منذ القرون الوسطى، تم اللجوء إلى فرض إجراءات الحجر والطوق الصحي لمنع الأوبئة الكبرى كالطاعون والكوليرا والحمى الصفراء من الانتشار، في تدابير شبيهة بما تشهده إيطاليا والصين حالياً.

في إجراء غير مسبوق في أوروبا، وضع أكثر من 15 مليون شخص في شمال إيطاليا تحت حجر صحي بدءاً من الأحد، مع فرض قيود مشددة على تحركاتهم وخروجهم ودخولهم من المنطقة.

Ad

وقبل إيطاليا، اتخذت إجراءات الحدّ من الحركة في ووهان، المدينة البالغ عدد سكانها 11 مليون نسمة والواقعة وسط الصين، ومركز مقاطعة هوباي التي يقطنها 50 مليون شخص، وقد تأثرت حياتهم اليومية بشكل كبير بسبب التدابير.

عزل مؤقت

يوضح باتريك زيلبرمان المتخصص بالتاريخ الصحي في معهد الدارسات العليا في الصحة العامة في فرنسا لفرانس برس أنّ «عمليات الحجر هذه هي على مستوى عدد سكان الصين، وباستثناء السارس في عام 2003، لا شيء يقارب إطلاقاً حجم هذه العملية، ربما فقط حجر بومباي حين ضربها الطاعون في عام 1898».

وفي فترة أقرب من ذلك ومع انتشار وباء إيبولا بين عامي 2013 و2016 في غرب إفريقيا، فرضت عدة مرات تدابير إغلاق حدود وعزل وحجر، وأجبر 6 ملايين سيراليوني على البقاء في بيوتهم في سبتمبر 2014 لثلاثة أيام، ومن جديد في مارس 2015، وهذا «الإغلاق الشامل» يهدف إلى وقف انتشار الوباء.

يعني الحجر عزلاً موقتاً يفرض على أشخاص أو سفن أو حيوانات وافدة من بلدان تشهد مرضاً معدياً.

أما الطوق الصحي فيتضمن إنشاء نقاط مراقبة، لمنع وتنظيم الخروج والدخول من مناطق يطالها وباء.

وهذا ما حصل في الصين، مع فرض طوق صحي على مدينة ووهان، لكبح انتشار كوفيد-19.

سجل أول فرض لإجراءات عزل لسفن قادمة من مناطق ضربها الطاعون في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، خشية من امتداده، في دوبروفنيك في كرواتيا عام 1377 وفي البندقية في إيطاليا عام 1423.

ومدة الحجر هي أربعين يوماً ومنها اشتقت الكلمة الفرنسية للحجر، «كارانتان».

وأطلق على منشآت الحجر التي تستقبل الطواقم المصابة بالوباء، اسم «لازاريتو»، وهو مشتق من اسم جزيرة «سانتا ماريا دي نازاريت» (القديسة مريم الناصرية) الواقعة في خليج البندقية حيث كانت ترسو تلك السفن، وقد يكون تحويراً لاسم أليعازر المجذوم الوارد في الإنجيل.

اعتمدت عمليات الحجر بعد ذلك مراراً في أوروبا، كما في حصل مع انتشار وباء الكوليرا العالمي في ثلاثينات القرن التاسع عشر.

الطوق الصحي

ولد تعبير «الطوق الصحي» في فرنسا في القرن التاسع عشر، حينما أرسلت باريس 30 ألف عسكري لإغلاق الحدود مع إسبانيا بهدف منع امتداد وباء الحمى الصفراء.

لكن، حتى قبل هذا التاريخ، أنشئت حواجز صحية في بعض الأحيان في مراحل انتشار الطاعون، كما يذكّر مدير معهد الأمراض المعدية والصحة العامة في جامعة ليفربول توم سولومون.

ويشير إلى «مَثل» العزل الطوعي «الشهير» في عام 1665 لقرية إيام في إنكلترا، بعد ظهور إصابة بالطاعون، بهدف تفادي انتقال العدوى إلى باقي المنطقة.

وفي جنوب شرق فرنسا، رفع «جدار الطاعون» على امتداد 27 كلم في فوكلوز الفرنسية من أجل حماية مقاطعة فيناسان من الوباء الذي كان يفتك حينها بمارسيليا وبروفانس.

يمكن لفرض قيود على الحركة أن تأتي «بنتائج عكسية»، عبر إثارتها الذعر ما يحثّ العديد من الأشخاص على الفرار مهما كلف الأمر، بحسب سولومون.

وقد تؤدي أيضاً إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة كما حصل في بومباي عند انتشار الطاعون أواخر القرن التاسع عشر، بسبب إرغام رجال ونساء على الاستشفاء دون أخذ طبقتهم الاجتماعية بعين الاعتبار، كما يوضح باتريك زيلبرمان.

وفي وقت أقرب من ذلك، تسبب انتشار مرض السارس في عام 2003 باندلاع أعمال شغب وتظاهرات في منطقتي نانكين وشنغهاي (شرق الصين)، بعد فرض حجر صحي بالقوة، كما يشرح هذا المؤرخ في مقاله «عواصف جرثومية».

وأعلن مسؤول صيني كبير الجمعة أن مقاطعة هوباي في وسط الصين التي منها انطلق كوفيد-19، قد تفتح من جديد بعد شهر من إغلاقها للتصدي للمرض.