أعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي «البنك المركزي» تخفيضاً طارئاً لسعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة إلى النطاق بين 1.25 في المئة و1.00 في المئة لحماية الاقتصاد مما أسماها «المخاطر الناشئة» بسبب تفشي فيروس كورونا.وقال المجلس، في بيان على موقعه على الإنترنت، «تظل أساسيات الاقتصاد الأميركي قوية»، «ومع ذلك، فإن الفيروس التاجي يشكل مخاطر متنامية على النشاط الاقتصادي. في ضوء هذه المخاطر ودعماً لتحقيق أهداف التوظيف واستقرار الأسعار، تقرر خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة».
ورحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهذا القرار لكنه طالب البنك الفدرالي بخفض مشابه للفائدة بخمسين نقطة أساس إضافية.وسيراقب الفدرالي عن كثب التطورات وتداعياتها على التوقعات الاقتصادية، وستستخدم أدواتها وستعمل حسب ما تقتضيه الحاجة دعم الاقتصاد.وتعتبر هذه المرة الأولى التي يخفض فيها مجلس الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة خارج جدوله المعتاد لاجتماعات السياسة العامة منذ الأزمة المالية عام 2009.وقال الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في مقابلة مع «العربية»، إن السياسات المالية لن تصلح الخلل في الاقتصاد، فليس لدينا صدمة العرض بل لدينا صدمة الطلب.وأضاف الرفاعي أن أسواق المال تركز على انقطاع سلاسل التوريد الذي سيتكرر من الصين في المستقبل، معتبراً أن «خفض الفائدة لن يفتح مصانع الصين».وأوضح أن الحلول ليست متفقة مع المشكلة، واصفاً خطوة خفض أسعار الفائدة بأنها لن تنعكس بشكل أساسي على مخاوف المستثمرين من الفيروس الناشئ في الصين.كما اعتبر أن عدم الوضوح في تطورات التعامل مع فيروس كورونا هو الذي يؤدي إلى تقلبات حادة في أسواق المال، والتي تلقفت حركة خفض الفائدة بشكل استباقي وصعدت قبل إعلان القرار.وبدأت الأسواق تقييم هذه الخطوة المفاجئة والنادرة التي اتخذها الفدرالي دون الانتظار لاجتماع الشهر الجاري كي يفصح عنها، فماذا وراءها؟
ركود محتمل؟
- يرى محللون أن الركود الاقتصادي في أميركا لا يمكن استبعاده في ضوء تأثر الاقتصاد الأكبر في العالم بالتباطؤ الذي يعتري اقتصاد الصين واقتصادات شرق آسيوية، مما يؤثر سلبياً على المصنّعين وتجار التجزئة في الولايات المتحدة.- بمعنى آخر، سوف يضر الفيروس بسلاسل الإمداد والتوريد وتجار التجزئة دون الإضرار بالطلب، لكن هذا الافتراض كان منطقياً حتى الأسبوع الماضي قبل أن يتخذ الفدرالي قراره يوم الثلاثاء بخفض الفائدة.- لسوء الحظ، لن يكون في جعبة الفدرالي الكثير من الأدوات لاستعادة سلاسل الإمداد العالمية، كما أن قدرته ستكون محدودة حال تفشي الفيروس بشكل وبائي في الولايات المتحدة، فلو حدث ذلك، فسيعزل المواطنون أنفسهم في المنازل - ومن ثم تأثر الطلب.- رغم التفاؤل بشأن احتواء «كورونا»، فإن من السهل تفشّيه كما حدث في الصين وانتقاله سريعاً إلى عشرات الدول الأخرى حول العالم؛ مما دفع بنوكاً ومؤسسات بارزة كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لخفض التوقعات إزاء النمو الاقتصادي العالمي في 2020.- في هذه الأثناء، سيكون اللاعب الرئيسي هو المواطنون، وبالتالي، «فتش عن إنفاق المستهلكين - العمود الرئيسي للاقتصاد الأميركي - ففي أسوأ السيناريوهات، سيسفر تفشي الفيروس بشكل وبائي عن ضعف إنفاق المستهلكين بشكل حاد.- من صور إنفاق المستهلكين السفر وارتياد المطاعم والمناطق الترفيهية والرياضة والتعليم وحتى الأحداث السياسية، بعد تأثر الإنفاق، سيفقد الملايين وظائفهم وسوف تهدد آلاف الشركات بالإغلاق - أي ركود اقتصادي بمعنى أصح. - ضمن هذا السيناريو القاتم، سيكون على الولايات المتحدة التفكير خارج الصندوق من خلال استخدام أدوات كالمزج بين السياستين النقدية والمالية والعمل على احتواء انتشار الفيروس بشتى السبل.«كورونا»
