• إلى جانب الاختزال والتكثيف... ما الذي يجب أن يتوافر من قدرات لدى كاتب القصة القصيرة جداً؟

Ad

- إن القصة القصيرة جداً تفرض نوعاً من التشذيب إلى جانب الاختزال والتكثيف عبر انتقاء معجم يتواءم والمساحة النصية الضيقة وزمن السرد حتى يكتسب القصر فاعلية الإحاطة والعمق الكفيلين بنقل القارئ من اللغة إلى الخطاب كرسالة عابرة لحواجز اللغة.

صرح الإنسانية

• برأيك ما المستهدف من النص الإبداعي سواء طال أم قصر؟

- برأيي، كل إبداع سواء كان نصاً قصيراً أو طويلاً يستهدف الإسهام في تشييد صرح الإنسانية، لا أقصد بهذا المفهوم توليفة كوليردج (Samuel coleridge) حول عصر النهضة، ولا حرية الاختيار في متون فلسفة سارتر، بل أعني بذلك تحرر الإنسان من كل قيود الاستبداد المادي والمعنوي، فالإنسان في أوطاننا طاعن في العبودية، والإبداع إضاءات تنير الطريق متى استطاعت لذلك نوراً.

«الإنسان والباقي»

• تمارس الفن التشكيلي وتعمل بتدريس التاريخ... إلى أي مدى انعكس ذلك على نصك؟

- أنا أرسم بقلمي، وأكتب بفرشاتي موضوعاً واحداً، لهذا فنصوصي ألوان، ولوحاتي نصوص، أما علاقة التاريخ بنصوصي الإبداعية، فأنا أكتب للإنسان، والتاريخ هو "الإنسان والباقي"، هكذا تكلم فرنان بروديل، وهو التعبير عن ميولات الإنسان كما عدلها الزمان والمكان على حد تعبير هردر، وهو التقدم عبر مسار الحرية كما ذهب إلى ذلك فريدريش هيغل، والتاريخ أصيل في الحكمة حسب توصيف ابن خلدون، هذا ما تمتحه نصوصي من معين التاريخ.

ما قبل حداثي

• لماذا تُتهم الأنماط الأدبية الحداثية بأنها مجال مفتوح لدخلاء يتعالون على القارئ بالتلغيز وغموض النص؟

- في أوطاننا نكتب نصوصاً حداثية وما بعد حداثية، ونحن نعيش في واقع ما قبل حداثي، فالحداثة تروم تفسير الكون بطريقة عقلانية، وما بعد الحداثة هو ردة فعل ضد الحداثة نفسها، وتروم تقويض السرديات الكبرى.

أما الواقع الذي نعيشه، وبحكم هذا التعارض والتبعية فقد ظهرت أنماط أدبية تلغز المعنى بذريعة أن الفكرة متعالية في النص، وهذا اختباء وراء ميشيل فوكو، وتتبنى الغموض بذريعة أن المعنى ليس قاراً في النص، وهذا اختباء آخر وراء جاك ديريدا، وتتهرب من العمق بذريعة أن النصوص قادرة على إحداث تأويلات لا نهائية، وهذا اختباء ثالث وراء أمبيرتو إيكو، ومن هنا جاء التلغيز والغموض واتسعت دائرة الاتهام.

«الكوميديا الإلهية»

• ماذا يعني النص الناضج بالنسبة إليك؟ ومتى شعرت ببلوغك هذه المحطة الإبداعية؟

-لا يوجد نص بشري ناضج بالمعنى الفكري، وإذا قلنا بذلك فسنقع في منزلق ابستمولوجي نقر فيه بنهاية التاريخ كما ذهب إلى ذلك فوكوياما، ونحكم على العقل البشري بالركون إلى منجز لا يقبل النقد فإلى عهد قريب كانت بعض النصوص مثل "الأوديسا والإلياذة" و"الكوميديا الإلهية" وغيرها سرديات متعالية، لكن العقل البشري أزال عنها حجاب الهيبة وواصل الإبداع، ومن هذا المنطلق أنا لم أبلغ النضج قط، وهذا لا ينفي الرغبة في الوصول إلى الأفضل.

الفكر والسلوك

• ما سر تجول نصوصك في عوالم تبدو متناقضة، حتى في أجوائها بين البادية والمدينة؟

- أعتقد أنه ليس تناقضاً بالمعنى الماركسي للكلمة، بل هو اختلاف بتعبير جيل دولوز (Gilles Deleuze) يطمح إلى تغيير بنية الوعي، ويحتاط من كل وحدة تنمط الفكر والسلوك في قالب موحد، لأن بناء صرح الإنسية لا يتساوق والشموليات.

مساحة شاسعة

• ألا يبدو غريباً أن يكتب أديبٌ متخصص في (ق.ق.ج) نصاً روائياً، ألم تسيطر عليك رغبة تكثيف النص حين كتبت - مثلاً - روايتك "الطيور تغني كي لا تموت"؟!

-أن تكتب داخل مساحة شاسعة أو ضيقة فهذا ليس مهماً في نظري، الأهم هو ماذا تكتب. حقيقةً أجد نفسي أسير التكثيف وأنا أكتب الرواية، لكن لا أجد نفسي مقيداً وأنا أمارس شغب الكتابة مستهدفاً بناء الذات، لا التطابق معها، فـ"الطيور تغني كي لا تموت" رواية على محمل القص القصير، لكنها متماهية مع النص الوحيد الذي أشتغل عليه منذ عقود.

القراءة والكتابة

• بعد مجموعتك القصصية الأخيرة "عندما يزهر الحزن" (2018) ماذا تخفي في جُعبتك الإبداعية؟

- أنا متورط من رأسي إلى أخمص قدمي في القراءة والكتابة والرسم متى استطعت لذلك سبيلاً، أما عن سؤالكم فإنني أكتب قصصاً قصيرة جداً ثم أمزقها في انتظار أمر ما، وفي نفس الوقت أشتغل على رواية "في انتظار بائعة الورد"، وهو عنوان مرحلي، بطلها شابٌ ناقم على الواقع، اعتزل في مكان قصي، يحكي وينتظر حبيبته بائعة الورد، وهي إحدى ترميزات الحرية.