الأمم تُقاس بسلوكها في الأزمات
نحن متأكدون أننا سنتجاوز أزمة كورونا، وكلما كان سلوكنا هادئا ومتكاملا ومتسما ليس بحرص الإنسان على نفسه وعائلته فقط بل على الآخرين أيضا، استطعنا أن نتجاوز هذا المرض وآثاره بسرعة.
تُقاس الأمم بسلوكها في الأزمات، وفي تاريخ شعبنا الفلسطيني نماذج رائعة، لروح التكافل والتضامن التي تجلت أيام الأزمات العاصفة، ولعل أبرز هذه النماذج وأكثرها وضوحا، سلوك الشعب الفلسطيني أيام الانتفاضة الشعبية الأولى، وخاصة في سنواتها الأولى، عندما تحول المجتمع الفلسطيني إلى نسيج متكامل ومتلاحم، ومتكافل، في مواجهة قمع الاحتلال.وعاشت فلسطين خلال الأيام القليلة الماضية أزمتين جديدتين: أولاهما الحريق الذي اندلع في مخيم النصيرات وأودى بحياة عشرة شهداء، وأصاب كثيرين بحروق بالغة يحتاجون إلى أشهر وربما سنوات طويلة لعلاجها، ورأينا فور وقوع الحادث استجابات متتالية تعبر عن التكاتف مع العائلات المنكوبة، وهو ما يجب أن يستمر بالتوازي مع اتخاذ إجراءات وقاية جدية حتى لا تتكرر المأساة.والثانية، كانت اكتشاف ست عشرة إصابة بفيروس كورونا المستجد في منطقة بيت لحم، نتيجة الاحتكاك بسواح بونانيين زاروا المنطقة، ولا يُستبعد بالطبع أن تظهر حالات جديدة من الإصابات بالفيروس في محافظات أخرى، فذلك يحدث في كل بلدان العالم دون استثناء، وما يجري عندنا أقل بكثير مما يجري في كثير من البلدان.
أول شروط الاستجابة الصحية لذلك، هي عدم الإصابة بالهلع أو المبالغة في التعامل مع المخاطر، دون إهمال سبل الوقاية المعروفة والتي يجب إطلاع الجميع عليها، وتوعيتهم بشأنها، والتعامل الهادئ مع الأزمة يجب أن يترافق مع التعاطف والإسناد لمن أصيبوا بالمرض، أو من طُلب منهم لأغراض الوقاية والحد من انتشاره أن يخضعوا للحجر الصحي، في بيوتهم أو في أماكن الحجر الصحية.والإسناد يتطلب كذلك التفهم والتعاطف مع الفرق الطبية التي من واجبها أن تكون في الخندق الأمامي لمواجهة المرض، وبسلوكها المتفاني يمكن أن تقدم نموذجا للمجتمع بأسره، ولا بد من تذكر أن البطولة والتفاني، من أجل الآخرين لها وجوه عديدة، من الكفاح ضد الظلم والاحتلال، إلى الكفاح ضد الأمراض والأوبئة دفاعا عن صحة وحياة شعب بأكمله. ونحن متأكدون أننا سنتجاوز أزمة كورونا، وكلما كان سلوكنا هادئا ومتكاملا ومتسما ليس بحرص الإنسان على نفسه وعائلته فقط بل على الآخرين أيضا، استطعنا أن نتجاوز هذا المرض وآثاره بسرعة.ملاحظتان أخيرتان بشأن حادثتين مؤسفتين، وقعتا وأصابتانا بصدمة شديدة:الأولى حادثة الاعتداء على مواطنتين يابانيتين، والثانية الجريمة البشعة والمستهجنة بالاعتداء الوحشي بالاغتصاب على مواطنة بولندية جاءت لزيارة فلسطين.كلا الحادثتين تنمان عن سلوك عنصري كريه، وهو أمر لا يليق بأفراد شعب يخوض نضالا ضد أشد نظام عنصري في عصرنا، والحادثة الثانية تنم عن سلوك إجرامي متوحش، يمس قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وديننا وكل مبادئ احترام كرامة وحقوق المرأة والنساء.ويجب عدم التراخي أو التهاون في إيقاع أشد العقوبات بمن ارتكبوا هذه الجريمة النكراء، إذ إنهم لم يسيئوا للضحية فقط، بل لعائلاتهم وشعبهم بكامله، وتحية لكل أولئك الجنود المجهولين الذين يتصدون اليوم لمهامهم ببسالة، مدافعين عن قيم شعبنا، وعن صحة أبنائه وبناته، وأطفاله، دون انتظار شكر من أحد. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.