«كورونا»... مجرد هزة مالية أم بداية أزمة اقتصادية؟
التطورات مرتبطة بمدى فعالية السياسات الاحترازية في مقاومة التداعيات
أعلن مسؤولو البنوك المركزية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا مراقبة تطورات الفيروس على الأسواق، والاستعداد لاستخدام سياسات نقدية، وأخرى تحفيزية، كضخ السيولة وخفض الفائدة، وأيضاً شراء الأصول.
طرحت التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا على الأسواق العالمية أسئلة حول الأثر الاقتصادي لهذا الفيروس، على المديين المتوسط والطويل، وخصوصا إذا كان هذا الأثر مرتبطا بهزة شملت الأسواق العالمية وعددا من الانشطة المتنوعة، أم أنه مقدمة لأزمة اقتصادية تماثل في حدتها الأزمة المالية العالمية، التي نشبت عام 2008؟ومع أن الخسائر الأولية التي تسبب فيها الفيروس بأسواق الاسهم والنفط والسلع وقطاعات الطيران والسياحة والفنادق والنقل والموانئ والشحن وتبادل البضائع والمصانع وغيرها، بلوغا الى إلغاء الفعاليات العامة وإغلاق المتاحف والمسارح وتأجيل مناسبات رياضية قد فاقت قيمتها "المسعرة وغير المسعرة" 8 تريليونات دولار أميركي؛ فإن الحديث عن حالة أزمة اقتصادية عالمية لا يزال بعيدا عن دائرة التوقعات في الفترة الحالية، خصوصا مع عدم تصنيف "كورونا" كوباء عالمي يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي، ويجعل إجراءات التحوط والمكافحة أولوية على سياسات الاستثمار والمبادرة.
سياسات احترازية
وليس عدم تصنيفه كوباء هو السبب الوحيد لضعف احتمالية تحول الفيروس الى وباء، حسب تعريفات منظمة الصحة العالمية، إذ إن الاقتصاد العالمي أيضا لديه مصدات لمنع تحول الهزة المالية الى ازمة اقتصادية، خصوصا بعد أن اعلن مسؤولو البنوك المركزية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا مراقبة تطورات الفيروس على الاسواق، والاستعداد لاستخدام سياسات نقدية، وأخرى تحفيزية، كضخ السيولة وخفض الفائدة، وأيضاً شراء الاصول، في حين قرر البنكان المركزيان الاسترالي والماليزي فعلا خفض الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، والفدرالي الاميركي بنصف النقطة المئوية، وكذلك خفض المركزي الكويتي الفائدة بربع النقطة المئوية، في مسعى لتطويق تداعيات ازمة كورونا على اقتصادياتها، وكذلك فعلت كوريا الجنوبية التي عززت ميزانيتها بقيمة 10 مليارات دولار إضافية لمكافحة "كورونا"، كما خصص البنك الدولي تمويلًا عاجلًا بنحو 12 مليار دولار، لمساعدة الدول في التصدي لـ"كورونا".تعميق الخفض
أضف إلى ذلك توجه منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لتعميق خفض الإنتاج بحد أدنى 600 ألف برميل يوميا، في اجتماعها المرتقب هذا الاسبوع، للمحافظة على مستويات سعرية مقبولة للمنتجين والمستهلكين معا، لا سيما أن الصين منبع الفيروس شهدت تراجعا قويا في طلبها على النفط العالمي بواقع 20 في المئة منذ بداية الإعلان عن المرض.تطويق الآثار
هذه السياسات التحفيزية تستهدف تطويق الآثار السلبية لانتشار الفيروس أكثر من أنها موجهة لمنع حدوث أزمة اقتصادية عالمية كأزمة 2008، التي كانت نظامية في طبيعتها وارتبطت مباشرة بالتمويل وأسعار الاصول وجودتها، وأفلست بنوك وشركات ودول، في حين شملت آثار كورونا حتى الآن اسواق المال والسلع والانشطة التجارية والخدمية المختلفة، التي إنْ كانت خسائرها قاسية فإن إمكانية تعويضها في المدى المنظور لا تزال متاحة، بل إن الاثار السلبية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على المدى الطويل يمكن أن يكون ضررها على الأسواق السلع والأنشطة أعمق ضررا من انتشار مرض في عدد من الدول... بالطبع، هذا لا يعني التقليل من الاثر السلبي للفيروس على الاقتصاديات، والذي يكفي ان خسائره بلغت تريليونات الدولارات، إنما تقييم الأثر بشكل طبيعي -حتى الآن- كواحدة من الأحداث الصعبة التي تعيشها الأسواق وتتسبب في انخفاضات حادة فيها.تنبيه للخليج
اللافت في موضوع فيروس كورونا أنه وجه نوعا جديدا من دروس المخاطر الاقتصادية لدول الخليج، فلم تعد المخاطر الكبيرة على سلعة النفط الرئيسية في تمويل موازنات هذه الدول مرتبطة بمخاوف نضوب النفط او اكتشاف مصدر طاقة بديل او حتى تراجع النمو الاقتصادي العالمي، بل يمكن لفيروس مستجد او حدث طارئ ان يمثل تهديدا لأسعار النفط في العالم، بكل تداعياتها على إيرادات وموازنات دول الخليج، إذ ادت تداعيات الفيروس الى تراجع اسعار الخام بنحو 25 في المئة منذ بداية العام، وحتى مع الخفض المتوقع لإنتاج "أوبك" وحلفائها سيظل هذا الخفض استثنائيا ووقتيا لمدى معين، وبالتالي لا مناص من التعامل مع سلعة النفط بوصفها ذات مخاطر متقلبة في المستقبل.حالة مستحدثة
من المبكر الجزم بأن تداعيات فيروس كورونا ستفضي الى أزمة اقتصادية أو انها ستظل في سياقها كهزة مالية عنيفة، فالأمر مرتبط بمدى فعالية السياسات الاحترازية في مواجهة التداعيات في الفترة القادمة وتقييمها مرحليا، وبشكل مستمر، على اعتبار أنها حالة مستحدثة لم يسبق للاقتصاديات العالمية في العصر الحديث أن تعاملت مع حالات مماثلة، حتى مع أمراض أخرى كسارس أو إنفلونزا الخنازير أو غيرهما.
الفيروس ينبه دول الخليج إلى نوعية جديدة من المخاطر على النفط