● كيف كانت أجواء نشأتك في المغرب، والتي انعكست بالتأكيد على رؤاك وكتاباتك الإبداعية لاحقاً؟

- دعنا ننطلق من العبارة التقليدية القديمة "الأديب ابن بيئته"، وهذا القول يجد صداه في أغلب التجارب الكتابية، لكن بتمايزات تتفاوت قليلا أو كثيراً، وإذا عرجنا إلى تجربتي، فـ "جرادة" مسقط رأسي، مدينة هامشية تقع على حدود التماسّ مع الجارة الجزائر، وتعتمد على العمل المنجمي، كنشاط اقتصادي، كما تعتمد ديموغرافيا على التنوع، فالهجرات المتتالية للشغّيلة المغربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، من مدن بعيدة من أجل العمل، شكّلت فسيفساء متنوعة من اللغات والعادات والثقافات وطرق تدبير الحياة، فأسهمت في الغنى الثقافي للمدينة، التي باتت منجم حكايات لا ينضب، لذا أكاد أجزم بأن عدد التجارب الفنية التي تناولت "جرادة" موضوعاً للخلق الإبداعي متنوعة، يحتل الشعر نصيب الأسد فيه، يليه التشكيل، ثم السرد بشقيه القصصي والروائي، ولا شك في أن مدينة بهذا الغنى والتنوع قمينة أن تحيا عبر الإبداع والتشخيص، ومن جهتي لست سوى أحد الوجوه الأدبية التي مارست حقها في التعبير سردياً، من وجهة نظر قد تتفق أو تتباين مع وجهات النظر الأخرى.

Ad

موطئ قدم

● انطلقت إصداراتك عام 2002 بـ "سيرة للعته والجنون"، حدثنا عن هذه الرواية التي رصدت حياة عمَّال مناجم الفحم.

- "سيرة للعته والجنون" هي باكورة أعمالي الروائية، نصّ يتّسم بقلق البداية، وقلق البحث عن موطئ قدم، والرغبة في الاستمرار، وعلى مستوى البناء هي نص بسيط في تركيبته السردية، ينحو أحياناً إلى التسجيلية، ويتسم بنبرة الاحتجاج، ويكاد يلامس الخط التقريري في تشخيص الأحداث، كما يعتمد الاقتصاد في عدد الشخصيات وضيق الفضاء.

ومن حيث الموضوع، يشخِّص الحلم البسيط لفئة العمَّال بعد إغلاق المناجم في "جرادة"، وما تبع ذلك من أزمات اجتماعية.

المستوى الأدبي

● يُلاحظ راهنا، أنه بدأ الترويج لما يُسمى "الأدب المنجمي" تقام له الملتقيات والمناسبات، ما رأيك في الموضوع؟

- شاعت الكتابة عن المناجم على المستوى الأدبي على الأقل منذ صدور رواية "جيرمينال" للكاتب الفرنسي إيميل زولا، التي تعالج وضعية العمَّال داخل المناجم في القرن التاسع عشر، كما تتطرق للعمل النقابي والإضرابات التي خاضها العمَّال من أجل الحقوق، علما بأن إيميل زولا كان مثقفاً عضوياً يشارك العمال آراءهم ويتفاعل مع مشكلاتهم، هل نقول إن الرواية المسمّاة منجمية، قد خرجت من معطف جيرمينال؟ طبعاً نجد موضوع المناجم يروج بكثرة في تونس بالمناطق التي تنتشر فيها الأحواض المنجمية، كما نلاحظه في المدن المنجمية المغربية: خريبكة، اليوسفية، جرادة، ويكسان بالناظور، غير أننا إذا أحصينا عدد النصوص التي تناولت المناجم نجدها قليلة بالنظر إلى تاريخ المناجم، وتاريخ الحركة النقابية بالمدن السابقة، والصراعات الطويلة التي خاضتها الشّغيلة من أجل تحقيق المكاسب، من هنا فإن موضوع ما يُسمى بالأدب المنجمي يطرح كثيراً من الاستفهام.

نسبة الأدب

● هل فعلا نحن أمام "شيء" أدبي جديد نطلق عليه أدب مناجم؟ أم أمام نصوص أدبية بموضوعات منجمية؟

- في نظري المتواضع، التنصيح على البيئة؛ سواء في صورتها الواقعية المنظورة المقاس عليها، أو في صورتها المتخيّلة، المتوهمة، لا يعطينا الحق في نسبة الأدب إليها، ولو كان الأمر كذلك، لكنّا تحدثنا عن أدب صحراوي، وأدب جبلي، وأدب غابوي، وزد وقس ما شئت على ما شئت.

