وقّعت الولايات المتحدة وحركة طالبان أخيراً اتفاقية لإنهاء ثمانية عشر عاماً من القتال في أفغانستان، وسبق حفل التوقيع فترة هدوء طوعية استمرت سبعة أيام، بدأت في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي. وفي حين تنطوي هذه الاتفاقية مع الحركة على عدد من المخاطر، فقد كانت من النوع المتوقع في مثل هذه الأحوال التي تتسم بالتعقيد والشك، ويتعين في الوقت ذاته عدم تجاهل حقيقة أن تلك الاتفاقية هي أمل الولايات المتحدة الوحيد لإنهاء أطول حروبها في العالم.وكانت الاتفاقية حصيلة محادثات سلام طويلة بدأت في شهر سبتمبر من عام 2018، عندما بدأ السفير زالماي خليل زاده، وهو المبعوث الأميركي للمصالحة في أفغانستان، حواراً مع اللجنة السياسية لحركة طالبان. وتعتبر ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المحادثات الثنائية التي أفضت الى تلك الاتفاقية، والتي استثنت حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، هي الخطوة الأولى نحو تحقيق تسوية سياسية بين كل الأطراف الأفغانية.
يذكر أن خليل زاده كان قدم في شهر يناير من عام 2019 عرضاً يتضمن جدولاً زمنياً الى قادة حركة طالبان يقضي بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وفي مقابل ذلك وافقت حركة طالبان في نهاية المطاف على إنهاء مساعدتها لتنظيم القاعدة والمجموعات الارهابية الاخرى، من أجل تخفيف العنف والوصول الى تسوية مع الحكومة الأفغانية وأطراف النزاع في البلاد ووضع نهاية للحرب الدامية هناك.
التطورات السلبية
ولكن في الوقت الذي بدت فيه الاتفاقية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان وشيكة في شهر سبتمبر من عام 2019 تصاعدت الأعمال العدائية على أرض المعركة، وفي أعقاب ذلك قرر الرئيس الأميركي إلغاء حفل سلام في كامب ديفيد في اللحظة الأخيرة، وذلك بعد أن قتلت حركة طالبان جندياً أميركياً في أفغانستان –في خضم انتقادات شديدة من جانب الكابيتول هيل ووسائل الاعلام– كما أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طالب حينذاك بأن تخفض حركة طالبان من مستوى العنف قبل أي اتفاق مع الولايات المتحدة، وهو طلب كانت حركة طالبان ترفضه بشدة في الفترة الماضية.ثم استؤنفت المفاوضات بين الجانبين واستمرت حتى شهر فبراير الماضي، وفي الثالث عشر منه أعلن مايك بومبيو عن «تقدم بالغ الأهمية» في تلك المفاوضات، وربما كان ذلك نتيجة انسحاب الرئيس ترامب من الحوار في شهر سبتمبر، مما أفضى في نهاية المطاف الى الموافقة على طلب بومبيو.ولكن ما من شيء يمكن اعتباره في حكم المؤكد بالنسبة الى مستقبل أفغانستان، على الرغم من توقيع اتفاقية السلام الأخيرة بين الولايات المتحدة وحركة طالدبان. وتجدر الإشارة الى أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوات عسكرية في أفغانستان تتراوح بين 12 و13 ألف جندي، ومن المقرر بموجب اتفاقية السلام خفض ذلك العدد الى 8600 جندي خلال 135 يوماً. غير أن الجدول الرسمي للانسحاب الكامل لم يعلن حتى الآن.ومع بداية الانسحاب الأميركي يتوقع أن تبدأ حركة طالبان بتنفيذ التزامها بالكف عن مد يد العون إلى الجماعات الارهابية، كما أن من المتوقع أن تبدأ بعد خمسة عشر يوماً من توقيع الاتفاقية مفاوضات شاملة حول سلام دائم تشترك فيها كافة أطراف النزاع في أفغانستان.احتمالات حدوث الخطأ
