لعب العديد من العوامل من ضمنها تحسّن توقعات النمو وصدور بيانات اقتصادية جيدة نسبيا وتراجع حدة التوترات التجارية دورا في ارتفاع عوائد السندات العالمية بالربع الأخير من عام 2019. وجاء ذلك بعد التراجع الذي شهدته العوائد في الفترة السابقة على خلفية السياسات النقدية التيسيرية التي تبناها الاحتياطي الفدرالي، إضافة إلى تباطؤ وتيرة النمو وأجواء عدم اليقين المحيطة بالمحادثات التجارية. ووفق تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، لم تشهد معظم السندات السيادية لدول الخليج، والتي عادة ما تتبع نظيراتها العالمية، أي تغيّر يُذكر في عوائدها في الربع الأخير، فيما يعزى في الأغلب إلى استمرار الطلب الدولي، خاصة بعد انضمام الأسواق الخليجية أخيرا إلى مؤشر (EMBI) لسندات الأسواق الناشئة، إضافة إلى استمرار جاذبية مستوى العائد المتوقع على تلك السندات مقارنة بالمخاطر المحتملة.
أما على صعيد النظرة المستقبلية، وبعد الانخفاضات الكبيرة منذ بداية العام حتى الآن، فمن الممكن أن تشهد العوائد المزيد من التراجعات بالنظر إلى بعض المخاطر المحتملة ومن ضمنها إمكان عودة التوترات التجارية، إضافة الى المخاطر المرتبطة بفيروس كورونا وتأثيرها المحتمل على النمو العالمي.وكان مستوى إصدار أدوات الدين في دول الخليج متواضعا في الربع الأخير من عام 2019، حيث بلغ حوالي 11 مليار دولار مقابل 30 مليارا في الربع الثالث من العام، وقد يعزى هذا الأمر الى أن معظم عمليات إعادة التمويل تم الانتهاء منها بالفعل خلال العام. وجاءت السندات السيادية وشبة السيادية لكل من السعودية والإمارات في الصدارة من حيث إجمالي قيمة الإصدارات في الربع الأخير من 2019.
ارتفاع السندات العالمية
ارتفعت عوائد السندات العالمية في الربع الأخير من 2019 فيما يعزى إلى حد كبير إلى تراجع حدة التوترات التجارية بعد التوصل إلى «المرحلة الأولى» من الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين في نوفمبر الماضي، والتي وقّعت في 15 يناير 2020. وقد أدى ذلك إلى تحسّن آفاق نمو الاقتصاد العالمي. بما دفع البنوك المركزية إلى وقف أو تأجيل القيام بخفض إضافي لأسعار الفوائد، وبالتالي تقلصت الضغوط على عوائد السندات. وإضافة الى ذلك، ساهم استمرار قوة سوق العمل الأميركي ومرونة القطاع الاستهلاكي الأميركي في دعم معدلات الثقة، مما أدى الى ارتفاع الأسهم العالمية في الربع الأخير من عام 2019 بالتزامن مع ارتفاع عوائد السندات، فتقدم العائد على السندات الألمانية لأجل 10 سنوات بواقع 37 نقطة أساس على أساس ربع سنوي تبعها العائد على سندات الحكومة البريطانية (+34 نقطة أساس)، ثم العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات (+24 نقطة أساس)، وأخيراً العائد على السندات اليابانية (+20 نقطة أساس). وفي حين كان ارتفاع العوائد مدعوما بتحسّن آفاق الاقتصاد العالمي بشكل عام، إلا أن ارتفاع العائد على سندات الحكومة البريطانية بشكل خاص كان أيضاً نتيجة لانحسار حالة عدم اليقين السياسي بفضل التوصل إلى حل مسألة انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، إضافة الى النتائج الحاسمة للانتخابات العامة التي جرت أخيرا. ونعتقد أن التطورات المرتبطة بفيروس كورونا ستكون العامل الأبرز في تحديد اتجاه العوائد مستقبلاً. وإضافة الى ذلك، فإن أي تدهور في المناقشات التجارية أو في حالة عدم اليقين السياسي الناجمة عن انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة قد تؤثر على آفاق نمو الاقتصادي العالمي، وتنعكس سلباً على عوائد السندات. وفي واقع الأمر، تراجعت بالفعل عوائد السندات منذ بداية العام الحالي، في ظل ارتفاع مخاوف انتشار فيروس كورونا، حيث انخفضت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بـ 74 نقطة أساس، كما في نهاية فبراير، لتبلغ أدنى مستوى على الإطلاق عند 1.13 في المئة. وهناك عوامل إضافية مثل نضوج الدورة الاقتصادية وارتفاع مستويات التقييم بأسواق الأسهم (خاصة في الولايات المتحدة) وما لذلك من إمكان الضغط على العوائد. وفي المقابل، من الممكن أن ترتفع العوائد في حال انحسرت المخاطر المرتبطة بفيروس كورونا.استقرار السندات الخليجية
تباينت العوائد على السندات السيادية متوسطة الأجل لدول الخليج مقارنة بالسندات العالمية في الربع الأخير من عام 2019، حيث استقرت عوائد السندات الصادرة عن 4 دول خليجية ربما بدعم من استمرار الاهتمام الدولي على خلفية جاذبية العوائد المتوقعة، مقارنة بالمخاطر، إضافة الى انضمام معظم الأسواق الخليجية الى مؤشر EMBI لسندات الأسواق الناشئة. وشهدت عوائد السندات السيادية لكل من عُمان والبحرين تراجعاً حاداً للربع الثاني على التوالي، حيث انخفضت بواقع 79 و82 نقطة أساس على التوالي. وواصلت الدولتان الاستفادة من التحسّن في الآفاق الاقتصادية، علما بأن عوائد السندات في هاتين الدولتين كانت في الأساس أعلى بكثير، مقارنة ببقية دول الخليج، وهو الأمر الذي أتاح لها فرصة أكبر للتراجع. وتكون عادة تلك السندات أكثر تقلباً من مثيلاتها في بقية دول الخليج.ونعتقد أن العوائد على السندات السيادية لدول الخليج ستستمر في التأثر بالعوائد على السندات العالمية، إلا أنه يوجد عامل آخر مهم، وهو أن تظل التوقعات المستقبلية حيال أسعار النفط ضعيفة على وقع تراجع آفاق نمو الاقتصادي العالمي، ومما لذلك من أثر على مستوى المخاطر المحتملة من الاستثمار في السندات السيادية لدول الخليج، وبالتالي على عوائد تلك السندات.ارتفاع الإصدارات في 2019
يلغت قيمة الإصدارات الجديدة (المحلية والدولية) في دول مجلس التعاون 11 مليار دولار في الربع الأخير من 2019، بما في ذلك 3.9 مليارات دولار من الصكوك. ويعد ذلك الرقم متواضعاً مقارنة بالفترات السابقة، إلا أن إجمالي قيمة الإصدارات الجديدة في عام 2019 ككل كان مرتفعا، حيث بلغ 102 مليار دولار، ليبلغ بذلك إجمالي الدّين القائم 517 مليار دولار بنهاية العام مقابل حوالي 457 مليار دولار قبل عام.يذكر أن شهر نوفمبر شهد إصداراً شبه سيادي من قبل شركة إماراتية تدعىMamoura Diversified Global Holding» بقيمة 3.5 مليارات دولار على 3 شرائح مع كوبونات تتراوح بين 2.5 و3.7 في المئة. وقد تكون الإصدارات الجديدة انخفضت في الربع الأخير على خلفية تراجع الحاجة إلى إعادة التمويل، وذلك بعد الجهود الاستثنائية التي بذلت ضمن هذا السياق في وقت سابق من العام على وقع الحجم الكبير للاستحقاقات، والتي بلغت حوالي 43 مليار دولار في عام 2019. وفي ظل توسّع حجم الميزانيات الحكومية بصفة عامة وانخفاض تكاليف الاقتراض، عادت الإصدارات واكتسبت زخماً خلال هذا العام، حيث تم إصدار سندات بقيمة تخطت الـ 11 مليار دولار حتى منتصف فبراير، وكان أبرزها إصدار سندات سيادية سعودية بقيمة 5 مليارات دولار، إضافة إلى إصدار بنك قطر الوطني سندات بقيمة 3 مليارات دولار.