موضوعات مختلفة

● كيف تنامت تجربتك الروائية مع تتابع الإصدارات وصولا إلى اليوم؟

- أصدرت بعد روايتي الأولى أربع روايات، هي على التوالي "سوانح الصمت والسراب"، و"مدارج الهبوط"، و"العابر"، و"نساء وادي النوم"، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة، أما من حيث الموضوع فرواياتي المذكورة تعالج موضوعات مختلفة عن الموضوع المنجمي الأول. كما أن الفضاءات التي تدور فيها أحداثها تختلف، تمتد قليلا وتنزاح عن "جرادة"، لكنّها عموما تدور في مساحات الهامش للمغرب غير النافع، وهي روايات تتحدث عن الهامشيين والحقراء، وعدا ذلك، لي كتاب نقدي موسوم بـ "الكتابة والنص الغائب"، وآخر وشيك الصدور عنوانه "الشفاهية وهجرة المعنى"، إضافة إلى كتابين جماعيين آخرين.

وجداني وعقلي

● ما طبيعة النص الذي تحلم أن تكتبه؟

- ارتضيت التعاطي مع الرواية كاختيار كتابي، أجرب فيه ما وَقَرَ في وجداني وعقلي، والرواية وفّرت لي حداً أدنى من الحرية في التفاعل مع القضايا التي تدور في ذهني، كما تسمح لي بتنويع الموضوعات وملامستها بكل سلاسة، عموما، لا أزعم أنني حققت إلا النزر اليسير، بالنظر إلى الحلم الذي تتسع آماده ولا تضيق أمداده، وإذا كان في العمر بقية، ففي الجراب كلام كثير.

العالم الرقمي

● خلقت مواقع الـ "سوشيال ميديا" مساحة للنشر أمام غير القادرين على النشر الورقي، ما مزاياها وعيوبها؟

- الـ "سوشيال ميديا" أصبحت ظاهرة لافتة، خصوصاً مع توسّع العالم الرقمي، وسرعته، وتنوعه، وتعدّد مزاياه في العالم الرقمي، الجهد مختَصَر، وميسّر، وهناك مكتبات جاهزة للتحميل، والكتاب الورقي على الرغم من مزاياه الكثيرة، هو مقيد بظروف نشره وطرقه وقوة الناشر على الترويج للمنتوج، كما أنه في الأغلب مرتبط بالمعارض والمناسبات الثقافية، مع ما يعرفه المجتمع العربي من عزوف عن القراءة، بسبب تدني القدرة الشرائية للقارئ.

التدافع بين المنتوج الورقي ونظيره الرقمي، سيبقى قائماً، ولا سلامة ولا سلام ولا مهادنة سوى بتدبير يضع خطة إنتاج رقمي للكتب، أو عبر المزاوجة بين الرقمي والورقي، مع التقييد التقني للمسألة، ووضع قوانين للحقوق، سواء حقوق الناشر أو المؤلف.

● حدثنا بعين الناقد عن وضع الرواية المغربية راهناً.

- الرواية المغربية شهدت تطوراً وانتشاراً ملحوظين، نظراً لكثرة التجارب وعدد الجوائز المحصل عليها، بل نستطيع القول إن الرواية بالمغرب المعاصر صارت حدثاً أدبياً مشهوداً له، جنباً إلى جنب والتراكم النقدي الموجود، فتحَوُلُ عدد من المشتغلين في مجالات أخرى بعيدة عن الأدب واختيارهم الكتابة الروائية، زاد من توسيع قاعدتها، ونوَّع من مستوياتها، ومنحَها خصـوبة دلالية وجمالية، أسهمت في غنى الرواية، ولا أظن ذلك إلا ظاهرة صحية ستمنح النقاد مجالاً للاشتغال واختبار طرائق القراءة، ونحن لا نعدم في وطننا العربي الفسيح نقاداً أفذاذاً وعلامات مضيئة في سماء النقد الأدبي.

عمل روائي

● ما العمل الذي تشتغل عليه الآن؟

- أشتغل على دراسة نقدية، أجمع فيها بعض الدراسات التي نشرتها منذ فترة، كما أنني أنجز عملاً روائياً لا يزال في بداياته الأولى.