الموت يغيّب مبارك ويطوي صفحة مميزة من تاريخ مصر
• الرئاسة المصرية والجيش ينعيان الرئيس الأسبق «بطل حرب أكتوبر» وحداد3 أيام
• 30 عاماً في الحكم بدأت بشعبية كبيرة ثم تراجعت بسبب الاقتصاد واتهامات التوريث
• تميز عهده بسياسة خارجية هادئة وإرساء توازن داخلي... ومواجهة الإرهاب
طويت صفحة حافلة من التاريخ المصري والعربي الحديث، برحيل الرئيس السابق حسني مبارك الذي غيّبه الموت صباح أمس، عن عمر ناهز 92 عاماً، حيث فاضت روحه في غرفة العناية المركزة بالمستشفى العسكري بالقاهرة، التي قضى بها الشهر الأخير من حياته، منذ إجرائه جراحة بالمعدة لم يتعاف بعدها حتى وفاته.ونعت رئاسة الجمهورية المصرية الرئيس الراحل، وقالت: تنعى رئاسة الجمهورية ببالغ الحزن رئيس الجمهورية الأسبق السيد محمد حسني مبارك، لما قدمه لوطنه كأحد قادة وأبطال حرب اكتوبر المجيدة، حيث تولي قيادة القوات الجوية اثناء الحرب التي اعادت الكرامة والعزة للأمة العربية. وتتقدم رئاسة الجمهورية بخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد".كما أصدر الجيش بياناً قال فيه: "تنعى القيادة العامة للقوات المسلحة ابنا من أبنائها وقائداً من قادة حرب أكتوبر المجيدة، الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية محمد حسنى مبارك، والذى وافته المنية صباح اليوم، وتتقدم لأسرته ولضباط القوات المسلحة ولجنودها بخالص العزاء، وندعو المولى سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته".
بدوره، نعى رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الرئيس الأسبق، وقال خلال الجلسة العامة للبرلمان: "ينعى مجلس النواب رئيس الجمهورية الأسبق لما قدمه لوطنه كأحد قادة حرب أكتوبر المجيدة، ويتقدم مجلس النواب بخالص المواساة والعزاء لأسرة الراحل، وندعو الله أن يتغمده برحمته". وأعلنت مصر الحداد ٣ أيام
رئاسة لثلاثة عقود
والرئيس الراحل هو الرابع في ترتيب الرؤساء المصريين، بعد محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات، وتعتبر فترة حكمه هي الأطول؛ إذ امتدت ثلاثين سنة كاملة منذ 1981 حتى تنحى عن منصبه يوم 11 فبراير من عام 2011 إلى المجلس العسكري بعد ثورة يناير.وحاز مبارك في السنوات الأولى لحكمه شعبية كبيرة، حيث بدأ رئاسته بإطلاق المعتقلين السياسيين واستقبالهم في قصره، ثم عمل على ترميم علاقات مصر العربية، حيث كانت البلاد تعاني عزلة اقليمية بعد معاهدة السلام مع اسرائيل، ثم انطلق في تشييد مشروعات البنية الأساسية والمدن الجديدة. واعتمد الرئيس المصري الراحل سياسة خارجية تتسم بالحذر والهدوء وعدم المخاطرة، وظل حليفا قويا للولايات المتحدة، ما جعله وسيطا كبيرا في عملية السلام العربية - الإسرائيلية، بينما اتخذ موقفاً قوياً ومشرفاً في رفض الغزو العراقي للكويت ومساندة الحق الكويتي حتى تم التحرير.وفي عام 1999، وافق مبارك على ضخ الغاز الطبيعي المصري الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية، فيما وصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك بـ "خط انابيب السلام".داخلياً، تمكن مبارك من الحفاظ على توازن بين السماح للقوى السياسية بالتواجد في الاعلام والبرلمان وتصديه للجماعات الارهابية التي شنت حملة عنف، خصوصا في محافظات الصعيد، وبلغت ذروتها بمحاولة اغتياله في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا سنة 1995 على أيدي تنظيم "الجماعة الإسلامية".سنوات التراجع
وتراجعت تدريجياً شعبية الرئيس مبارك بدءاً من عام 2005 بسبب الركود الاقتصادي وتململ الطبقات الفقيرة من نتائج خطط الاصلاح التي نفذها، بالتعاون من صندوق الدولي، بالإضافة إلى تجمع قوى المعارضة ضد الدور السياسي المتزايد لنجله الأصغر جمال، فنشأت حركات "كفاية" و"الجمعية الوطنية للتغيير" وحملات رفض "التوريث"، مما ساهم بالنهاية في اندلاع الانتفاضة الواسعة ضده، والتي نجحت في خلعه من الحكم.وانتقل مبارك عقب الإطاحة به للإقامة في منتجع شرم الشيخ، إلا أن الضغوط الشعبية المتزايدة نجحت في استصدار قرار بالقبض عليه مع نجليه علاء وجمال، لتتم محاكمته في عدة قضايا انتهت جميعاً بحصوله على أحكام بالبراءة، ما عدا قضية واحدة متعلقة بفساد مالي في ميزانيات القصور الرئاسية. ولاحظ المراقبون عودة شعبية الرئيس الراحل للارتفاع مجدداً في السنوات الخمس الأخيرة، حتى باتت أخباره وإطلالاته النادرة تحظى باهتمام بالغ.سيرة حافلة
