● يتنوع إبداعك بين القصة القصيرة والرواية، أيهما أقرب إلى قلمك، وعلى أي أساس تحدد القالب الأدبي الذي تصوغ فيه نصك؟ -بالنسبة للقارئ والمتتبع لأعمالي السردية، يعتقد أني أنوِّع في كتاباتي، لكن الحقيقة أني أستسلم للحظة الكتابة، وما تمليه علي وأكتب أيضاً الشذرة، والقصة القصيرة جداً والحكاية، ولي في القصيدة النثرية، نص طويل، صدر في كتاب يحمل عنواناً معبّراً "تحولات الأشياء والشخوص والأماكن"، ولي نصوص شذرية صدرت في كتاب "ألواح... وأنفاس"، وأهمّ ما صدر لي في القصة القصيرة جداً "قال لي ومضى"، و"صمت لا يعيره أحد اهتماما"، و"مساحات ضيقة لأحلام شاسعة"، علماً أن نصوصاً قصيرة جداً أخرى حضرت في عديد من مجموعاتي القصصية، معتبراً إياها نصوصاً قصصية قصيرة فحسب، والقصد من ذلك "المشاكسة" وخلخلة تلك الشروط التي يسعى الكثيرون إلى تطويق الأجناس السردية بها، في أحد أعمالي الروائية وظفت القصة القصيرة جداً، وتحديدا في رواية "جامع القصاصات"، وطبعاً الاستسلام للحظة الكتابة لا يعني أبداً الخنوع والخضوع "البليد"، بل ثمة وعي باللحظة، وحضور قوي للتجربة التي راكمتها على مدى أربعة عقود وأعمالي الروائية تختلف عن السائد، روايات لا تعتمد المواصفات التي ترضي مسابقات الجوائز، وجلّها بيانات احتجاج وإدانة، وآخر رواية صدرت لي عن منشورات روافد المصرية وتحمل عنوان "عندما تضحك النوارس"، والرواية القادمة تحمل عنوان "غضب"، لكن أقرب الأجناس السردية إلى نفسي هو، من دون منازع، القصة القصيرة.
● ما الذي يستفزك للكتابة؟- ثنائيات من قبيل: الخير والشر، الفرح والحزن، الفقر المدقع والثراء الفاحش، ثم خسارات وإحباطات الحب والعلاقات الإنسانية، الحروب المفتعلة (كل الحروب مفتعلة وموجّهة من طرف القوى العالمية)، الأوبئة التي لا تفسير لانتشارها، والتي أكاد أجزم أنها وجه آخر جديد للحروب (حرب الفيروسات)، أيضاً النفاق الاجتماعي، والكراهية، والكذب، والغدر، والخيانة، والجنون والانتحار، وتغليب المصلحة الذاتية على حساب خسارة الآخر وضياع حقوقه، وقائمة ما يستفزني ويستفز كل قلم جاد طويلة.● انطلقت إصداراتك عام 1988 بمجموعة "عن تلك الليلة أحكي"... بعد كل هذه السنون، ما الحكايات التي لم تقُلها بعد؟ -الإنسان حكّاء بطبعه، والتاريخ البشري مليء بالحكايات، والخرافات، والأساطير، وفي ما يخص الرواية، فأول رواية في تاريخ البشرية، عنوانها: "الحمار الذهبي" ثمّة من يسميها "الجحش الذهبي"، كتبها الكاتب والخطيب والفيلسوف الأمازيغي النوميدي لوكيوس أبوليوس، المسمى بالأمازيغية "أفولاي"، ولنا في الحكايات "ألف ليلة وليلة" وحكايات الشعوب كثيرة، جمعت في كتب، ولا تزال الحكاية تُحكى والقصة تُقص أو تُروى، وطبعاً قصة اليوم أو حكاية اليوم، أساسها قصص وحكايات الأمس القريب أو البعيد أو الموغل في القدم، ونحن لا نسرد وحياً.