سوق النفط... «كورونا» أوهن التحديات
●الانحسار اليومي في معدل تزايد حالات الإصابة بالفيروس في الصين... إيجابي
●توافق متماسك جديد لتحالف أوبك + ... وسياسات مالية توسعية محفزة للاقتصاد العالمي
لم يصل تفشي فيروس كورونا إلى درجة اعتباره وباء عالمياً وفق مقاييس منظمة الصحة العالمية، بل هو مجرد "حالة طوارئ صحية ذات بعد دولي" تتطلب سياسات وإجراءات احترازية ذات طابع وقائي. ورغم ذلك، سادت الأسواق العالمية حالة هلع تجاوزت حدود التداعيات الاقتصادية المحتملة في الأجلين القصير والمتوسط، وتصرف كثيرون وكأن العالم يقترب من نهايته. وقد أفضت حالة الهلع المفرط هذه إلى انهيار متسارع في قيم وأسعار الأصول المالية والحقيقية ومن بينها أسعار النفط.
قلق نفطي مشروع
دول المنطقة المصدرة للنفط، وتحديداً الكويت ومعها قلة من البلدان الأخرى التي مازال النفط يشكل شريان حياتها الاقتصادية، يعتريها في خضم هذه التداعيات قلق بالغ تجاه مستقبل أسعار النفط التي فقدت أكثر من 30 في المئة من مستواها الذي كانت عليه عشية اكتشاف تفشي الفيروس في مدينة ووهان الصينية. ويعكس الانحدار السريع في أسعار النفط منذ بداية عام 2020 مخاوف الأسواق من حدوث انكماش قياسي في الطلب العالمي على الوقود بفعل الآثار السلبية لتداعيات "كورونا" على الاقتصاد العالمي. كما يتزامن هذا الانكماش مع التراجع الموسمي الذي يشهده الطلب على النفط عادة في الفترة التي تفصل ما بين الشتاء والصيف. وكانت الأسعار بدأت تراجعها حتى قبل انتشار "كورونا"، وتحديداً في أكتوبر الماضي على وقع تزايد حدة المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين.تباين سعودي - روسي
ويأتي الاجتماع الراهن، وهو الثامن لوزراء تحالف "أوبك +"، في وقت تعاني المنظمة انخفاضاً تاريخياً في إنتاجها الفعلي، والذي بلغ نحو 27.8 مليون برميل يومياً في فبراير المنقضي، أي أقل من مستوى حصتها المحددة بمقتضى التوافق السابق بين دول المنظمة وحلفائها. ويمثل هذا الإنتاج المستوى الأدنى منذ الأزمة المالية عام 2008.كما يأتي الاجتماع في وقت اتسع التباين بين موقفي السعودية، التي تمثل العمود الفقري لمنظمة أوبك، وروسيا، الدولة المحورية في معسكر حلفاء أوبك، بشأن مقدار الخفض اللازم لإعادة التوازن إلى السوق، فبينما ترغب الرياض في خفض إضافي فعال يزيد على المليون برميل يومياً من الإنتاج، تواجه الحكومة الروسية صعوبات كبيرة في إقناع شركاتها النفطية بقبول خفض إضافي في الإنتاج. ويبدو أن زخم الالتزام الروسي باتفاق (أوبك +) أصابه الوهن منذ منتصف السنة المنقضية.عناصر مشجعة
ورغم هذه المعطيات، هناك حزمة من العوامل المشجعة، التي من شأنها أن تقلل من سرعة انحدار أسعار النفط. في مقدمة هذه العوامل يأتي الأثر المحفز لهذا الظرف الطارئ المستجد على وقع انتشار فيروس كورونا، إذ إن حالة الهلع من التداعيات الاقتصادية للفيروس قد تدفع روسيا إلى العودة إلى توافق تاريخي جديد مع "أوبك" يتمثل في قبولها خفضاً إضافياً مؤثراً في الإنتاج، وحرص من جانبها على التزام ملموس بهذا التوافق. كما أن من بين العوامل المشجعة القرار التحوطي الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفدرالي بخفض سعر الخصم بنصف نقطة مئوية رغم قوة أساسيات الاقتصاد الأميركي، إذ من شأن هذا التخفيض أن يحفز مزيداً من النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، وأن يدفع البنوك المركزية في البلدان الأخرى الى تعزيز سياسات نقدية توسعية مماثلة. ثالث العوامل الإيجابية يتمثل في الانحسار اليومي المتواصل في معدل تزايد حالات الاصابة بالفيروس في الصين، وانخفاض معدل الوفيات والحالات الحرجة وزيادة نسبة المتعافين. وتشكل الإجراءات القياسية التي لجأت لها الصين من أجل الحد من انتشار العدوى مثالاً يحتذى للدول الأخرى الموبوءة. وباستثناء معدلات انتشار الفيروس في إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية، فإن حالات الإصابة في بقية دول العالم تظل محدودة، فضلاً عن أن تفشيها أبطأ بكثير من مستوى الهلع الذي يتسم بدرجة عالية من الغلو والمبالغة.السيارة الكهربائية
هذه العوامل المشجعة ذات الصلة الوثيقة بـ "كورونا" (توافق متماسك جديد لتحالف أوبك +، وسياسات مالية توسعية محفزة للاقتصاد العالمي، ونجاح الصين، المحرك الرئيسي لنمو الطلب على النفط، في احتواء الفيروس) تشكل منظورا إيجابياً يمكن لنا أن نراهن من خلاله على مستقبل أقل قتامة للاقتصاد العالمي، ومعه معدلات الطلب على النفط.ولكن حتى وإن صحت هذه التقديرات المتفائلة مجتمعة، فإن هذا لا يعفي البلدان التي ما زالت ترهن مصائرها بصادراتها من براميل النفط الخام، والكويت في مقدمتها، من مسؤولياتها التاريخية في إعادة هيكلة اقتصاداتها ما دام في الأفق متسع للإصلاح. ذلك أن المستقبل المقلق للنفط لا يتوقف عند الآثار الاقتصادية لـ "كورونا"، بل يمتد إلى ما هو أخطر وأبعد من ذلك، وأعني هنا مخاطر التغير المناخي، وانتشار الطاقات البديلة، وتراجع دور الوقود النفطي في قطاع النقل والمواصلات، خصوصا أن سرعة انتشار السيارات الكهربائية تعادل أضعاف سرعة انتشار فيروس "كورونا". *أستاذ الاقتصاد بجامعة الكـويت