رحيل مبارك
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ". (آل عمران 185)، ويقول تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ". (الزمر 30، 31). رحل عن عالمنا الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية محمد حسني مبارك في يوم 25 فبراير وهو اليوم الوطني للكويت ثم يوم تحريرها، والذي ساهم فيه الراحل مساهمة فعالة، يجب ألا تنساها دولتنا حكومة وشعبا، وفي 11/ 11/ 2011 تنحى عن السلطة وسلمها للقوات المسلحة، وذلك بعد انقسام في الشارع المصري حول نظام حكمه. ويدل تنحيه عن السلطة في تلك الفترة على حبه لبلده وخشيته من أن يؤدي ذلك الانقسام إلى صراع داخل الدولة، قد يهدد أمنها واستقرارها، لذلك سارع إلى التنحي وتسليم الدولة للقوات المسلحة التي يثق بولائها للدولة المصرية وقدرتها على الحفاظ على أرض مصر وشعبها، كيف لا وهو أحد أبناء تلك المؤسسة ورجالها المساهمين في بناء تلك المؤسسة والحريصين على ألا يلتحق بها أي خائن أو فكر معاد للدولة أو يسعى إلى هدمها. تعرضت مصر في أواخر عهد مبارك لأحداث شغب خطيرة، عرفت في تلك الفترة بزمن الربيع العربي، وكان يعتقد أن أميركا الأوبامية وبعض الدول العربية وراء تلك الأحداث، فهي من خطط لإسقاط نظام مبارك، فأعدت مجموعة من الشباب المصريين ودربتهم في مراكز للتغيير على استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي والقدرة على الحشد وإثارة الفتن.
هذه المجموعة هي التي قادت التظاهرات، وفي تلك الفترة أشاعوا أنه هرّب ثروته التي تقدر بـ70 مليار دولار، فأثارت مثل هذه الإشاعات الطبقة الفقيرة وخاصة سكان العشوائيات فظنوا أن نظام مبارك هو سبب معاناتهم فطالبوا بسقوط نظامه، واستغل الإخوان المسلمون تلك الأحداث فانظموا إلى الثوار وطالبوا بسقوط نظام مبارك، بالرغم من أن عهد مبارك يعتبر العصر الذهبي للإخوان حيث فازوا في انتخابات 2005 بـ88 مقعداً، وقد أظهر مبارك تسامحا مع التيارات المختلفة، ونشط حزب الوفد والناصريون واليسار، وظهر الإسلاميون تحت مسميات علمانية، وانتهز الإخوان هذا التسامح ليحققوا مكاسب سياسية كبيرة. رحل مبارك عن عمر 91 عاما قضى معظمه في خدمة وطنه الذي أحبه وخدمه بإخلاص، قضى 30 عاما رئيسا منذ وفاة الرئيس السادات 1981 حتى تنحيه 2011، وفي 1975 استدعاه الرئيس السادات وأبلغه أنه اختاره نائبا للرئيس، أما قبل ذلك فقد قضاها في خدمة القوات المسلحة، فشارك في حرب 1956 و1967 و1973، كما شارك في حرب الاستنزاف، ويذكر من سجل أعماله العسكرية أنه في صباح 5/ 6/ 1967 أنقذ سربا من الطائرات اتجه بها إلى أسوان بالرغم من سيطرة الطيران الإسرائيلي على الأجواء المصرية، وكما كان مقاتلا شرسا في محاربة الإرهاب وأعداء الدولة كان حكيما فالتزم بخط الرئيس السادات في السلام مجنبا الشعب مآسي الحروب وأهوالها. بعد تنحيه تعرض لمحاكمة ظالمة وظل سنتين رهن الاعتقال حتى برأه القضاء، وأراد الإخوان أن يظل في سجنه حتى يموت مسجونا، عرض عليه السفر إلى الخارج وأن يعيش مكرما في أي مكان يختاره ولكنه رفض الهروب وفضل المواجهة حتى يموت ويدفن في أرض مصر التي أحبها وحارب من أجلها، شكراً للرئيس السيسي والقيادة المصرية التي أعادت لهذا البطل كرامته وردت إليه اعتباره، وكان الرئيس السيسي في مقدمة المشيعين إلى جانب أسرته. رحم الله الرئيس مبارك وأسكنه فسيح جناته.