سمير الفيل: السرد يقودني بإيقاعه فأسير معه ولا أقاومه
يكتب «فكّ الضفيرة» عن حياة النساء في قريته
يكتب الأديب سمير الفيل الرواية والقصة القصيرة، بعد أن أمضى في دائرة الشعر 30 عاماً ويكاد يكون من أغزر أبناء جيله إنتاجاً، وأحدث انعطافاً قوياً بمفارقته الشعر عام 2001، ليركّز كتاباته في مجال السرد، فنال جائزة الدولة التشجيعية عن القصة القصيرة عام 2016، ثم جائزة يوسف أبورية عن اتحاد كتّاب مصر في 2017، وحاليا يفاجئ الفيل الوسط الأدبي بثلاث مجموعات قصصية في أقل من 6 أشهر.
وحول مجموعاته الجديدة ومسيرته وتنقّله من الشعر إلى السرد وأعماله، التقته الجريدة، وكان معه هذا الحوار:
وحول مجموعاته الجديدة ومسيرته وتنقّله من الشعر إلى السرد وأعماله، التقته الجريدة، وكان معه هذا الحوار:
• تزيد أعمالك الإبداعية على أكثر من 18 مجموعة قصصية و3 روايات بعد كتابتك للشعر، كيف تصف هذه النقلة والرحلة الشاقة؟- بدأت شاعرا، وخلال حرب الاستنزاف قدّمني عبدالرحمن الأبنودي في جرن قمح سنة 1969، كما قدّمني محمد النبوي سلامة في مقهى شعبي، وبعد خمسة دواوين اتجهت بقوة للسرد، فأنجزت ثلاث روايات و18 مجموعة قصصية، آخرها كان «فك الضفيرة»، ومنذ عام 2011 تجدني مخلصا تماما لفن القصة القصيرة، وحينما أكتب في واحدة من دوائر الإبداع أنسى كل ما عداها، هذه التفرقة مهمة جدا، وتعتمد على وعي الكاتب وحساسيته الفنية، وأعتبر القصة القصيرة هي الطلقة التي تتجه إلى الهدف من أقصر طريق.
سؤال محوري
• ما هي محددات اختيارك لموضوعات قصصك ورواياتك؟- أتصور أن في كل مجموعة كان هناك سؤال محوري يجب أن أجيب عنه، في«مكابدات الطفولة والصبا» عن حياة الطفولة المضمخة بعذابات لا حدود لها، في «صندل أحمر» عن طبيعة العلاقات المسكوت عنها في أحياء شعبية تدّعي الصفاء والترفع وهي تعجّ بالمتناقضات، في» شمال... يمين» عن الشباب والانخراط في الجندية، في «جبل النرجس» سؤال عن الانفتاح الاقتصادي وانقلاب المعايير في حقبة السبعينيات، وفي «حمام يطير» عن العلاقة الشائكة بين الرجل والمرأة، وأحاول في كل مجموعة العثور على دلالات والبحث عن العنصر الحاكم الذي يضبط العلاقة بين طموح الفرد وتوجّهات الواقع مهما كانت أشكاله وانزياحاته الجمالية.بين الواقع والخيال
• الكاتب العالمي الراحل نجيب محفوظ، قال إنه يعرف أبطال قصصه ورواياته، وقصصك مرآة عاكسة للواقع، ماذا عن علاقتك بأبطالك؟- بشكل مبدئي، أكاد أعرف أبطالي، فإما قابلتهم في الحياة، أو سمعت عنهم شفاهة، أو هم أبناء أمكنة ومطارح أعرفها خير المعرفة؛ لذلك أجد دائما أن السرد يقودني بإيقاعه فأسير معه، ولا أقاوم تياره الجارف إلا في أحوال قليلة، أصوّب فيها ما فشل الواقع في تحقيقه، ربما بالحلم أو بدخول حيّز المستقبل، أو اختراق الهالات الرومانسية في ثياب جديدة.علاقات فانتازيا
