هناء عبدالخالق: اللغة لا تقتصر على الكتابة الأدبية والأسلوب يعبّر عن فكر الإنسان
صدر لها كتاب «فن التجهيز... إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي»
تسير أستاذة الفن وعلوم الفن في الجامعة اللبنانية الفنانة هناء عبدالخالق على نسق مميز، حيث أقامت 3 معارض فردية، وشاركت في العديد من المعارض المشتركة في لبنان والخارج، وعاينت تجليّات الفن في عواصم أوروبية، وأدركت أثر الأعمال الإبداعية بعدما درستها على المستوى، وصدر لها أخيراً كتاب «فن التجهيز... إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي»، الذي يعدُ إضافة قيمة إلى المكتبة العربية، فماذا قالت في هذا الحوار؟
• صدر لك أخيراً كتاب "فن التجهيز... إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي"، هل حاولت تقديم موضوع الفن التشكيلي بطريقة مفهومة لمتلقّ غير متخصص؟- كتابي هو كتاب أكاديمي متخصص بفن التجهيز، وهو فنّ من فنون ما بعد الحداثة، ويعتبر مرجعا لطلاب الفنون وللباحثين في هذا الفن، وحاولت جاهدة أن أبسّط الأسلوب، وأعتمد طريقة التسلسل التاريخي في الكتاب، ليستطيع القارئ من خارج الاختصاص فهمه، لذلك تبنَّى هذا الكتاب مرحلة ما بعد الحداثة في الغرب والظروف التي قادت إليها، والتي انبثق منها فن التجهيز وأسس هذا الفن ومرتكزاته، ليطرح من خلالهما إشكاليَّة التلقّي للعمل الفني المعاصر بشكلٍ عام، وفن التجهيز والمتلقي اللبناني بشكل خاص، مقارنة بعمليات التلقّي في الأدب والفن والاهتمام بها في الغرب، فكان السعي لرصد تلك الإشكاليَّة وماهية حلولها على صعيد التربية والثقافة الفنيَّة من جهة، والنقد الفني والإعلام من جهة أخرى.
الفنون الأدبية
•هل يمكن تحديد العناصر الأساسية في اللوحة التشكيلية كما يتمُ ذلك في الفنون الأدبية؟ هل لديهما لغة مشتركة؟- اللغة لا تقتصر على اللغة الكتابية في الفنون الأدبية، إنما أي أسلوب يعبّر به الإنسان عن فكره أو إحساسه يمكن وصفه بلغة قائمة بذاتها، فاللغة عبارة عن مجموعة من الألفاظ والكلمات والرموز والتجريدات والتعبيرات، وهي التي تقرّر إلى حد كبير محتوى الفكر الإنساني وإبداعه، فهما يتشاركان في معظم العناصر كالعاطفة والأفكار والخيال والصورة الفنية، أي الإحساس بتكامل العمل وتنظيم عناصره، لطالما سعى الفنان التشكيلي إلى المزاوجة بين الأفكار وتنوع التقنيات ليصوغ علاقات مترابطة بين العناصر التشكيلية، ويوازن بين أجزائها من خط ولون، توازن وإيقاع، أما فنان اليوم فقد تخلّى عن المفاهيم والمرجعيات التقليدية، ليصبح العمل الفني متميزاً بالتناسق الفكري والوحدة التخيلية، وليصبح جُلَّ الاهتمام بتقدير الشكل الجمالي من خلال الإتقان التقني والتجريب بالخامات وتوظيفها على السطح التصويري أو التركيبي، لإعطاء التنوع في الرؤية عبر الأساليب الفنية المتطورة، فأصبح جمال العمل الفني يترنح ويختال بين الجاذبية والتشويق وبين البساطة والتنويع.مكامِن القوة
• إلى أي مدى نجحت الحركة التشيكلية في تكوين الثقافة البصرية لدى الفرد العربي؟- المُتلقّي هو اللبنة الأساسيَّة لكلّ عملٍ فنيٍ، بغيابهِ يصيرُ هذا العمل غير ذي بالٍ، إذ من المُفترض أن يقوم بمُهمة تقييمية والاندماج به في الوقت ذاته، ويستطيع المُتلقّي من خلال احتجاجاته ومناقشاته وتشجيعاته أن يُنبّه الفنان إلى مكامِن القوة والضعف في عمله، لأنه هو الذي يخلق حالة التلقّي ويُفعّلها، وبرأيي إن تذوّق العمل الفنّي يحتاج إلى تربية وتدريب مستمر وثقافة كي يتكوَّن من خلالها المخزون المعرفيّ، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية، وليكتسب المُتذوّق قُدرة التذوّق الفنّي يقتضي ذلك الارتقاء به من خلال تحسين البرامج والمناهج التعليميَّة، وأن تنطلق خُطط التربية الفنيَّة من الواقع، لكن لا بُدَّ أن تتّصف بالمرونة كي تتجاوب مع مُستجدَّات العصر وتحوّلاته، إلى جانب دور الإعلام في نقل الصورة عن أنواع الفنون وتطورّها وتقنياتها وتفعيل الدور الاجتماعي الغائب في المعارض التشكيليَّة والمُعاصرة وتبقى مسؤولية الفنَّان جذب المُتلقّي وتشريع نوافذ الدخول بكل الأساليب إلى عمق عمله الفنّي، لكن السؤال هل تكوين الثقافة البصرية للمتلقي منوطة بالفنان فقط؟الشكل البنائي
