كورونا البريئة من طائفيتكم *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
كل ذلك قد يبدو مبرراً إلى أن قالت لي تلك الزميلة الصينية إنها كانت تتمشى في الشارع فراح الناس يشيرون لها مرددين كورونا كورونا، ورددت أنها لا تلومهم، فالإعلام قد أثار رعبهم ووسائل التواصل الاجتماعي نشرت مقاطع بشعة لكيفية مكافحة الكورونا من قبل السلطات الصينية، وهو أمر لا يبدو إلا أنه إبداع لعقل مريض، وهذا العقل المريض لم يتوقف عند الصور والسخرية والعنصرية ضد الصينيين، فما إن أعلنت إيران عن حالات من الإصابات حتى سيّس الفيروس البريء من طائفية مقيتة تم غرسها في عقول الصغار قبل الكبار، وراح الكثيرون، ودون خجل، يرسلون الرسائل على وسائل التواصل يطالبون بالعزل، وهم يغمزون من صوب طائفة معينة، ويسقطون الكراهية التي تم حقنها على مدى سنوات لتشمل الشعوب لا الحكومات فقط. فقد تختلف دولتان أو حكومتان حول أمور سياسية، ولكن ما ذنب الشعوب فيما يحدث، خصوصاً وأن لا حول ولا قوة لمثل هذه الشعوب في صنع القرارات السياسية أو الاقتصادية ولا حتى الاجتماعية، بل لا حيلة لهم في رفض طريق يشق حيهم بالنصف أو طريق يسد ليوفر لمسؤول أو متنفذ ما مساحة أكبر لحديقة في بيته أو حتى الاستيلاء على حديقة عامة!لم يتبقَّ إلا أن يقوم بعضهم بطرح السؤال «هو فيروس كورونا شيعي أم سني؟»، وهذا هو السؤال الذي لا يطرح بشكل صريح، بل بطريقة مواربة لنفي الطائفية عن فئات واسعة من مجتمعاتنا، تلك التي افترسها فيروس الطائفية قبل هذا الفيروس «المسكين» الذي هو لا يتعدى أن يكون من «عائلة» الإنفلونزا، وكل ما يمكن القيام به لتفاديه هو النظافة ثم النظافة والابتعاد أو عزل المصابين، ولكن هل لدى حكوماتنا ووزارات الصحة في منطقتنا والعالم مصل ضد الطائفية والعنصرية واستخدام ما يحمله القاموس العربي والإنكليزي من تعابير بذيئة خارجة عن تراثنا وتقاليدنا ولغتنا الجميلة التي شوهها البعض؟ للحظة يتخيل المرء أن العائدين من العمرة قد أصيبوا بهذا الفيروس، فهل ستقبلون أنهم هم من وضعوا فيديوهاتهم ومقولاتهم المليئة «بالحكمة» على وسائل التواصل هل يتقبلون المعاملة ذاتها من رفض الآخر والتعامل معه وكأنه مواطن درجة ثانية أو حتى السخرية؟ كورونا التي فضحت طائفيتهم وعنصريتهم لا يمكن إلا أن تكون مفيدة لفضح هذا المرض والبحث عن حل سريع وإلا ستكون طائفيتنا أكثر فتكاً وقتلاً وموتاً من أي فيروس. * ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية