الأحياء الموتى! *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
في البدء وعند الاعتراف بأنهم قد خرجوا من حياتك تتألم جداً، وتجد وكأنهم في لحظة قطعوا الأكسجين عن رئتيك المتعبتين المليئتين بثقوب الأثر، حتى أنك تقوم بتمزيق صورهم في شرايين عقلك قبل قلبك، لأننا نعرف كم أن ذاك القلب لا يحتمل إلا تخزين الصور وكثيرا من المحبة. تتساءل: لماذا يرحل بعضهم سريعا وآخرون استطاعوا أن يمارسوا الخداع أو المراوغة لكل هذا الزمان؟ تدرك أن طرقكم قد افترقت منذ سنين، وأن كلاً منكم قد رسم خطاً بيانياً لحياته، لا يتشابه مع خطوطك المتداخلة، ولكنك تبقى تحتفظ لهم أو ربما لتلك الأيام التي كانت ببعض الود، حتى الود لا يطول بعد أن تلتقوا بعد غياب سنين طويلة، حتى تصورت أن الصور قد بهتت في الذكرة ولم يبقَ منها سوى شيء مما تركته السنون، حينها تحتضنهم وكأنك قد تركتهم بالأمس وتفرح جدا أن بعضهم لا يزال يتذكرك رغم أنك لم تنسهم أبداً، تصطدم ببعض الملامح المتغيرة هي آثار العمر أو محاولات لمحوها أو إخفائها! بعد القبل أو السلامات والمصافحات الحارة والسؤال التقليدي المكرر "كيف أنت؟" أو"أين أصبحت؟"، تُفاجأ بكلمات السخرية المرافقة لحماسك لبعض القضايا التي تعتبرها أنت قناعات غير مرتبطة بأي مرحلة بل صالحة لكل المراحل والأزمان، يقولون "آه ما زلتِ تتحدثين عن فلسطين والاحتلال؟"، بعد أن تتريثي في الإجابة لتستوعبي الموقف، وحتى لا يتحول اللقاء الأول بعد سنين إلى لحظة الموت المتكررة لكثير من المعارف والأصدقاء، القدامى منهم والحديثون! تتمالكين نفسك وتبتسمين وتردين أنت أيضا ببروج كبياض الثلج على سفوح جبال الألب "تصوري أنني لا أزال سجينة ذاك الزمن وتلك الأيام!!". بضع لحظات وتنتقل هي وصورها ومن معها تحت التراب، تدفنيني أنت وأولئك، أنت وهو غير القادرين على دفن أي حشرة، يستوقفكم بعضهم يريدون سرقة حتى ما تبقى من لحظات الزمن الجميل وحتى ما تبقى ربما من قناعات، هم تخلصوا من تلك المرحلة منذ سنين عندما عبروا الجسر وأصبح ما بينكم بحر وجزر متباعدة، هم قرروا أن مثلك يفسد عليهم ما يريدون تعريفه "بالنضج" الذي تفتقدين. إذاً فما عليك سوى أن تقبلي صفة المتحجرة فقط لأنك قد رفضت الأوصاف الجديدة لتلك الاحتلالات والانتهاكات والظلم. بعضهم يبقى بعد الموت حتما وآخرون يموتون وهم أحياء ولا عزاء لك ولا لهم سوى أنك قد حاولتِ أن تبقي الود الذي لا يمكن أن يفرق الأحبة مهما اختلفت آراؤهم وأخلاقهم.* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.