- يعكس قرار الفدرالي بخفض الفائدة مدى المخاوف من تفشٍ وبائي لفيروس «كورونا»، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي، إذ عادة يدخر البنك المركزي هذه الخطوات في أوقات التكهنات الاقتصادية القاتمة التي تنذر بالركود.- بعد قرار خفض الفائدة، اتجهت الأسهم الأميركية نحو الهبوط لتعكس هي الأخرى قلقاً بالغاً لدى المستثمرين بشأن قدرة البنك المركزي على وقف أضرار «كورونا» على ثقة وإنفاق المستهلكين.- أكد «باول» أن التطورات حول «كورونا» والجهود المبذولة لاحتواء الفيروس سوف تنعكس على النشاط الاقتصادي محلياً وعالمياً، كما أن القرار يدل أيضاً على مدى القلق لدى أعضاء البنك المركزي من تفشي الفيروس بشكل وبائي خارج عن السيطرة.- اعترف رئيس الفدرالي بأن خفض الفائدة لن يقلل تفشي «كورونا» ولن يدعم سلاسل الإمداد، لكنه سيدعم الاقتصاد الأميركي بشكل جوهري، كما سيبعث برسالة للأسواق بأن البنك المركزي جاهز للرد ومواجهة أي مخاطر كما حدث عام 2019 عندما خفّض الفائدة ثلاث مرات رداً على مخاطر الحرب التجارية.- بالطبع لن تكون خطوة الفدرالي كافية، بل يجب أن تدعمها سياسة مالية من جانب الحكومة الأميركية، فضلاً عن تحركات وجهود أكبر من السلطات الصحية لاحتواء الفيروس.- بعد قرار الثلاثاء، يتوقع محللون اتخاذ الفدرالي قراراً بخفض الفائدة بشكل إضافي خلال الأسابيع القليلة المقبلة - ربما في اجتماع مارس لجاري.- علق مسؤولو الفدرالي في العام الماضي على خفض الفائدة ثلاث مرات بأن من المهم التصرف بشكل حاسم رداً على أول إشارة تباطؤ في الإنفاق أو وتيرة التوظيف.- تجدر الإشارة إلى أن قرار الفدرالي سبقته خطوة من جانب البنكين المركزيين في كل من أستراليا وماليزيا بخفض الفائدة وبيان من مجموعة الدول السبع ببذل كل الجهود الممكنة لمواجهة «كورونا».وقاية أم هلع؟
- قال المحلل لدى «سي إن بي سي» «جيم كريمر» - الذي اشتهر بالدفاع عن الفائدة المنخفضة - تعقيباً على القرار، إن خفض الفدرالي للفائدة خاطئ ولن يمنع سوق الأسهم الأميركية من الهبوط.- هذا ما حدث بالفعل بعد الإعلان عن خفض الفائدة وتعقيب «باول» على القرار حيث هبطت سوق الأسهم الأميركية وأغلق «داو جونز» على تراجع بنحو 786 نقطة أدنى 26 ألف نقطة.- يأتي ذلك في ظل مخاوف المستثمرين في «وول ستريت» من إضرار «كورونا» بأرباح الشركات خاصة بعد أن دق البعض منها كـ«آبل» و«مايكروسوفت» جرس إنذار بشأن نتائج أعمال الربع السنوي الجاري.- يرى «كريمر» أن المشكلة تكمن في أن الفيروس يمكنه الإضرار بالاقتصاد الأميركي بشكل كبير، ومن ثم، فإن قرار خفض الفائدة ليس الحل. - فسّر المحلل الاقتصادي الشهير قرار خفض الفائدة بأنه يعكس هلعاً شديداً لدى أعضاء الفدرالي من تحول «كورونا» إلى وباء، كما أن «باول» بدا خائفاً من ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة.- لم يدعم قرار خفض الفائدة ثقة الشركات أو المستثمرين، بل إن القرار تسبب في مزيد من الضغوط على سوق السندات، وهذا ما اتضح عند انخفاض العائد على السندات الأميركية لأجل عشر سنوات أدنى 1 في المئة للمرة الأولى في تاريخه.- رغم أن «باول» ألمح إلى أن خفض الفائدة يعد بمثابة وقاية استباقية من أضرار محتملة سيسببها «كورونا» للاقتصاد الأميركي، إلا أنه - دون قصد - بعث برسالة للمستثمرين مفادها بأن البنك المركزي يتوقع أضراراً بالغة على النشاط الاقتصادي.