• يعدُ الإيقاع أحد العناصر الأساسية في الشعر والموسيقى، أين دور الإيقاع في الفن التشكيلي؟- لاحظ الإنسان منذ العهود القديمة كيف تتمتع الطبيعة بقوانين خاصة من الممكن ملاحظتها في الشكل البنائي للإنسان، فبين ضربات القلب انتظام وبين النوم واليقظة إيقاع حياة، كذلك هي بنية الحيوانات والنباتات. صحيح أن كلمة إيقاع ارتبطت بالموسيقى، ثم امتدت لتطال الشعر، ولتصبح متداولة فى مجال الفنون المرئية والتشكيلية، ونظرا إلى تعدد هذه الفنون، فقد تنوعت واختلفت طرق معالجة الإيقاع في العديد من الأعمال الفنية في مختلف المجالات، وهي من المبادئ الأساسية في تكوين العمل الفني، ومن أهم الأسس الجمالية والإنشائية للتصميم الذي يعتمد التقابل والإيقاع والتناسب والوحدة والتنوع.كسب المال
• هل يوجدُ تواصل بين الفنانين في الدول العربية، كما نجدُ ذلك لدى الأدباء والسينمائيين وهم يقدمون مشاريع مشتركة؟- الفن هو جسر التواصل بين الفنانين في كافة الدول العربية والغربية من خلال المشاركة في المعارض والسمبوزيمات، لكننا اليوم نشهد تراجع في مستوى الفنانين المشاركين نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، واعتماد أغلب هذه المعارض والسمبوزيومات على الوجهة التسويقية في كسب المال من هذه الأنشطة دون وجود أي لجنة مختصّة لتقييم أعمال الفنانين المشاركين، إضافة إلى احتكار بعض الغاليريهات لأسماء معيّنة تسعى دائماً إلى تقديمها في البينالات والمعارض الدولية.الجيل التالي
•هل تعتقدين بأنَّ الثقافة التراثية كانت عاملا وراء عدم الاهتمام بالفن التشكيلي على المستوى الجماهيري؟- العمل الفني هو مجموع من الإنتاج الفردي يتفاعل مع المجتمع، أو ما يسمى بثقافة الجماعة لكل الأشياء والأفكار والمعارِف وأساليب السلوك والعادات والقيم التي ينقلها كلّ جيل في المجتمع إلى الجيل التالي، وتكون هذه (الثقافة) كلٌّ مُركَّب يشتمل على المعرفة والمعتقدات، وعلى الظروف المحيطة وما يشوبها من حروبٍ أو فساد وردود فعل الفنَّانين على تراجع القيم الإنسانيَّة.لكن ألا يُمكن القول إنَّ الحديث عن الثقافة التراثية باتَ واهياً؟ لما نشهده اليوم من انفتاحٍ فكريّ عزَّزته الوسائط التكنولوجيَّة الحديثة كالإنترنت والمواقع الإلكترونيَّة، وهذا ما يؤكّد ضعف القول بتأصيل المُمارسة الفنيَّة والتعمُّق بالتراث.المبادرة التثقيفية
• هل يمكن للأكاديميات والمؤسسات الجامعية أن تساهم في تنمية الذائقة الفنية؟- هناك ضرورة لا يُمكن إنكارها للتعليم والتثقيف البصري على المستوى الاجتماعي والتربوي هو وجود المتاحف، والتي لا تُعير الدولة في لبنان وزناً لهذه المبادرة التثقيفية المُهمَّة، وحثّ الطلاب بندرة وجود المتاحف إلى ارتياد المعارض الفنيَّة من قِبَل المناهج المدرسية، هذا يخلُق حالة من الوعي الفنّي والثقافيّ للطلاب في كافة المراحل التعليميَّة وخاصة الجامعيَّة منها. فالطالب الجامعي اللُّبناني يسيطر عليه الفراغ، فهو يدخل الجامعة وليس لديه أدنى فكرة عمَّا يختلج داخله من ميولٍ أو رغباتٍ، ولا يعرف في الغالب سوى المظاهر السطحيَّة، ونادراً ما تكون لديه ثقافة فنيَّة أو أدبيَّة بعيدة عن المنهج، وليس لديه أيّ اهتمام بتنمية معلوماته وتوسيع آفاقه، فلبنان بحاجة إلى إعادة النظر في تعليم الفنون وفي المنظومة التربويَّة من الكتاب، مروراً بالعمل الفنّي والفيلم السينمائي والمسرحية، لأن لبنان اليوم يعيش أزمة فكريَّة، فمعظم الجامعات تفتقر إلى الهدف، وهذا ينعكس على التعليم السويّ بشكلٍ عام.
لاحظ الإنسان منذ العهود القديمة كيف تتمتع الطبيعة بقوانين خاصة