إدارة الأزمات بالارتجالية
تعثر واضح وقعت فيه وزارة الصحة في بداية تعاملها مع أزمة انتشار فيروس كورونا، ارتباك في القرار ورؤية غير محددة وفقدان القيادة، وكانت الطامة عندما تدخل النواب في القرار الفني البحت، ثم تصريحاتهم الفوضوية عن هذا الموضوع مما أثار حفيظة المجتمع، وتصاعدت ردة الفعل ضد وزير الصحة شخصياً حتى أعلن أكثر من نائب عزمه توجيه الاستجواب للوزير إثر تلك المواقف.الارتجالية والتعثر كانت واضحة أيضاً في جهات أخرى، فالموانئ والمنافذ الحدودية والطيران المدني والخطوط الكويتية كلها تباطأت في اتخاذ قرارها بشأن التعامل مع انتشار الفيروس، خصوصاً في إيران والعراق، التعامل مع آلاف العائدين من السفر والمواطنين في الخارج، متابعة المخزون الغذائي ومواد الصحة العامة داخلياً، والرقابة على الأسعار بدأت بعدما اشتكى الناس من تلاعب بعض الصيدليات والموردين بالمستلزمات الطبية كالكمامات والقفازات، تلفزيون الكويت كان غائباً عن الحدث تماماً، وأما القطاع الخاص فحدّث ولا حرج، فقد كشفت الأزمة عن غياب فاضح للمشاركة الاجتماعية لهذا القطاع، وبالتحديد المستشفيات الخاصة والعيادات والصيدليات، حيث لم نر أو نسمع منهم أي مشاركة ذات قيمة سواء من دعم جهود وزارة الصحة أو المشاركة بتوفير مواد أو معدات أو مساندة فنية واستشارية أو حتى في أعمال توعوية للناس، وقس على هذا باقي القطاعات التجارية كشركات الاتصالات والنقل والأغذية إلا قليل جداً مما لا يرقى إلى حجم العمل الوطني البارز ما عدا اجتهادات الجمعيات التعاونية المقدرة فعلاً.
لاحقاً استوعبت وزارة الصحة الصدمة، ولملمت صفوفها وتصدر الأطباء والمختصون المشهد، والتزمت الوزارة بمؤتمر صحافي يومياً بكل شفافية، وظهرت جهود العاملين في المستشفيات ومواقع الحجر والمطار والجمارك والجهات الأخرى كمفتشي وزارة التجارة وأفراد وزارة الداخلية والبعثات الدبلوماسية والخطوط الكويتية، ثم بدأت باقي الجهات الحكومية في المبادرة للمشاركة في مواجهة الأزمة الطارئة، وإن كانت أيضاً جهوداً مشكورة لكنها مفككة ومترددة، وتكشف عن انقطاع الاتصال بينها كما حصل في موضوع إجازة التربية مثلاً، وتجميد بصمة الدوام وانفراد مجمع الوزارات في فحص المراجعين من بين كل الجهات الحكومية الكبرى كالتأمينات والبطاقة المدنية وبرج التحرير.الخلاصة، أن أزمة كورونا كشفت غياب الاستعدادات الحكومية للطوارئ العامة، فلا توجد خطة جاهزة ومعدة سلفاً للتعامل مع هذه الأحداث، ولا توجد قيادة مركزية للطوارئ تجمع كل الجهات المعنية وتعمل وفق نظام معروف ومحدد الخطوات، ولا توجد رؤية إعلامية قيادية قادرة على إدارة المشهد وتوجيه المجتمع ونقل المعلومة الصحيحة للعامة، لم نر تنسيقاً مع دول مجلس التعاون لتنفيذ سياسة موحدة للأزمة، لا توجد نظرة لما هو مطلوب من القطاع الخاص توفيره للدولة وقت الأزمات، وبالرغم من تحسن الأمور فما زلنا في منتصف هذه الأزمة الغامضة، وما زالت هناك ملاحظات جديرة بالاهتمام ولا بد للجهات المختصة أن تستعد لما هو قادم من تطورات الأمور. القضية الآن ليست فيروس كورونا، فهذا سيزول بحول الله تعالى، السؤال: ماذا تعلمت الحكومة الموقرة من هذا الدرس العنيف للمستقبل؟ أترك لمخيلتكم النصيحة والجواب. والله الموفق.