هبطت أسعار النفط بنهاية الأسبوع الماضي إلى أن كسرت حاجز الخمسين دولارا، ومن المرجح أن تصل إلى قرابة الثلاثين دولارا خلال أسابيع، إذا تفاقمت أزمة وباء كورونا الذي أثّر على منظومة التجارة والصناعة العالمي وأجبر وكالات ومنظمات العالم الاقتصادية لخفض توقّعاتها للنمو الاقتصادي العالمي، فمنها من خفض نسبة النمو بـ 0.1 في المئة، بل ذهب البعض ليخفض النسبة بـ 0.5 في المئة، الأمر الذي قد ينذر باحتمال حدوث كساد اقتصادي عالمي.وبما أن النفط هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، فقد انعكس ضعف الاقتصاد العالمي على الطلب العالمي للنفط، وانهار سعره، ولكن الانهيار لم يكن على قدر الحدث، حيث إنه من المتوقع أن ينهار سعر النفط بنسبة أكبر قد تدفع سعر النفط الى مستويات الثلاثين دولارا خلال أيام، إلا أن العالم ينتظر ما ستفعله منظمة أوبك+ في اجتماعها الأسبوع الجاري.
ولا أخفي عليكم أن روسيا والسعودية كل لديها وجهة نظر مختلفة للتعامل مع الموقف، فروسيا ترى أنه لا حاجة إلى مزيد من خفض إنتاج المنظمة والسعودية تدفع بقوة الى تخفيضات إضافية قد تصل الى مليون برميل يوميا، لذا تقف أسعار النفط رهينة نتائج الاجتماع.وعلى المستوى المحلي، تنظر وزارة المالية إلى السوق النفطية بألم شديد، حيث إن خسارة دولار واحد تضيف إلى العجر المقدر بـ 9.2 مليارات دينار، نحو 235 مليونا، فإذا ما استقر متوسط أسعار النفط لسنة 2020-2021 على 40 دولارا ستسجل الموازنة عجزا ماليا يقدر بـ 12.65 مليار دينار، ويعتبر هذا التقدير للعجز طموحا في حال استمرت الأزمة، وقد نرى العجز يتفاقم ليصل الى 16.8 مليار دينار إذا دخل العالم في كساد اقتصادي لهذه السنة.لذا على الكويت أن تعمل جاهدة على قدم وساق لوضع خطط قصيرة وبعيدة المدى لتفادي مضاعفات هذه الأزمة التي ما هي إلا نتيجة طبيعية لدول مصدر الدخل اليتيم (النفط)، كي لا تتحول الكويت الى "فنزويلا الشرق الأوسط".فعلى المستوى القصير المدي، يجب على الدولة إقرار قانون الدَّين العام الجديد، ووقف استقطاع صندوق الأجيال القادمة، وفرض ضرائب على الشركات المحلية والأجنبية، وعليها إعادة النظر في الرسوم المحصّلة نظير الانتفاع بأراضي ومرافق الدولة الصناعية والزراعية والتجارية. أما على المدى البعيد، فمن الاستراتيجيات المتاحة لنا، بفضل الوفرة المالية وتوافر النفط والغاز بكلفة قليلة، الدخول في مجال الصناعات الثقيلة كالحديد والألمنيوم والبلاستيك والصناعات البتروكيماوية المتنوعة، فالكويت خاصة تملك ميزة تنافسية ليست متوافرة لكثير من الدول، وهي مصدر الطاقة الرخيص ووفرته الهائلة، وهذا يعطينا – إن نجحنا – في توفير هذه السلع الصناعية بأسعار تنافسية أقل بكثير مما تقدمه تلك الدول التي ستعاني كلفة الإنتاج لأمور عديدة، مثل ارتفاع الأجور والضرائب وكلفة المواد الخام وكلفة مصدر الطاقة الذي يعدّ المحرك الرئيسي لتلك الصناعات الضخمة.بالإضافة إلى رأس المال ومصدر الطاقة – المتوافرين لدينا - يحتاج تطوير تلك الصناعات الى الأيدي العاملة والخبرات الصناعية للنهوض بتلك الصناعات، وهذا أمر ليس صعبا، نظرا لوفرتهما في السوق العالمية، ونستطيع جذبهما بسهولة، ولنا في دولتي الإمارات وقطر عبرة ودروس نستفيد منها في كيفية جذبهما. ولا أغفل عن توفير مصادر نقل لإيصال تلك المنتجات الى السوق العالمية، فنحن، في دول الخليج، علينا أن نطور وسائل نقلنا البرية والبحرية لتسهيل توصيل تلك المنتجات للسوق العالمية. ومن الفوائد العظيمة لخلق تلك الصناعات، ولادة طبيعية للخدمات المساندة التي تدعم ديمومة تلك الصناعات، مثل الصناعة اللوجستية والمصرفية والمعرفية والتكنولوجية والحرفية، كما أن الصناعة الزراعية والغذائية ستحظى بنصيب من التطور والازدهار.أضف الي ذلك كمية الاستثمارات الخارجية التي تطمع في المشاركة بأسواقنا الناشئة، فضلا عن تغيير ديموغرافي في سوق العمل المحلي ومخرجات التعليم، وتوفير فرص عمل للأجيال القادمة من أبناء شعوبنا.
مقالات
وجهة نظر: كي لا تتحول الكويت إلى فنزويلا الشرق الأوسط
03-03-2020