وتمثّل سيرة حياة مبارك قصة صعود لجيل من المصريين، تولى المسؤولية بعد ثورة يوليو من عام 1952 التي أطاحت النظام الملكي، حيث وُلد في الرابع من مايو عام 1928 في قرية كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية- وسط الدلتا- شمال القاهرة، لأسرة بسيطة، إذ كان والده يعمل حاجبًا في محكمة طنطا، واسمه الكامل محمد حسني السيد السيد إبراهيم مبارك. وعقب انتهائه من تعليمه الثانوي في مدرسة المساعي المشكورة بمدينة شبين الكوم التحق بالكلية الحربية في القاهرة وحصل على البكالوريوس في العلوم العسكرية عام 1948، وما إن أعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة حتى تقدَّم مبارك لها واجتاز اختباراتها، وعندما تخرَّج منها حصل على بكالوريوس علوم الطيران عام 1950، ثم عمل بعد ذلك مدرساً في الكلية الجوية وكان مشهوراً بالحزم والانضباط العسكري الصارم. وتدرج مبارك في سلم القيادة العسكرية، فعين عام 1964 قائدا لإحدى القواعد الجوية غرب القاهرة. وتلقى دراسات عليا في أكاديمية "فرونز" العسكرية في الاتحاد السوفياتي. وفي نوفمبر عام 1967 عُين مديرا للكلية الجوية، في إطار حملة تجديد لقيادات القوات المسلحة المصرية عقب هزيمة يونيو 1967، ثم عين رئيسا لأركان حرب القوات الجوية المصرية، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى تعيينه سنة 1972 قائدا للقوات الجوية ونائبا لوزير الدفاع، ليشترك من موقعه في التخطيط لحرب أكتوبر 1973. وساهمت القوات الجوية تحت قيادة مبارك بدور أساسي في الحرب، حيث شنت غارات مكثفة على المواقع الاسرائيلية في شبه جزيرة سيناء المحتلة وقتها، فيما عرف بالضربة الجوية الأولى. وقد رقي مبارك في العام التالي للحرب إلى رتبة فريق، ثم اختاره الرئيس المصري السابق أنور السادات نائبا له في عام 1975.الصعود إلى الرئاسة
اشترك مبارك أيضا في جولات التفاوض مع إسرائيل حتى التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام التي وقعت عام 1979، كما ساهم بدور في ادارة الدولة من خلال منصبه كنائب للرئيس، حتى وقع اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، خلال عرض عسكري في السادس من أكتوبر عام 1981، حيث كان مبارك جالسا إلى جواره، حين تعرضت المنصة الرئيسية للهجوم الذي قتل فيه السادات، بينما نجا نائبه. وأدى مبارك في 14 أكتوبر 1981 اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، وأعيد انتخابه رئيسا للبلاد في استفتاءات شعبية عليه كمرشح أوحد أعوام 1987، و1993 و1999، إذ إن الدستور المصري يحدد فترة الرئاسة بست سنوات دون حد أقصى. وفي عام 2005 أقدم مبارك على تعديل دستوري جعل انتخاب الرئيس بالاقتراع السري المباشر وفتح باب الترشيح لقيادات الأحزاب، وأعيد انتخابه بتفوق كاسح على منافسيه.«حرب أكتوبر» ضمنت الجنازة العسكرية لمبارك
قال منير ثابت شقيق السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس الراحل إن رئاسة الجمهورية قررت أن تتولى الإشراف على كل ترتيبات الجنازة العسكرية من مسجد المشير طنطاوي في ضاحية التجمع الخامس حتى مقبرته التي تم تجهيزها على بعد كيلومتر واحد من المسجد.ومنذ تنحيه عام 2011 حتى وفاته صباح أمس، ثارت العديد من التكهنات والتسأولات عن أحقية الرئيس الراحل حسني مبارك في الحصول علي "جنازة عسكرية" الأمر الذي حسمه قانون صدر سنة 1979 ينص على تكريم كبار قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973 والاستفادة من الخبرات النادرة للأحياء منهم. الأمر الذي يؤكد أحقية الرئيس الراحل في تشييعه بجنازة عسكرية وفقاً للقانون.ورفضت محكمة القضاء الإداري نهاية العام الماضي، سحب الأوسمة والنياشين التي حصل عليها مبارك.هل سجّل مبارك مذكراته؟
منذ تدهور الحالة الصحية للرئيس الأسبق حسني مبارك تجدد الاهتمام في مصر بالسؤال عن حقيقة وجود مذكرات مكتوبة له من أجل توثيق الأحداث المصرية والعربية التي شارك بها، وقالت مصادر سياسية قريبة منه إنه سجّل بالفعل عدة ساعات فيديو لكنه لم يكتب مذكرات بالمعنى المعروف.آخر خطاباته الرئاسية: هذا الوطن فيه عشت... وعلى أرضه أموت
دائماً كانت الخطابات التي يوجهها الرئيس الراحل حسني مبارك تتسم بقوتها وبحسن أدائه لها، ومثّل الخطاب الأخير لمبارك قبل التنحي عن الحكم إلى الشعب حلقة فاصلة في تاريخ حكمه. حيث قال: "إنني رجل من أبناء قواتنا المسلحة، وليس من طبعي خيانة الأمانة أو التخلي عن الواجب والمسؤولية، وأقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن، أني لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة، فقد قضيت ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها، لكنني الآن حريص كل الحرص على أن أختتم عملي من أجل الوطن بما يضمن تسليم أمانته ورايته ومصر عزيزة آمنة مستقرة وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور".وتابع "إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها... إن هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية... فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه، وعلى أرضه أموت... وسيحكم التاريخ عليّ وعلى غيري بما لنا أو علينا... إن الوطن باقٍ والأشخاص زائلون... ومصر العريقة هي الخالدة أبداً... تنتقل رايتها وأمانتها بين سواعد أبنائها، وعلينا أن نضمن تحقيق ذلك بعزة ورفعة وكرامة جيلاً بعد جيل... حفظ الله هذا الوطن وشعبه".