• ما دور الخيال والفانتازيا في قصصك؟- يصعب عليّ أن أحدد متى ينتهي الواقع ليبدأ الخيال، كل نص يختلف عن غيره، لديّ في مجموعة «هوا بحري» عوالم مترعة بالخيال بينما في مجموعة «الأبواب» علاقات فانتازيا تعلو الواقع، غير أنها تعود لتسقط خطابها الفكري عليه، وهكذا الكاتب مسكون دائما بالخيال، وعبر الواقع يتسع حدود هذا الخيال ويضيق حسب مسار الأحداث، وأنا ككاتب متمرس في الكتابة منذ أكثر من 50 عاما، وأميّز بين وقائع الحياة الصارمة بكل عبوسها وبين فردوس الخيال الذي يقترب ويبتعد، يخاصم نصوصي أو يصالحها بقدر من البراغماتية التي تتعلّق بالخطاب الفكري.تيارات أدبية
• كتبت الشعر في سبعينيات القرن الماضي، وهي فترة تعدد المدارس والتيارات الأدبية والشعرية في مصر، ما الجماعة التي انضويت تحت لوائها؟- لم أنضم لجماعة، لكنني في تلك المرحلة المبكرة من حياتي استفدت من صعيدية الأبنودي ومزاج سيد حجاب وطزاجة صور صلاح جاهين، وهو ما تمثّل في ديواني الأول «الخيول»، عام 1982، والذي تحوّل إلى عرض مسرحي «غنوة للكاكي» 1990 وكنت صديقا لحركة «إضاءة 77»، وكان الأقرب لنفسي الشاعر حلمي سالم الذي مثّل وجها مضيئا لتلك الحركات الفتية وقتها، وأيضا رفعت سلّام قبل توجهه للترجمة والناقد الملهم محمد بدوي. كلهم أفادوني وتعرّفت إلى منجزاتهم بشيء من الأريحية.القصة القصيرة
• في خضم أنواء هذه الرحلة الأدبية الطويلة، إلى أي مدى تستطيع القول إنك مازلت تخلص للشعر؟- لا تقتلني بهذا السؤال، انتهت مرحلة الشعر، ومنذ عام 2001 اتجهت للسرد وحصلت عام 2016 على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن مجموعة «جبل النرجس»، وأحيانا أكتب الشعر لدائرة صغيرة من الأصدقاء أو أقوله لنفسي بشكل سري تام.حمام يطير
• المساحة التي منحتها للمرأة في المجموعة القصصية «حمام يطير» حدّثنا عن الرسالة التي أردت أن توجهها من وراء هذا.- في أغلب مجموعاتي القصصية، هناك احتفاء كبير بالمرأة، وبالأخص «حمام يطير» التي أحاول عبر قصص واقعية ردّ الاعتبار للمرأة، وهي عندي غير مستسلمة، ولا يمكن إخضاعها، وهي تحارب في أكثر من جبهة مسلحة بالوعي والضرورة، وعليها أن تملك سلاح «الرفض»، فتهرب أو ترفع السكين أو تقفز من النافذة لتذوب في الظلمة المرأة عندي أقوى مما تتصور، وهي تعرف هذا عن نفسها، وبرغم أن العصمة دائما في يد الرجل، فلها حيَل وطرق ووسائل للضرب بعنف وقوة.أدب الطفل
• لك إسهامات عديدة في مجال أدب الطفل، خاصة المسرحيات الغنائية، أين أنت منه الآن؟- عشت أربعين عاما في وظيفة مدرس، وكنت أكتب مسرحيات لأطفال مدرستي ولأطفال مدارس كثيرة بمدينتي، وتعلّمت من الكتابة للطفل أشياء أساسية؛ البساطة، وروح التفاؤل، وأهمية الغناء، والطفل بحاجة إلى البهجة والرقص والطّيران من دون أجنحة، لو نجحت في ذلك، فقد حققت شيئاً من الفنّ الصعب الذي يراه البعض «سد خانة».«فك الضفيرة»
• حدثنا عن مجموعتك القصصية القادمة «فك الضفيرة»؟- المجموعة على وشك الصدور، وهي لمحات قصصية عن طبيعة العلاقات بين الناس في «حارة قبيلة» بمحافظة دمياط التي ولدت فيها، عن الحب والكراهية، عن الصفاء والغدر، وأيضا عن الحظ العاثر لرجال هربت من بيوتهم نسوة للبحث عن المتعة الحرام، كل هذا وعيته مبكرا، وقد جاء الوقت لقصّه خلال نصوص جد قصيرة تحمل حكمة الحياة وقانونها الصارم الذي لا يعترف سوى بالأقوياء أو المتصوفة الزاهدين.
القصة القصيرة طلقة تتجه إلى الهدف من أقصر طريق