وترى مصادر أن احتمالات حدوث خطأ قد تزداد في الفترة المقبلة، وأن الانسحاب العسكري الأميركي قد يسمح للجماعات الارهابية بتعزيز نشاطها، اضافة الى أن حكومة أشرف غني قد ترفض تبادل قيادة البلاد من أجل بلوغ تسوية سياسية. ومن جهة أخرى، ربما تعمد باكستان التي تشعر بقلق من نفوذ محتمل للهند في أفغانستان الى الضغط على حركة طالبان من أجل رفض أي تسوية لاتحقق مصالح اسلام آباد. وتوجد خلافات عملية بين الأطراف الأفغانية أيضاً. وترفض حركة طالبان، على سبيل المثال، الدستور الحالي في أفغانستان، ولكن من غير الواضح ما هو الدستور البديل الذي تريده، كما أن أي شيء يشبه الوضع الذي كان سائداً في تسعينيات القرن الماضي ليس مقبولاً من جانب الرئيس أشرف غني ولا الولايات المتحدة. وتريد حركة طالبان –كما يشاع على نطاق واسع– قيام دولة ذات قاعدة اسلامية، ولكن كبار علماء المسلمين وقادة حركة طالبان لم يتمكنوا من تحديد أسس تلك الدولة.في بعض الأحيان، يفهم من ذلك التعبير قيام دولة تخضع للشريعة الإسلامية وتتسم بالديمقراطية في الوقت ذاته. ويعتقد الكثير من علماء المسلمين وقادة حركة طالبان أن في وسع الأفغان تحقيق هذا الهدف من خلال الحوار المباشر. وهنا يتعين على الولايات المتحدة التحلي بالصبر وترك هذه العملية تنضج.اختبار التزام الحركة
تبرز قوة الاتفاقية الحالية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أنها توفر للادارة الأميركية الوقت اللازم من أجل اختبار صدقية طالبان، وإذا فشل قادة تلك الحركة في الوفاء بوعودهم، كما حدث في منتصف الأسبوع عندما أعلنت الحركة انتهاء الهدنة مع الحكومة الأفغانية، فإن الانسحاب العسكري الأميركي يمكن أن يتوقف. ومن هذا المنطلق يتعين على واشنطن التريث والتصرف بحذر وعدم التسرع في سحب قواتها اذا لم تنفذ حركة طالبان التزاماتها. ومن البدهي أن ثمة حاجة الى القيام بخطوات اخرى على الطريق نحو السلام، حتى خلال فترة اختبار التزام حركة طالبان. وسوف يكون في وسع الولايات المتحدة التراجع عن مسار السلام إذا تأكدت من عدم تقيد حركة طالبان بوعودها. وسوف يتعين على حركة طالبان النأي عن تنظيم القاعدة والموافقة على تسوية سياسية وعدم المطالبة باحتكار السلطة، اضافة الى قبول اجراء انتخابات ديمقراطية والاعتراف بحقوق المرأة والحقوق السياسية الكاملة لكل الأفغان من دون استثناء. وربما يعني ذلك اضطرار الولايات المتحدة الى البقاء في أفغانستان لشهور اضافية، ولكن قواتها سوف تنسحب في نهاية المطاف، وسوف تنطوي اتفاقية السلام على امكانية وضع حد لمعاناة الشعب الأفغاني وضمان أمن الولايات المتحدة في الوقت ذاته.التزام «طالبان» بالسلام
ويبقى السؤال المهم حول مدى التزام حركة طالبان بالسلام في الأجل الطويل. وحتى اذا وافقت على تلبية التزاماتها المتعلقة بضمان محاربة الارهاب، وأقرت تسوية سياسية، فقد تعمد الحركة الى حمل السلاح من جديد وتحاول السيطرة على أفغانستان بمجرد اكتمال الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد. وعلى الرغم من أن هذه الحصيلة ليست حتمية فإن الاحتمال لا يمكن استبعاده تماماً. وسوف يكون في وسع الولايات المتحدة تقليص ذلك الخطر من خلال احتفاظها بسفارة في أفغانستان، واستمرارها في تمويل مشاريع تنمية اقتصادية واجتماعية، اضافة الى عناصر الأمن الأفغانية. وصحيح أن تلك الخطوات لا تستطيع أن تمنع حركة طالبان من الاستيلاء على أفغانستان، غير أنها قد تجعل تلك الحركة تفكر مرتين قبل القيام بمغامرة من هذا النوع. كما يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن توضح أن خرق حركة طالبان للاتفاقية الموقعة سوف يفضي الى قيام الجيش الأميركي بتدمير نظامها الجديد مرة اخرى. وقد يمثل صدور بيان مشترك من باكستان وروسيا وقوى اقليمية اخرى يتعهد بمعارضة انتهاك التسوية السياسية في أفغانستان والعودة الى حكم طالبان مساعدة حقيقية في هذا الصدد.إضاعة الفرص
ويتعين ألا تردع إمكانية انتهاك حركة طالبان لالتزاماتها الولايات المتحدة عن تنفيذ الاتفاقية، خاصة أن واشنطن أضاعت الكثير من الفرص خلال الحرب الأفغانية، وليس عليها عمل ذلك من جديد. ولابد من التذكير بأن البدائل أكثر سوءاً، ولذلك فإن على الادارة الأميركية التفكير في الفرص التي توفرها محادثات السلام في الوقت الراهن.*كارتر مالكاسيان