادي، وقد كتبنا كثيراً محذرين من خطأ قراءة خلاصة تقاريرهم المالية.البعد الآخر، هو أنهما تقريران بدلاً من أن يثيرا الفزع والعجز عن التصرف الصحيح، فمازال في الوقت متسع، علينا في دول الخليج الإفادة من التحذير والتوقف عن استهلاك الوقت الذي بات قصيراً جداً في الجدل حول ضرورة أو عدم ضرورة إجراء جراحة أو القيام حالاً باستدارة تنمية حقيقية. وللتذكير فقط، للكويت مشروعين متناقضين تماماً، أحدهما يتفق مع مخاوف التقريرين، والآخر مناقض تماماً يدعو إلى مزيد من التورط مع النفط وبكلفة بحدود 450 مليار دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 4 ملايين برميل يومياً، وعلى الكويت أن تحسم مسارها.