القاهرة «الغاضبة» توقّع اتفاق سد النهضة
واشنطن تتعهد بمواصلة المفاوضات وتطالب بتأجيل الملء
عادت أزمة سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة مجددا، إذ سادت أجواء غضب مكتوم في القاهرة أمس، بعد تهرّب أديس أبابا من التوقيع على الاتفاقية النهائية حول السد، التي أعدتها الإدارة الأميركية، وكان يفترض أن يتم التوقيع عليها يومي 27 و28 فبراير الماضي، وبدأت مصر في بحث خياراتها لمواجهة المحاولات الإثيوبية لفرض الأمر الواقع مع بدء تشغيل السد وملء بحيرته مطلع يوليو المقبل، دون أي اعتبار للشواغل المصرية، مما يعني ضياع حقوق القاهرة التاريخية في مياه النيل، والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب، دون أي ضمانات باستمرار تدفّق مياه النيل الأزرق.وعلمت «الجريدة» أن السلطات المصرية بدأت في بحث جميع السيناريوهات المتاحة لمواجهة التعنت الإثيوبي، بما في ذلك خيار التصعيد دوليا، في حين حاولت «الخارجية» المصرية، في بيانها الصادر صباح أمس، التمسك بلغة الدبلوماسية حول جولة المفاوضات الأخيرة في واشنطن، إذ أكدت أن مشاركة مصر «في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي 27 و28 فبراير، جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذا للالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا 23 مارس 2015».وشدد «الخارجية» المصرية، على أن موقف مصر خلال مراحل التفاوض المضني على مدار السنوات الخمس الماضية، والتي لم تؤت ثمارها، اتّسم بحُسن النية وتوافر الإرادة السياسية الصادقة في التوصل إلى اتفاق يلبّي مصالح الدول الثلاث، لافتة إلى نجاح الولايات المتحدة والبنك الدولي في بلورة صياغة نهائية للاتفاق، تشتمل على قواعد محددة لملء وتشغيل السد، وإجراءات مواجهة حالات الجفاف والجفاف الممتد، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية.
وكشفت القاهرة عن توقيعها «بالأحرف الأولى» على الاتفاق المطروح، تأكيدا لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده، ومن ثم فإن مصر تتطلع إلى أن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في إعلان قبولهما بهذا الاتفاق، والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت، باعتباره اتفاقا عادلا ومتوازنا ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث»، وقالت إن التوقيع على الاتفاق جاء في ضوء «ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية، وضمان عدم الإضرار الجسيم بها».وعبّرت «الخارجية» المصرية عن أسفها «لتغيّب إثيوبيا غير المبرر عن هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات»، لكنّها أكدت أن أجهزة الدولة المصرية ستستمر في «إيلاء هذا الموضوع الاهتمام البالغ الذي يستحقه، في إطار اضطلاعها بمسؤولياتها الوطنية في الدفاع عن مصالح الشعب المصري ومقدراته ومستقبله بالوسائل المتاحة كافة».
الموقف الأميركي
وكشفت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان لها صدر أمس، عن تفاصيل ما جرى في واشنطن مع الوفدين المصري والسوداني، في ظل غياب الجانب الإثيوبي، الذي اعتذر بحجة عدم الانتهاء من المشاورات مع الشركاء في الداخل، مفضّلة الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الداخلية المقررة في أغسطس المقبل.وأجرى وزير الخزانة ستيفن منوتشين لقاءات منفصلة مع وزراء خارجية ومياه مصر والسودان، وأعرب بعدها عن تقدير واشنطن لاستعداد الحكومة المصرية للموافقة على الاتفاقية، وتوقيعها بالأحرف الأولى لإثبات التزامها، وتتطلع واشنطن لاختتام إثيوبيا مشاوراتها الداخلية لإفساح المجال للتوقيع على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن، لكنّه شدد على ضرورة عدم البدء في ملء خزان السد قبل التوصل إلى اتفاق.وأعلنت وزارة الخزانة أن الإدارة الأميركية سهلت إعداد اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، بناء على الأحكام التي اقترحتها الفرق القانونية والفنية في مصر والسودان، بمساهمة فنية من البنك الدولي، وأن العمل المنجز خلال الأشهر الأربعة الماضية أسفر عن اتفاق يعالج جميع القضايا بطريقة متوازنة ومنصفة، مع مراعاة مصالح البلدان الثلاثة، وأن الاتفاقية بشكلها الحالي تضع حلولا لجميع القضايا العالقة حول ملء وتشغيل السد.سيناريوات مصرية
في غضون ذلك، أعرب عدد من المتخصصين المصريين عن عميق استيائهم من المراوغة الإثيوبية المكشوفة لتضييع الوقت، وصولا إلى فرض سياسة الأمر الواقع مع بدء ملء سد النهضة في يوليو المقبل، إذ قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان لـ «الجريدة»، إن أديس أبابا تنتهج سياسة دفع الأمور إلى حافة الهاوية، بما يعرض منطقة النيل الشرقي إلى حالة صراع ليست في مصلحة أحد.وتابع رسلان: «أديس أبابا بانسحابها الفعلي من مفاوضات واشنطن تكون قد انتهكت إعلان المبادئ الموقع في 2015، ونقضت كل ما تم الاتفاق عليه، فالطرف الإثيوبي لا يريد أي محاولة تمنعه من التحكم المنفرد في مياه النهر، مما يعني نقل الأزمة إلى مستويات جديدة تكشف أديس أبابا في نيتها الحقيقة لاحتكار أكثر من ثلث مياه نهر النيل، والدخول في مجال تسعير المياه وبيعها لمن يرغب وليس مجرد توليد الكهرباء كما تدعي أديس أبابا».وقال خبير المياه الدولية، مستشار وزير الري الأسبق، ضياء القوصي، لـ «الجريدة»، إن «مصر الآن باتت حرّة في اتخاذ الإجراءات التي تحفظ مصالحها، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لطلب التحكيم الدولي»، بينما شددت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أماني الطويل، على ضرورة مواصلة القاهرة ضغوطها على الإدارة الأميركية لكي تضغط بدورها على إثيوبيا للعودة إلى طاولة التفاوض والتوقيع، وتابعت: «إذا لم تستجب أديس أبابا، فلا بدّ من أن تتحرك الدبلوماسية المصرية لحفظ حقوقها المائية».وأكدت مديرة البرنامج الإفريقي أن مصر أمامها طريقان يجب أن تسير فيهما للحفاظ على حقوقها المائية؛ الأول باللجوء إلى مجلس الأمن بتقديم شكوى مدعمة بالمستندات والوثائق المتعلقة بمسار المفاوضات، وما قدمته مصر عبرها من حُسن نية، فضلا عن الاستعانة بشهادة الولايات المتحدة والبنك الدولي، باعتبارهما مراقبين للجولات الأخيرة من التفاوض، والثاني هو تفعيل المجتمع المدني لمخاطبة الرأي العام العالمي لشرح الموقف المصري وعدالته بالأدلة لإيجاد قاعدة دولية مؤيدة لتحركات القاهرة.