● "مرض اسمه امرأة" عنوان واحدة من رواياتك... ماذا تعني المرأة بالنسبة إليك، وهل يتناغم ذلك مع ما ورد في هذا العمل السردي؟ - شخصياً يستفزني هذا السؤال، كما لو أن المرأة كائن دخيل على المجتمع وما يحدث من مشكلات بين الرجل والمرأة، تعكسه المسلسلات والأفلام، والروايات والقصص، وأنا أرى الأمر طبيعياً، المشكلات تحدث بين الإخوة والأخوات والأصدقاء، لكن في النهاية نحن بحاجة ماسة إلى بعضنا البعض، وأخشى ألا آتي بجديد، إذ أقول إن المرأة نصف المجتمع، بل قوامه، أسّه. هي الأم، والأخت والزوجة والابنة والصديقة، ولا شيء يدوم طويلا، نكره اليوم ونحب غداً، نتخاصم اليوم، وسرعان ما ننسى الخصام في اليوم التالي، المرأة منتجة، ومفكرة، وعالمة، ومخترعة، ومكافحة، ومناضلة.● يكتب الأديب عن الماضي وقد يستشرف المستقبل... لماذا برأيك لا تنجح الأعمال التي تتحدث عن اللحظة الراهنة التي نعيشها؟ - لعلك تعني بذلك "الواقع"، أو هكذا أفهم "اللحظة الراهنة"، وقد سبق أن وردت هذه العبارة في إحدى مقالاتي. وأظن ما أعنيه بتلك العبارة الانطلاق من اللحظة "الواقع" إلى خلق لحظة أخرى هي لحظة الكتابة بحمولتها الفكرية ومرجعيتها التاريخية والسياسية، وموقفها مما يحدث في المجتمع المحلي والعربي والعالمي، وعلى الكاتب أن تكون له مواقف، وأن يكون العين الراصدة والناقدة لما يحبل به مجتمعنا من سلبيات هي أساس تخلّفنا عن الركب الحضاري، ونوهم أنفسنا أننا نعيش حضارة عصرية، متقدمة، والتقدم ليس في الشوارع العريضة والعمارات الشاهقة، والسيارات الفخمة، والملاعب الكبيرة المجهزة بآخر ما أنتجته التكنولوجيا الحديثة، ليس في الروبوتات، وفي اللباس، بل التقدم في العقلية، وفي احترام وتقدير الإنسان العربي، وتوفير الحقوق الكاملة له، وضمان العيش السليم له، في التعليم والتطبيب، والديمقراطية، وحريّة التعبير والتقدم في العدالة الاجتماعية. ● عملك أيضاً بالفن التشكيلي كيف أفادك على مستوى النص ورسم ملامح شخصياتك؟ - لا أعتبر نفسي فناناً تشكيلياً وصادقت تشكيليين، وزرت معارضهم، وأجريت مع بعضهم لقاءات في المرحلة التي كنت أشتغل فيها بميدان الصحافة، وتأثرت بأعمالهم، ومع ذلك فأنا لم أمارس الفن التشكيلي البارحة فحسب، لي علاقة به توازي علاقتي بالكتابة، كما سبق لي أن قلت، لأزيد من ثلاثين سنة، إلا أنني حين أمارسه فأنا أفعل ذلك بنيّة مقاومة الصداع الذي تحدثه فيّ الكتابة، الكتابة ليست متعة دائماً، هي في بعض الحالات تعذيب نفسي فظيع. ● ما جديدُك الأدبي الذي تعكف عليه الآن؟-مجموعتان قصصيتان، والرواية التي أشرت إليها أعلاه بعنوان "غضب"، وهي بيان إدانة للواقع الثقافي والاجتماعي، وأظن أنها ستعلن عن قطيعة لي بشريحة معيّنة من الأدباء والمثقفين الذين أساؤوا ويتمادون في الإساءة إلى الجسد الثقافي.
توابل - ثقافات
عبدالحميد الغرباوي: رواياتي بيانات احتجاج وإدانة
04-03-2020