ساد الرعب بلاد العالم ويتابع الجميع الأخبار القادمة من وزارات الصحة أو منظمة الصحة العالمية عن أعداد الإصابات الجديدة بفيروس الكورونا، ساد الخوف ربما لعدم المعرفة بهذا الفيروس، أو لأن الإعلام كعادته اصطاد قصة جديدة تزيد عدد المشاهدين أو المتابعين، حتى أنه في الدول الأكثر ديمقراطية، حيث المحاسبة سيدة الموقف ولا تستطيع أي حكومة أن «تكذب» أو «تزور» أو «تخفي» الحقائق، أفرغت المتاجر من المأكولات، حتى الشوكولاته أصبحت من المواد التي تعد ضرورية لتخزينها خوفاً من اليوم الذي يطالَبُ به الجميع بالالتزام في البقاء في منازلهم.

الخوف هو أكثر المشاعر قوة، ولا مناعة للكثيرين منه، الخوف من التغيير من المرض من الطبيعة عندما تغضب من أي قادم جديد، ولذلك فقد كان الخوف هو من ثبت حكماً لسنين طويلة، وعندما تعمل حكومات أيضا عبر أدواتها المختلفة على تخويف شعوبها من أي جديد أو أي محاولة للتغيير، وبذلك بالإمكان كتم أي آراء مختلفة أو مشاعر بالغضب نتيجة سياسات مجحفة أو حتى تململ من اقتصاد ينهار تحت مرض الفساد المستشري، ينهمك الأفراد في أمورهم الحياتية الآنية، وكحكوماتهم يترك القادم على الله! حتى أصبحت القدرية هي أكثر الوسائل المساعدة على تأقلم الأفراد وتقبلهم لحياة من اللهث خلف تدبير الأساسيات وقروض في البنوك والاتكالية.

Ad

لكل ذلك استطاع فيروس كورونا أن ينشر الذعر، فأوقفت المدارس وألغيت المؤتمرات وأفرغت المراكز الثقافية من زوارها، وأصبح المنزل هو المأوى الأول والأخير الذي يلوذ به كل أفراد العائلة ويبتعدون عن الزيارات مع استمرار الغزوات على السوبرماركت والمتاجر التي كانت تكدس المواد الغذائية وخاصة المعلبات، فالبعض ينذر أن الكورونا الشيطانة ستتحول الى وباء بشكل سريع.

كل ذلك قد يبدو مبرراً إلى أن قالت لي تلك الزميلة الصينية إنها كانت تتمشى في الشارع فراح الناس يشيرون لها مرددين كورونا كورونا، ورددت أنها لا تلومهم، فالإعلام قد أثار رعبهم ووسائل التواصل الاجتماعي نشرت مقاطع بشعة لكيفية مكافحة الكورونا من قبل السلطات الصينية، وهو أمر لا يبدو إلا أنه إبداع لعقل مريض، وهذا العقل المريض لم يتوقف عند الصور والسخرية والعنصرية ضد الصينيين، فما إن أعلنت إيران عن حالات من الإصابات حتى سيّس الفيروس البريء من طائفية مقيتة تم غرسها في عقول الصغار قبل الكبار، وراح الكثيرون، ودون خجل، يرسلون الرسائل على وسائل التواصل يطالبون بالعزل، وهم يغمزون من صوب طائفة معينة، ويسقطون الكراهية التي تم حقنها على مدى سنوات لتشمل الشعوب لا الحكومات فقط.

فقد تختلف دولتان أو حكومتان حول أمور سياسية، ولكن ما ذنب الشعوب فيما يحدث، خصوصاً وأن لا حول ولا قوة لمثل هذه الشعوب في صنع القرارات السياسية أو الاقتصادية ولا حتى الاجتماعية، بل لا حيلة لهم في رفض طريق يشق حيهم بالنصف أو طريق يسد ليوفر لمسؤول أو متنفذ ما مساحة أكبر لحديقة في بيته أو حتى الاستيلاء على حديقة عامة!

لم يتبقَّ إلا أن يقوم بعضهم بطرح السؤال «هو فيروس كورونا شيعي أم سني؟»، وهذا هو السؤال الذي لا يطرح بشكل صريح، بل بطريقة مواربة لنفي الطائفية عن فئات واسعة من مجتمعاتنا، تلك التي افترسها فيروس الطائفية قبل هذا الفيروس «المسكين» الذي هو لا يتعدى أن يكون من «عائلة» الإنفلونزا، وكل ما يمكن القيام به لتفاديه هو النظافة ثم النظافة والابتعاد أو عزل المصابين، ولكن هل لدى حكوماتنا ووزارات الصحة في منطقتنا والعالم مصل ضد الطائفية والعنصرية واستخدام ما يحمله القاموس العربي والإنكليزي من تعابير بذيئة خارجة عن تراثنا وتقاليدنا ولغتنا الجميلة التي شوهها البعض؟ للحظة يتخيل المرء أن العائدين من العمرة قد أصيبوا بهذا الفيروس، فهل ستقبلون أنهم هم من وضعوا فيديوهاتهم ومقولاتهم المليئة «بالحكمة» على وسائل التواصل هل يتقبلون المعاملة ذاتها من رفض الآخر والتعامل معه وكأنه مواطن درجة ثانية أو حتى السخرية؟

كورونا التي فضحت طائفيتهم وعنصريتهم لا يمكن إلا أن تكون مفيدة لفضح هذا المرض والبحث عن حل سريع وإلا ستكون طائفيتنا أكثر فتكاً وقتلاً وموتاً من أي فيروس.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية