الخليج وتحديات القرن الـ21... رؤية استشرافية
أنتج تدفق الثروة الريعية الخليجية، عوامل أربعة: الأول: تدفق سيل بشري ضخم من العمالة الرخيصة المتدنية المهارة، بعد أن كان في الماضي محدوداً ومنظماً ومرتبطاً باحتياجات التنمية، لكن مع ارتفاع أسعار النفط، وتزايد المداخيل، والتوسع في المشاريع العمرانية، وعمليات التحديث الضخمة، وما تتطلبها من تطوير في البنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء ومجار، أصبح هذا التدفق، طوفاناً بشرياً، خانقاً للعواصم الخليجية.الثاني: كان لاستقطاب الاستثمارات الخارجية دور في اجتذاب المزيد من العمالة.
الثالث: ساهم نشوء طبقة جديدة من "الرأسمالية الطفيلية" التي حققت ثروات ضخمة في تزايد الطلب على العمالة، لاحتياجات مشاريعها التجارية والعمرانية المجسدة في ظاهرة الأبراج الشاهقة والمجمعات السكنية والتجارية.الرابع: أمام تزايد الثروات، وتعاظم الأطماع والمخاطر، وجدت دولنا نفسها بحاجة إلى حماية أمنها واستقرارها، فلجأت إلى تحالفات مع قوى دولية وإقليمية.هذه العوامل أفرزت تحديات جديدة أبرزها:1- تضاؤل العنصر المواطن في قوة العمل وضعف إنتاجيته، بسبب زيادة الاعتماد على الوافد، وضعف المخرجات التعليمية، وقصور برامج التأهيل، وإفساد مفهوم المواطنة، وفي ظل ضعف إنتاجية المواطن، يكون أي زيادة سكانية وافدة عبئاً إضافياً معطلاً للتنمية. 2- تفاقم الاختلالات السكانية: أصبحنا اليوم أقليات وغرباء في أوطاننا، نتيجة عشوائية استقدام العمالة لخدمة مصالح خاصة، وما لابسها من أوجه فساد، وما التجارة في (الفيز) وتزايد العمالة السايبة والمتسولين الذين تفيض بهم الشوارع إلا أحد مظاهر هذا الانفلات، التخوف من وصول المواطنين إلى %5 وتحول الهوية شعار نتغنى به، والانزلاق لمرض كراهية الأجانب، كما أوروبا علينا إحكام ضوابط الاستقدام قبل أن يجرفنا الطوفان، واستقطاب الكفاءات العربية المثرية للتنمية والهوية، وتجنيس المتميزين منهم، وممن ولدوا في الخليج. 3- تزاوج المال والسلطة "ما عدل وال اتجر في رعيته" حكمة الخليفة عمر، تلخص الوضع السياسي الاقتصادي الخليجي، وفي أدبيات التنمية تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي الخاص يفسده، كذلك عندما يكون صاحب السلطة رجل أعمال، لأنه يخل بقواعد التنافس الحر، كونه يتمتع بنفوذ لا يحظى به الآخرون، وما ظاهرة الأبراج الشاهقة والمجمعات السكنية المشكلة جزراً اجتماعية منعزلة، إلا نتاج هذا التلاقي بين مصالح متخذي القرار ورجال الأعمال، أصبح المواطن يسير في مناطق وفرجان ولا يشعر أنه في دولة خليجية! الخشية من تلاشي هوية العواصم الخليجية.4- تزايد حجم الفساد: لارتباطه باقتصاد الريع، وهو فساد كبير، يتعلق بالعمولات الكبيرة في المشاريع الضخمة، يحصل عليها متنفذون عبر الشركات العابرة للقارات، تجليات الفساد الخليجي عديدة، هذا تحد علينا تحجيمه، وإلا فإن "العافور" ملوث مدمر.5- أخلاقيات الزحام: أصبحت العواصم الخليجية مزدحمة، خانقة، متلفة للأعصاب، مفسدة للأخلاق، شديدة الصخب والإزعاج، نتيجة الفوضى المرورية، وهي أخلاقيات متخلفة، إذا لم تضبط بالقانون الحازم شقينا بها. 6- الخلاف الخليجي: فائض الثراء جعل الفرقاء في غنى عن بعضهم، وتقوى كل طرف بالخارج، وإذا أزمن الخلاف فلا مستقبل للمجلس.7- استمرار الاعتماد على مصدر أحادي ناضب: رغم كثرة الوعود بتنويع مصادر الدخل فإنه لا يزال شعاراً، ولا يزال الخليج عمراناً بلا اقتصاد (مشاريع عمرانية بلا عائد اقتصادي) مستقبل الخليج الاقتصادي مهدد، طبقاً للتقارير الدولية.8- تلويث البيئة: التكدس البشري في رقعة ضيقة، وكثرة الانبعاثات السامة من مركبات الحركة والنقل، والبواخر التي ترمي بالنفايات، رفع من معدل التلوث. السؤال: هل نحن بحاجة إلى كل هذا الكم من السيارات؟!المحصلة، تردي الجودة النوعية للحياة: كانت المحصلة، أن الخليجيين وبالرغم من ثرواتهم، لا ينعمون بحياة ذات جودة عالية، تتناسب وهذا الثراء، على مستوى الخدمات والمرافق العامة والبيئة النظيفة الجميلة الهادئة، وهذه تحديات تتطلب إعادة النظر في النمط التنموي الريعي السائد، عبر جعل السياسة خادمة للاقتصاد، الخليج ومستقبله أمانة في أعناقنا.* كاتب قطري